في تصعيد جديد ضد استفزازات إيران، أكد وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير أنه في حال اتخاذ إيران قراراً بإغلاق مضيق هرمز سيقابل بردّ فعل "قوي جداً جداً".
وعلى ما يبدو، فإن طبول الحرب قد دقت بالفعل مع قيام إيران بإسقاط طائرة أميركية، ما دفع إلى تحركات أميركية داخلية وخارجية. وبدأت الولايات المتحدة مشاوراتها مع حلفائها الدوليين بشأن الرد على الاستفزاز الإيراني، وفي الوقت نفسه دعا الكونغرس الأميركي قادة أجهزة الأمن والدفاع والاستخبارات إلى اجتماع عاجل، بينما تتواصل التعزيزات الأميركية إلى منطقة الخليج.
وقال الوزير عادل الجبير "نحتاج للتهدئة في المنطقة لكن لا نستطيع ذلك مع تسبب إيران بالكثير من الأذى"، مشدداً على أن السعودية لا تريد حرباً مع إيران، وأن المجتمع الدولي مصمم على مواجهة سلوك طهران العدائي. وأشار إلى أن الرياض تتشاور مع الحلفاء لتأمين الممرات المائية، وتبحث في خيارات متعددة، مؤكداً أن هناك أدلة كافية على أن إيران تقف وراء الهجمات الأخيرة على ناقلات النفط.
وقال إن اعتداءات إيران على طريق الملاحة البحرية ستؤثر على العالم، لافتاً النظر إلى ما تعرضت له أربع ناقلات نفط قبالة ساحل الفجيرة الإماراتي، وناقلتان في خليج عُمان، لهجمات تخريبية في حادثين منفصلين وأشارت أصابع الاتهام إلى إيران في تلك الهجمات، وطالب إيران بتغيير سلوكها العدواني ووقف دعم الإرهاب، وأن "تعود دولة طبيعية". وفي ما يتعلق بالتأثير في مواقف الدول العظمى، أشار الجبير إلى أنه "من السخف تصور أن يحاول أي طرف جر قوى عظمى لحرب مع إيران".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحركات إيرانية وتحذيرات أميركية
وقبل أيام، تساءلت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير عما يمكن أن يحصل إذا نفذت إيران تهديداتها، وأغلقت مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية. وأقرت الصحيفة في مقالة تحدثت فيها عن التحذير الأميركي "من قوة لا هوادة فيها" ضد إيران، بأن طهران من الناحية النظرية يمكن أن تحاول إغلاق مضيق هرمز الرابط بين الخليج العربي وخليج عمان، وذلك من خلال نشر سفنها الحربية أو زراعة ألغام سيستلزم نزعها أشهراً.
وسجلت الصحيفة الأميركية أنه إذا تعذر استخدام هذه الطريق الملاحية، فمن المؤكد أن تنخفض إمدادات شحنات النفط المصدرة إلى دول العالم حوالى 30 في المئة، بينما ستنخفض إمدادات النفط الإجمالية حوالى 20 في المئة وفق بيانات جرى الإفصاح عنها قبل سريان العقوبات الأميركية الأخيرة على صادرات النفط الإيراني.
وأشار التقرير إلى احتمال أن يجري تحويل مسار بعض شحنات النفط ونقلها عبر خطوط أنابيب حصلت توسعتها على خلفية المخاوف من وقوع صدام بين الغرب وإيران، لكن قدرات الأنابيب الاستيعابية تبقى محدودة وهي أكثر تكلفة.
هل لإيران الحق في إغلاق مضيق هرمز؟
وبينما ترى إيران أنها تملك كامل الحق في مضيق هرمز، قال المحلل الاستراتيجي وزميل مجلس السياسة الخارجية الأميركية جيمس روبنز، إن إغلاق طهران الممر المائي سيكون أمراً غير قانوني، وأرجع في تقرير نشرته إذاعة "راديو فردا" ذلك إلى أسباب عدة، أبرزها كون المضيق ممراً مائياً محمياً دولياً بنص المادة 38 من الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي اعتُمدت في 30 أبريل (نيسان) عام 1982.
وتنص المادة 38 على أن "جميع السفن العابرة للمضائق الدولية، بما فيها مضيق هرمز، تتمتع بحق المرور من دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن أو الناقلات تجارية أو عسكرية". وفي نظر القانون الدولي، فإن مضيق هرمز هو جزء من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور فيه ما دام لا يضر بسلامة الدول الساحلية أو يمس نظامها أو أمنها.
وأضاف روبنز أنه إذا اتخذت إيران إجراء أحادياً بمنع العبور عبر المضيق، سيكون ذلك خطأ فادحاً من شأنه إثارة حفيظة الدول التي تستخدم المضيق للشحن أو تلك التي تسعى لتطبيق القوانين الدولية. وقال "اعتقاد إيران باستخدام دول متعاطفة في مجلس الأمن مثل روسيا لحق النقض، ضد أي محاولة لإعادة فتح المضيق بالقوة، قد يكون في غير محله، لأن الاضطراب الناجم عن الإغلاق قد يكون عميقاً لدرجة أنه سيختبر حتى استعداد موسكو للوقوف إلى جانب شريكها الاستراتيجي".
