وضع "بيتر" مدخراته البالغة نحو 6 ملايين دولار في حسابات بثلاثة بنوك صغيرة بمقاطعة خنان بوسط الصين. يقول إنه لم يتمكن من الوصول إليها منذ أبريل (نيسان) الماضي. و"بيتر" الذي يقيم في مدينة ونتشو الشرقية هو مجرد واحد من آلاف المودعين الذين يكافحون لاسترداد مدخراتهم من ستة بنوك على الأقل في المقاطعات الريفية بوسط الصين.
عندما حاول الوصول إلى حساباته عبر الإنترنت، يظهر بيان على الصفحة الرئيسة لإبلاغه بأن الموقع قيد الصيانة وأن الخدمات لن تكون متاحة لبعض الوقت. وبعد أكثر من شهرين من المحاولات المستمرة للوصول إلى أمواله، فإن الخدمة ما زالت لا تعمل بدعوى أن الموقع يخضع للصيانة.
وتشير البيانات إلى أن المشكلات المتعلقة بإمكانية الوصول إلى الحسابات البنكية في الصين بدأت تظهر في أبريل الماضي، وذلك عندما علقت أربعة بنوك في مدينة "خنان" السحب النقدي.
في الصين، يسمح للبنوك المحلية فقط بالحصول على الودائع من قاعدة عملائها داخل الصين، لكن السلطات تقول إنه تم استخدام "منصات الطرف الثالث" للحصول على الأموال من المودعين خارج المنطقة. في حالة "بيتر"، على سبيل المثال، تقع مسقط رأسه على بعد أكثر من 700 ميل من البنوك في مدينة "خنان".
4 بنوك جذبت الأموال بشكل غير قانوني
واتهمت هيئة الرقابة المصرفية الوطنية أحد المساهمين الرئيسين في البنوك الأربعة بجذب الأموال بشكل غير قانوني من المدخرين. وقالت لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية، إن مجموعة "هينان فورتشن غروب"، المساهم في أربعة بنوك قروية، استوعبت بشكل غير قانوني الأموال العامة من خلال التواطؤ الداخلي والخارجي، واستخدام منصات طرف ثالث، ووسطاء الأموال"، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء شينخوا في مايو (أيار) الماضي. وقالت الوكالة، إن "الشرطة فتحت قضية للتحقيق في الأمر".
وأصبح التهافت على البنوك الصينية الصغيرة أكثر تكراراً في السنوات الأخيرة، واتهم البعض بمخالفات مالية أو فساد، لكن الخبراء قلقون من أن مشكلة مالية أكبر بكثير قد تلوح في الأفق، ناجمة عن تداعيات انهيار العقارات والديون المعدومة المرتفعة المتعلقة بوباء "كوفيد-19".
وحتى الآن، لا توجد تقديرات رسمية في شأن المبلغ الإجمالي للأموال التي لا يستطيع المودعون المصرفيون سحبها، فيما لم تعلن الشرطة المحلية أو هيئة الرقابة المصرفية الوطنية أي تفاصيل عن الأزمة، لكن مجلة "سانليان لايفويك"، وهي مجلة مملوكة للدولة، ذكرت أن أكثر من 400 ألف عميل مصرفي في جميع أنحاء الصين لم يتمكنوا من الوصول إلى مدخراتهم.
يقول فرانك شيه، الأستاذ في جامعة ساوث كارولينا، الذي يدرس الأعمال التجارية الصينية والاقتصاد، إن هذا الرقم يمثل قطرة في محيط النظام المصرفي الصيني الضخم، لكن نحو ربع إجمالي أصول الصناعة مملوك من قبل نحو 4 آلاف مقرض صغير، غالباً ما يكون لديهم ملكية مبهمة وهياكل حوكمة وهم أكثر عرضة للفساد، والتراجع الحاد والتباطؤ الاقتصادي.
وأضاف، "مع تباطؤ الاقتصاد الصيني، يزداد النقص المالي سوءاً، ويصبح سداد الديون أكثر انتشاراً بين الشركات الصينية، بخاصة في قطاع العقارات، يمكن أن تتزايد عمليات تشغيل البنوك على نطاق واسع".
