كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية عن استضافة منتجع شرم الشيخ المصري لقاءً - هو الأول من نوعه على هذا المستوى - ضم مسؤولين عسكريين من السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين ودولة قطر والمملكة الأردنية وجمهورية مصر ودولة إسرائيل، للبحث في السبل الكفيلة بمواجهة التهديدات الإيرانية. وأشارت إلى أن الاجتماع الذي عقد في مارس (آذار) بمسعى من الولايات المتحدة، وركز على التهديدات الإيرانية المتزايدة بالصواريخ والمسيّرات، وفق مسؤولين أميركيين وشرق أوسطيين.
ووفق الصحيفة، يمثل الاجتماع غير المعلن عنه سابقة لجهة الجمع بين مسؤولين بارزين عرب وإسرائيليين إلى طاولة محادثات واحدة لدرس تعزيز الدفاع في مواجهة تهديد مشترك. ونقلت عن المصادر أن الاجتماع جاء في حين لا تزال الدول المشاركة في المرحلة المبكرة من مناقشات تستهدف تحقيق تعاون عسكري. ومثل الولايات المتحدة الجنرال فرانك ماكينزي، قائد القيادة المركزية الأميركية الذي تقاعد من منصبه في الأول من أبريل (نيسان). وأشارت الصحيفة إلى أن تعاوناً عسكرياً كهذا لم يكن ممكناً في السابق، إذ شجع القادة العسكريون العاملون في المنطقة الدول العربية على تنسيق دفاعاتها الجوية من دون إشراك إسرائيل التي كان يراها قسم كبير من العالم العربي عدواً.
"ناتو" الشرق الأوسط
لم يكن الحوار الذي أجراه العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، مع "سي أن بي سي"، المرة الأولى التي تستخدم فيها عبارة "ناتو شرق أوسطي"، إلا أنها كانت المرة الأولى التي تستخدم من قبل مسؤول رفيع بهذا المستوى.
وعلى الرغم من أن "وول ستريت جورنال" لم تتحدث عن كيان عسكري إقليمي تم التباحث حوله في شرم الشيخ، إلا أنها أشارت إلى ترتيبات عسكرية وأمنية بحثوا تطويرها ضمن وسائل تنسيق أكثر مرونة وسرعة.
وأكدت أن المحادثات باتت ممكنة بفضل تغييرات كثيرة، تشمل قلق الدول المعنية من إيران، وتحسن العلاقات السياسية في ما بينها، مضيفةً أن من العوامل الأخرى "رغبة الدول العربية المعنية بالوصول إلى التكنولوجيا والأسلحة الخاصة بمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية في وقت تحول فيه الولايات المتحدة أولوياتها العسكرية نحو مواجهة الصين وروسيا. غير أن أمام المناقشات بين مختلف الدول الشرق أوسطية المعنية في شأن التعاون في الدفاع الجوي شوطاً طويلاً تقطعه وهي لا تزال حساسة دبلوماسياً"، بحسب الصحيفة.
وكان الملك عبدالله الثاني قد أكد أنه من أوائل المؤيدين لإنشاء "نسخة شرق أوسطية من حلف الناتو"، مضيفا أن الأمر ممكن مع الدول التي تتقاسم طريقة التفكير نفسها، في حين كشف موقع أميركي عن أن منطقة الشرق الأوسط مقبلةٌ على تطورات سياسية وعسكرية مهمة.
بلا نفي مباشر
ورفض ناطقون رسميون في إسرائيل والدول العربية المعنية، باستثناء الإمارات، التعليق أو لم يردوا على طلبات من الصحيفة للتعليق.
وقالت أبوظبي "ليست دولة الإمارات العربية المتحدة طرفاً في أي تحالف أو تعاون إقليمي يستهدف أي بلد محدد، إضافة إلى ذلك، ليست دولة الإمارات العربية المتحدة على علم بأي مناقشات رسمية تتصل بأي تحالف عسكري إقليمي كهذا"، نافيةً فقط أن نكون العملية المرتقبة موجهة ضد بلد محدد.
وتأتي هذه القمة بعد أخرى مشابهة في مارس (آذار) الماضي في النقب الأردنية، أعقبتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بتقرير قالت فيه، إن "المجتمعين في منتدى النقب (أميركا ومصر وإسرائيل والإمارات والمغرب والبحرين) طرحوا أفكاراً حول الدفع بالتعاون البيني في مجالات الأمن لمواجهة التهديدات الإيرانية، تحت عنوان (هندسة الأمن الإقليمي)، والتي تهدف إلى بلورة حلول رادعة مقابل التهديدات في الجو والبر والبحر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت قمة النقب هي المناسبة الأولى التي يطرح فيها حل "الناتو" بشكل واضح، ثم توالت اللقاءات بعدها حول الفكرة. فبحسب "وول ستريت" فإن محادثات شرم الشيخ تلت مناقشات عقدتها مجموعة عمل أدنى مستوى ضمت ممثلين عن بلدان شرق أوسطية ناقشوا سيناريوهات افتراضية حول كيفية تعاون هذه البلدان لتحديد التهديدات الجوية والدفاع ضدها. وضمت المجموعة مدير السياسة والخطط الاستراتيجية في القيادة المركزية الأميركية وقتذاك، اللواء في مشاة البحرية سكوت بنديكت.
