رافق عنف "غير مسبوق" محاولة مهاجرين اقتحام سياج جيب مليلية الإسباني من المغرب، في مأساة خلفت مصرع 23 منهم على الأقل، وشبهها أحد الناجين بـ"الحرب"، في سياق تشديد الضغط عليهم بعد استئناف التعاون المغربي الإسباني.
غداة المأساة، التي خلفت أيضاً جرحى في صفوف قوات الأمن المغربية. يقول أحد الناجين في مركز احتجاز بمليلية لوكالة الصحافة الفرنسية "كان الأمر مثل حرب (...)، جئنا حاملين الحجارة لنقاتل القوات المغربية، لكنهم ضربونا".
كان هذا الشاب القادم من السودان من ضمن نحو ألفي مهاجر، من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، حاولوا فجر الجمعة اقتحام سياج عال من أسلاك شائكة محاط بخندق للوصول إلى مليلية، قبل أن تصدهم قوات الأمن المغربية.
ليست هذه المرة الأولى التي ينزل فيها مهاجرون من مخيماتهم في العراء وسط غابات الجبال المحيطة بمدينة الناظور للمخاطرة بحياتهم قصد الوصول إلى "الفردوس الأوروبي" عبر مليلية أو سبتة. وهما الجيبان الإسبانيان شمال المغرب، اللذان يشكلان الحدود البرية الوحيدة للاتحاد الأوروبي مع القارة الأفريقية، ويشهدان بانتظام مثل هذه المحاولات.
لكن هذه المحاولة كانت "أول مرة نرى فيها أن المهاجرين كانوا عنيفين في مواجهتهم مع قوات الأمن"، كما يقول الناشط عمر ناجي الذي يتابع ملف الهجرة في فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور منذ سنوات.
يسود الانطباع نفسه في حي باريو شينو بمحيط مدينة الناظور، الذي تفصله أمتار قليلة عن السياج الحدودي، حيث وقعت المأساة. ويقول أحد سكان هذا الحي ويدعى عصام أوعايد (24 سنة)، "هذه أول مرة نرى فيها مهاجرين محملين بعصي وقضبان حديد يستهدفون قوات الأمن وليس فقط السياج".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتأسف امرأة تقيم في الحي "لحال بشر مثلنا لا يعقل منعهم من حقهم في العيش".
يربط عمر ناجي هذا العنف بسياق "التفاهمات الجديدة" بين المغرب وإسبانيا لتعزيز التعاون الأمني في مكافحة الهجرة غير النظامية، الملف الشائك والحيوي في علاقات البلدين، إذ تشكل سواحل المملكة المتوسطية والأطلسية ممرات تقليدية للحالمين بحياة أفضل في أوروبا.
واتُهمت الرباط في الماضي باستخدام هؤلاء المهاجرين ورقة ضغط على مدريد، خصوصاً في سياق الأزمة الدبلوماسية التي مرت بها علاقات البلدين العام الماضي، لكن المصالحة التي توصلا إليه أخيراً، واستئناف تعاونهما في مكافحة الهجرة غير النظامية، تزامنت مع انخفاض في أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا، بحسب وزارة الداخلية الإسبانية.
صودف استئناف هذا التعاون أيضاً مع "تشديد الضغط" على المهاجرين في الغابات المطلة على جيب مليلية، "حيث رصدنا تعاملاً مشدداً معهم من طرف السلطات وحصاراً على مخيماتهم. لا شك أن هذا الضغط ولد العنف غير المسبوق الذي رأيناه"، بحسب عمر ناجي.
وكانت وسائل إعلام تحدثت قبل حادثة الجمعة عن مواجهات متفرقة وإصابات بين مهاجرين وقوات الأمن المغربية، خلال مطاردتهم في الغابات لإبعادهم من المنطقة.
الأحد، أحبطت الشرطة محاولة جديدة لاقتحام سياج سبتة في عملية أسفرت عن توقيف 59 مهاجراً من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وفق ما أعلنت الشرطة المغربية.
طرق شاقة
وغالباً ما يصر المهاجرون الذين يعبرون طرقاً شاقة على تكرار محاولات العبور، ولو تم إبعادهم من المناطق الحدودية، ما لم تنته رحلتهم نحو حياة أفضل، في مستودعات الأموات أو عمق البحر.
ويضيف ناجي "نتحدث عن مهاجرين ينتظرون هنا منذ عامين أو ثلاثة... لا يمكن للمغرب أن يغلق حدوده تماماً ليلعب دور دركي أوروبا، وإلا سيؤدي ذلك إلى مزيد من العنف".
من جهته، يلفت المهاجر والناشط الحقوقي بمدينة الناظور عثمان با إلى أن الأمر يتعلق "بأشخاص عاشوا ويعيشون ظروفاً جد قاسية، ما يجعلهم مستعدين نفسياً للعنف عند أول مواجهة مع قوات الأمن"، مشيراً إلى أنه لأول مرة يشاهد هذه الدرجة من العنف منذ حلوله في المغرب قبل 20 عاماً.
يقطع هؤلاء في الغالب طرقاً محفوفة بالمخاطر ليصلوا إلى المغرب عبر الجزائر أو موريتانيا، فيما يصل آخرون بطرق نظامية عبر المطارات المغربية، وفق نشطاء متخصصين في قضايا الهجرة.
وتتحدر نسبة كبيرة من المهاجرين الجدد في الناظور من السودان، وخصوصاً دارفور، حيث أودت موجة جديدة من العنف أخيراً بالمئات، وتسببت بتشريد نحو 50 ألف شخص.
ودعت منظمات غير حكومية مغربية وإسبانية إلى فتح تحقيق في المأساة، و"تفكيك المخيمات الغابوية بطرق سلمية"، و"عدم السماح مستقبلاً بخلق غيتوات" في هذه الغابات، كما جاء في بيان لنقابة المنظمة الديمقراطية للشغل التي تدافع عن العمال المهاجرين.