احتج الآلاف، وهم يحملون أعلام الاتحاد السوفياتي السابق برمزيها المطرقة والمنجل، في مدريد اليوم، الأحد 26 يونيو (حزيران)، ضد قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، التي ستعقد في العاصمة الإسبانية الأسبوع المقبل.
وسيلتقي قادة الدول الأعضاء في مدريد يومي 29 و30 يونيو، وسط إجراءات أمنية مشددة، في وقت تواجه فيه المنظمة تحدياً غير مسبوق متمثل في الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا.
ومن المتوقع أن يدرس الحلف الطلبين اللذين تعارضهما تركيا، العضو في الحلف، بانضمام فنلندا والسويد. وتقدمت دولتا الشمال بطلبين للانضمام للحلف في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا.
ويصف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الحرب بأنها عملية عسكرية خاصة. ويقول إن من أسبابها الرد على انضمام دول أخرى إلى حلف شمال الأطلسي تقع بالقرب من حدود روسيا، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي منذ التسعينيات.
وهتف المتظاهرون بشعارات تندد بالتسلح قائلين، إن زيادة الإنفاق الدفاعي في أوروبا، التي حث عليها الحلف، تشكل تهديداً للسلام.
وقال المنظمون، إن خمسة آلاف شخص انضموا إلى المسيرة، لكن السلطات في مدريد قدرت العدد بنحو 2200.
وصرح وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، في مقابلة صحافية نشرت اليوم الأحد، بأن القمة ستركز كذلك على التهديد من الجناح الجنوبي لأوروبا في أفريقيا. وقال أيضاً إن روسيا تشكل تهديداً لأوروبا.
تعزيز القدرات العسكرية
كشف أحد كبار المسؤولين في وزارة الدفاع البريطانية، أن حرب روسيا في أوكرانيا تدفع حلف "الناتو" لـ"إعادة دراسة" تعزيز قدراته العسكرية.
وسأل نيك فيراري من إذاعة "أل بي سي" البريطانية، رئيس أركان الدفاع، السير توني راداكين، عما إذا كان يشعر بالقلق إزاء التعليقات التي أدلى بها وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، بأن الدول الغربية قد تعاني لشن هجوم طويل الأمد ضد روسيا.
أجاب السير توني، أن التحالف العسكري كان يقيم موارده والسرعة التي يمكن أن يرد بها إذا كان هناك تصعيد مع روسيا، لكنه أشار إلى أن "الدفاع الجماعي" لـ"الناتو" منح المملكة المتحدة وحلفاءها قوة غير عادية.
وأضاف، "أعتقد أن النقطة المهمة التي يجب التفكير فيها هنا، هي أننا في التحالف العسكري الأكبر والأكثر فاعلية في العالم، يسمى حلف الناتو"، لافتاً إلى أن "ثلاثة ملايين ونصف المليون شخص يرتدون الزي العسكري، هذا الدفاع الجماعي مع الولايات المتحدة وجميع الدول الأوروبية في الناتو وكندا يمنحنا قوة غير عادية".
سرعة وحجم الرد المحتمل
وأضاف السير توني، "لكنني أعتقد أن ما يقوله وزير الدفاع هو إن هذا العدوان من روسيا، يجعلنا جميعاً نعيد تقييم سرعة وحجم الرد المحتمل لنا، ومعدلات الإنفاق التي قد تنطوي عليها الحرب".
وتابع، "كيف تضمن فوزك بسرعة؟ هذا ما ندرسه، ويسعدني القول إن الفوز يضمنه دفاعنا الجماعي"، مشيراً "استعدادنا الجيد هو أفضل طريقة لمنع الحرب، وإظهار جاهزيتنا الدائمة. وبأنه في حال شن عدوان، فستتم مواجهته بشكل صارم".
وأتت تعليقات السير توني بعد أيام فقط من اعتراف والاس بوجود مخاوف من أن المملكة المتحدة وحلفاءها قد يعانون في نزاع طويل الأمد ضد روسيا، مشيراً إلى أن القوات في المملكة المتحدة وأوروبا والولايات المتحدة "مجوفة" وليس لديها خطوط إمداد كافية.