البداية عبر نظام للإبلاغ السريع
ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن اجتماع شرم الشيخ توصل إلى اتفاق في المبدأ على إجراءات للإبلاغ السريع عن أي تهديدات جوية يجري تحديدها، وذلك في الوقت الحالي عبر اتصالات هاتفية أو كمبيوترات وليس في ما يشبه تشارك المعلومات الرقمي السريع جداً الشبيه بما هو معتمد من قبل الجيش الأميركي. وتناولت المناقشات كيفية اتخاذ القرار في شأن أي جيش من جيوش الدول المشاركة سيتولى مواجهة التهديدات الجوية. غير أن هذه التفاهمات ليست ملزمة. وتتطلب الخطوة التالية موافقة القادة السياسيين للبلدان المعنية لقوننة ترتيبات الإبلاغ وتحديد مصلحة القادة الشرق أوسطيين في توسيع التعاون.
رحلات التنسيق المكوكية
تأتي هذه الأنباء في وقت تشهد فيه مطارات المنطقة رحلات مكوكية بين عواصمها لقادة دول ومسؤولين رفيعين بشكل ملفت، قبيل الزيارة الأميركية إلى الرياض حيث يلتقي الرئيس بايدن بقادة المنطقة.
ففي الأيام الماضية، زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مصر والأردن وتركيا، في حين زار أمير قطر تميم بن حمد مصر والجزائر، ثم أجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي زيارتين إلى البحرين وعُمان، في حين حطت طائرة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الرياض وينوي زيارة طهران بعد ذلك.
ويعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن زيارة السعودية وإسرائيل في منتصف يوليو (تموز). وقالت ناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي للصحيفة، إن البيت الأبيض يؤيد "توسيع العلاقات العربية الإسرائيلية وتعميقها"، لكنها لم تخُض في تفاصيل. وتأمل واشنطن منذ عقود في بناء درع للدفاع الجوي في الشرق الأوسط يربط الرإدارات والأقمار الاصطناعية وأجهزة الاستشعار الأخرى المتوفرة لدى بلدان المنطقة. وتؤدي الولايات المتحدة حالياً دوراً مركزياً في تعقب التهديدات الجوية في المنطقة من قاعدة العديد الجوية في قطر، حيث يقبع مركزها للقيادة الحربية الجوية في الشرق الأوسط. وثمة ضباط ارتباط من دول عربية في القاعدة.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن توم كاراكو، مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية في واشنطن، قوله، "في مرحلة ما بعد اتفاقات أبراهام، ساعدت سنوات من الهجمات المستمرة بالصواريخ والمسيرات والتي تقوم بها إيران وأدواتها، في التقريب بين إسرائيل وعدد من جاراتها. وفي هذا المجال، تعتبر الثواني والبوصات أمراً حاسماً، يعد الحصول على تحديد وإنذار مبكرين، ومن ثم تتبع دقيق، أمراً مفيداً في شكل هائل لقدرة المدافعين على الرد على تهديد مقبل وتحديده واعتراضه".
وأشارت الصحيفة إلى أن دول الشرق الأوسط قلقة أيضاً من المجموعات المسلحة السنية التي طورت استخدام المسيّرات في شن الهجمات. وتتعاون مصر والأردن اللذان تربطهما اتفاقيات سلام سابقة لاتفاقات أبراهام بفترة طويلة مع الدولة العبرية في مجال الدفاع الجوي. واستبعدت مصادر عربية أن تتبنى السعودية علناً تحالفاً عسكرياً يضم إسرائيل، فالدولتان لا تقيمان علاقات دبلوماسية. غير أن اجتماع شرم الشيخ شمل الجنرال أفيف كوخافي، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، والفريق الأول الركن فياض بن حامد الرويلي، رئيس أركان الجيش السعودي. وضم الحضور الفريق الركن سالم بن حمد النابت، رئيس أركان الجيش القطري، وقادة عسكريين بارزين من الأردن ومصر والبحرين، في حين أرسلت الإمارات ضباطاً أقل رُتَباً، وفق الصحيفة.