منع أصحاب الأموال من الاحتجاج
وكان لدى كثير من المدخرين ما يكفي لشراء مستلزماتهم، لكن في أواخر الشهر الماضي، سافر مئات المودعين إلى مدينة تشنغتشو، عاصمة خنان، للاحتجاج خارج مكتب المنظم المصرفي للمطالبة باستعادة أموالهم، لكن من دون جدوى. وتم التخطيط لاحتجاج آخر في يونيو، لكن مع وصول المودعين إلى مدينة تشنغتشو، صدموا عندما اكتشفوا أن رموزهم الصحية- التي كانت خضراء عند المغادرة- قد تحولت إلى اللون الأحمر، وفقاً لما تم تداوله من منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. وأي شخص يحمل رمزاً أحمر- يتم تعيينه عادة للأشخاص المصابين بفيروس كورونا أو تعتبره السلطات معرضاً لخطر الإصابة بالعدوى- يصبح على الفور شخصاً غير مرغوب فيه. إنهم ممنوعون من جميع الأماكن العامة ووسائل النقل وغالباً ما يخضعون لأسابيع من الحجر الصحي الحكومي.
وفي مدينة خنان، ألقت لجنة تنظيم البنوك والتأمين الصينية اللوم على شركة الاستثمار الخاص التي تمتلك حصصاً كبيرة في جميع المقرضين الأربعة. وقالت الشرطة خلال الأسبوع الماضي، إن عصابة إجرامية يرأسها مراقب شركة الاستثمار "يشتبه في استخدامها بنوك القرى لارتكاب جرائم خطيرة". وتقول الشرطة إنها اعتقلت عدداً من المشتبه فيهم.
لكن لم يعد لدى مجموعة "هينان فورتشن غروب"، موقع ويب. ولم تدل الشركة بأي تصريحات عامة ويعتقد أنها ألغيت. وقبل أيام، قالت بنوك خنان الأربعة، إنها ستبدأ في جمع المعلومات من العملاء الذين تأثروا بإغلاق أنظمة المعاملات عبر الإنترنت. وأضافت البنوك في بيانات منفصلة على موقعها على الإنترنت أن هذه الخطوة كانت مطلوبة من قبل المنظمين الماليين، من دون الخوض في مزيد من التفاصيل.
لكن هذا لا يريح عملاء البنوك. فالودائع التي تصل إلى 500 ألف يوان (نحو 75 ألف دولار) مضمونة في حالة فشل البنوك، لكن هذا لا يكفي للبعض- مثل "بيتر"- وإذا وجد تحقيق الحكومة أن مدخراتهم هي معاملات "غير متوافقة"، فقد يخسرون كل شيء.
زيادة المخاطر
في أوائل عام 2021، منعت بكين البنوك من بيع منتجات الودائع عبر منصات إلكترونية تابعة لطرف ثالث، خوفاً من أن يؤدي التوسع السريع في قطاع التكنولوجيا المالية إلى زيادة المخاطر في النظام المالي الأوسع. ووصف بنك الشعب الصيني هذه الممارسات بأنها "أنشطة مالية غير مشروعة".
إذن لماذا تتجاهل البنوك المحلية الصغيرة في خنان الحظر على ما يبدو وتزيد الودائع من المدخرين الذين يعيشون في الجانب الآخر من البلاد؟ يقول منظم الخدمات المصرفية والتأمين الوطني في الصين، إن منصات الطرف الثالث عبر الإنترنت سمحت لهم بتجاوز هذه القيود الجغرافية وتنمية أعمالهم على الصعيد الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في حالة مجموعة "هينان"، فقد أبلغت وسائل إعلام حكومية عن بيع منتجات الإيداع عبر منصات تابعة أو مملوكة لعمالقة المشهد التكنولوجي في الصين مثل "بايدو" و"جي دوت كوم".
يقول فرانك شيه، خبير الاقتصاد الصيني "يبدو أن منظمي الحكومة المركزية غير قادرين على تطبيق تلك اللوائح التي تهدف إلى منع حدوث هذا النوع من إدارة البنوك". وأضاف أن الفساد "متفش" على المستويات المحلية للمؤسسات المالية. وأوضح أن "الجناة مثل الشخص الذي يسرق الملايين من المودعين غالباً ما يحميهم المتواطئون معهم في الحكومات وفي الإدارة العليا للبنوك".
وقال لوجان رايت، مدير أبحاث الأسواق الصينية في مجموعة "روديوم غروب"، إن "المشكلة الأساسية هي أن النظام المالي الصيني توسع بسرعة كبيرة جداً مقارنة بحجم الاقتصاد خلال العقد الماضي".