ذريعة للحرب
وبرز اسم "الناتو" كذريعة رئيسة للحرب الروسية على أوكرانيا، فعلى مدار الأشهر السابقة للحرب، تكرر تنديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتنامي "القدرات العسكرية" للحلف على حدود بلاده، وهو ما أبداه بشكل لا لبس به خلال القمة الافتراضية، التي جمعته ونظيره الأميركي جو بايدن، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وطالب بـ"ضمانات" لعدم توسع الحلف شرقاً، قاصداً تحديداً أوكرانيا وجورجيا التي تصاعد الخلاف بشأنهما بين موسكو والغرب، بعد أن فتح الحلف احتمالات انضمامهما في عام 2008.
وبعد أشهر من تلك التحذيرات المتكررة، التي صاحبها عدد من المناورات العسكرية في البحر الأسود من الطرفين، أقدم بوتين على تنفيذ تهديده، وشن ما يصفه الكرملين بـ"عملية عسكرية" ضد أوكرانيا، التي يبدو أنها فتحت "صندوق باندورا"، حيث تشهد أوروبا حالياً أكبر صراع لها منذ الحرب العالمية الثانية، مع إجبار آلاف الأوكرانيين على الفرار من وطنهم، والبحث عن الأمان في دول الاتحاد الأوروبي المجاورة، فضلاً عن التأثير العالمي الأوسع من نقص الغذاء والطاقة. وهي المخاطر التي دفعت دولاً كانت تقف على الحياد مثل فنلندا والسويد لطلب الانضمام للحلف العسكري الغربي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المفهوم الاستراتيجي الجديد
بينما تنعقد قمة حلف "الناتو" في العاصمة الإسبانية مدريد أواخر يونيو الجاري، فإنها ستكون قمة استثنائية على أصعدة عدة، أهمها اعتماد ما يعرف بـ"المفهوم الاستراتيجي الجديد"، وهو وثيقة سياسية أساسية تحدد التحديات الأمنية للحلف وكيفية مواجهتها، كما تحدد الخطوط العريضة للمبادئ التوجيهية للتطور السياسي والعسكري للتحالف في المستقبل.
ووفقاً للأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، فإن من المتوقع أن يعلن قادة "الناتو" خلال القمة، روسيا باعتبارها "تهديداً للسلام والاستقرار"، في إطار "المفهوم الاستراتيجي الجديد"، وهو تحول عن الاستراتيجية الحالية التي تحدد روسيا كشريك للتحالف.
كما ستتضمن الوثيقة الجديدة الصين، باعتبار أن صعودها المتنامي يشكل تحدياً لمصالح وقيم وأمن "الناتو"، المنظمة التي تأسست عام 1949، وتضم في عضويتها 30 دولة أوروبية وكندا والولايات المتحدة.
أحد أبرز القضايا التي سيتم تناولها في القمة هو عدد القوات أو الأسلحة التي سينشرها "الناتو" على حدوده مع روسيا على المدى المتوسط والبعيد. والأربعاء الماضي، خلال مؤتمر صحافي حول القمة، كشف ستولتنبرغ عن استعدادات "الناتو" لنشر مزيد من الأسلحة والقوات على طول حدوده الشرقية مع اشتعال الحرب الروسية في أوكرانيا المجاورة، لكن بينما يتفق الحلفاء على أنه يجب أن يكون هناك وجود أكبر لحلف شمال الأطلسي في دول الجناح الشرقي، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، كانت هناك نقاشات داخلية حول أفضل سبل نشر القوات في المنطقة. ففي حين دعا بعض الحلفاء الشرقيين إلى الوجود الدائم لقوات "الناتو" في بلدانهم، فضل آخرون نهجاً أكثر مرونة وتناوباً.
وقال الأمين العام، إن الحلف سيكون لديه "مزيد من التشكيلات القتالية المنتشرة من قبل الناتو لتعزيز مجموعاتنا القتالية في الشرق"، مضيفاً أنه سيكون هناك أيضاً مزيد من "المعدات الموجودة مسبقاً ومخزونات الأسلحة"، لكن للمرة الأولى منذ الحرب الباردة، أشار إلى أن التحالف ستكون لديه "قوات مخصصة مسبقاً لدول معينة في الشرق، مرتبطة بخططنا الدفاعية".
وقد أشارت ألمانيا بالفعل إلى أنها ستوفر مزيداً من القوات لحماية ليتوانيا بموجب هذا النموذج، بما في ذلك نشر المعدات وعناصر القيادة في البلاد، وتخصيص لواء ألماني للدفاع عن ليتوانيا من دون تمركزه هناك بشكل دائم، وتناقش بريطانيا نوع الوجود المتزايد لها الذي يمكن أن توفره في إستونيا.