ماذا تعرف عن مضيق هرمز؟
ومضيق هرمز هو أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن، ويقع في منطقة الخليج العربي فاصلاً ما بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى، فهو المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر، وتطل عليه من الشمال إيران (محافظة بندر عباس) ومن الجنوب سلطنة عمان (محافظة مسندم) التي تشرف على حركة الملاحة البحرية فيه باعتبار أن ممر السفن يأتي ضمن مياهها الإقليمية.
وتعود تسمية المضيق بـ "هرمز" نظراً لتوسّطه مملكة هرمز القديمة والتي اشتهرت باسم "باب الشرق السحري"، كما نُسبت تسميته لـ "هرمز" أحد ملوك بلاد فارس، كذلك إلى اسم الجزيرة "هرمز" الواقعة على ساحل "إقليم مكران".
ماذا تفعل إيران منذ عام 1958 بشأن المضيق؟
وفي مؤتمري قانون البحار اللذين عقدا في جنيف عامي 1958 و1960، حاولت إيران خلال المؤتمر الأول والثاني لانعقادهما لوضع "قانون البحار"، واللذين عُقدا تحت راية الأمم المتحدة، المطالبة بحقها في الإشراف على مضيق هرمز باعتباره يقع ضمن مياهها الإقليمية، إلا أن طلبها رُفض من قِبل جميع المشاركين.
وفي مؤتمر قانون البحار الذي عقد في 30 أبريل 1980، طالبت إيران مجدّداً بحقها في الإشراف على مضيق هرمز، إلا أن طلبها رُفض كلياً وللمرة الثالثة، حتى جاء القانون الدولي لحماية المضائق البحرية في أبريل عام 1982. ويضمّ المضيق عدداً من الجزر الصغيرة غير المأهولة أكبرها جزيرة قشم الإيرانية وجزيرة لارك وجزيرة هرمز، إضافة إلى الجزر الثلاث المتنازع عليها بين إيران والإمارات والتي تضم طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.
ويبلغ عرض المضيق حوالى 50 كيلومتراً بعمق يصل إلى 60 متراً، ويبلغ عرض ممرّي الدخول والخروج فيه قرابة 10،5 كيلومترات، ويعبره ما بين 20 إلى 30 ناقلة نفط يومياً بمعدّل ناقلة نفط كل ست دقائق في ساعات الذروة محمّلة حوالى 40 في المئة من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم.
مطامع تاريخية في المضيق الاستراتيجي
ونظراً لموقع المضيق الاستراتيجي، فإنه لم يستطع الإفلات عبر التاريخ من الأطماع وصراع الدول الكبرى للسيطرة عليه، فمنذ القرن السابع قبل الميلاد وهو يلعب دوراً دولياً وإقليمياً مهماً أسهم في التجارة الدولية، وقد خضع للاحتلال البرتغالي ثم سائر الدول الأوروبية خصوصاً بريطانيا لتنتشر الشركات الغربية المتنافسة، ويتراجع الأمن مع غزوات القراصنة.
واعتبرت بريطانيا مضيق باب السلام مفترق طرق استراتيجية، وطريقاً رئيسيّاً إلى الهند، فتدخلت بأساليب مباشرة وغير مباشرة في شؤون الدول الواقعة على شواطئه لتأمين مواصلاتها الضرورية، فارضة الاحتلال ومتصارعة مع الفرنسيين والهولنديين لسنوات طويلة، إضافة إلى صدامها مع البرتغاليين ابتداء من عام 1588 بعد معركة الأرمادا وعلى إثر إنشاء شركة الهند الشرقية، وبذلك ضمنت بريطانيا السيطرة البحرية على هذه المنطقة.
ولم تكن الملاحة يوماً عبر هذا المضيق موضوع معاهدة إقليمية أو دولية، وكانت تخضع الملاحة في مضيق باب السلام لنظام الترانزيت الذي لا يفرض شروطاً على السفن طالما أن مرورها يكون سريعاً، ومن دون توقف أو تهديد للدول الواقعة عليه، على أن تخضع السفن للأنظمة المقررة من "المنظمة البحرية الاستشارية الحكومية المشتركة".
ويعد مضيق هرمز من أهم 10 مضائق وأكثرها اهتماماً من قِبل دول العالم التي تحتوي على 120 مضيقاً تتوزع عبر مياهه ومحيطاته، وهذه المضائق هي: مضيق فلوريدا، مضيق دوفر، مضيق ساجدات، مضيق موزمبيق، مضيق باب المندب، مضيق جبل طارق ومضيق ملقة، مضيق لومبورك، مضيق لوزون، مضيق البوسفور، مضيق الدردنيل، وأخيراً مضيق هرمز.
وعرفت هذه المضائق بأهميتها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية على المستوى العالمي.