للمرة الأولى منذ نصف قرن، استيقظ الأميركيون يوم السبت في 25 يونيو (حزيران) على بلد ما عادوا يتمتعون فيه بالحق الدستوري في إجراء عملية إجهاض.
سادت حالة من الارتباك والغضب في كل أنحاء الولايات المتحدة على إثر إبطال المحكمة الأميركية العليا الحكم الصادر في العام 1973 في قضية "رو ضد واد"، الذي كرّس الحق في الحصول على رعاية طبية للإجهاض، واتخاذها قراراً يقضي بحقّ الولايات منفردة، وليس الدستور الأميركي، بالفصل في إتاحة المجال للإجهاض من عدمه.
ويشكّل هذا القرار التاريخي المرة الأولى التي تلغي فيها أعلى محاكم البلاد حقاً كرّسه الدستور.
نزل المتظاهرون إلى الشوارع ليلة الجمعة كما السبت في مدن من كافة أرجاء الولايات المتحدة، من العاصمة واشنطن إلى بوسطن وفينكس ولوس أنجليس وعبر الجنوب من تشارلستون في كارولاينا الجنوبية إلى أوستن في تكساس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت كارول فوك التي سافرت من مركز للرعاية الدائمة في فيرجينيا للاحتجاج خارج المحكمة العليا بعد ظهر يوم السبت "لم أعتقد يوماً أنه يمكن تغييره". واستحضرت العاملة السابقة في هيئة تنظيم الأسرة - التي تزامن يومها الأول في العمل مع إصدار المحكمة العليا قرارها في قضية "رو ضد واد" في العام 1973- ذكريات حقبة من الإجهاض غير الآمن والنتائج الخطيرة التي تهدد حياة النساء غير القادرات على الحصول على الرعاية اللازمة.
بعد خمسة عقود على تلك المرحلة، ها هي خارج المحكمة العليا برفقة ابنتها. وقالت لصحيفة "اندبندنت": "كان أملي ألا يحصل هذا يوماً ولكنني أتمنّى اليوم بأن نستطيع تغيير الوضع مجدداً".
مساء الجمعة، في مدينة نيويورك، وقفت جيس يو البالغة من العمر 27 سنة وهي تحمل لافتات كُتب عليها "جسدي، خياري" و"لا يهمنّي ما يقوله الإنجيل".
وقالت لصحيفة "اندبندنت"، "يهمّني حقي في التحكم بجسدي كثيراً وقرار (المحكمة العليا) فطر قلبي".
في مدينة فينكس في ولاية أريزونا، أطلقت الشرطة غازاً مسيلاً للدموع على الجموع المحتشدة أمام المبنى الحكومي في عاصمة الولاية. فيما صدم سائق شاحنة اثنين من المتظاهرين على ما يبدو في وسط مدينة سيدار رابيدز في ولاية آيوا.
مع تأهّب المسؤولين الجمهوريين لتطبيق قوانين تجرّم الإجهاض، وفرض أحكام بالسجن وغرامات ضخمة على موفّري عمليات الإجهاض والأشخاص الذين "يساعدون ويحرّضون" على إجراء عمليات الإجهاض، يتنامى الضغط على البيت الأبيض والكونغرس من أجل تعزيز الحماية القانونية للراغبات في الخضوع لعملية إجهاض.
وحثّت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وورن كما تينا سميث أعضاء الكونغرس والرئيس جو بايدن على إعلان حالة طوارئ قومية للمساعدة على إفساح مجال للنساء في كل أرجاء البلاد للخضوع لعمليات الإجهاض.
سوف يفتح إعلان حالة الطوارئ القومية المجال لاستخدام "موارد وسلطة حيوية يمكن للولايات والحكومة الفيدرالية الاستعانة بها لتلبية الارتفاع في الطلب على خدمات الصحة الإنجابية"، كما كتبت السيناتورتان في مقالة نشرتها "نيويورك تايمز" يوم السبت. "إن الخطر حقيقي وعلى الديمقراطيين التصدي له بالعجلة التي يستحقها".
كما دُعي السيد بايدن لزيادة عدد القضاة في المحكمة العليا كسبيلٍ لإعادة التوازن بين القضاة الليبراليين والمحافظين.
لكن الناطقة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيار، قالت للصحافيين يوم السبت بأن الرئيس لا يؤيد توسيع المحكمة وما يريده عوضاً عن ذلك هو أن "يتحرّك (الكونغرس) لإعادة العمل بحكم قضية رو وتكريسه قانوناً في البلاد"، وهو ما أقرّه مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون عدة مرات فيما علق التشريع في مجلس الشيوخ الأميركي الواقع تحت رحمة الجمود.
وقالت "إذا تعذّر ذلك، فعلى الشعب الأميركي أن يستخدم صوته... في صناديق الاقتراع".
أصدر الرئيس يوم الجمعة توجيهات لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية لكي "تحمي حق النساء بالحصول على الأدوية الحيوية المتعلقة بالرعاية الصحية الإنجابية" ومنها "الرعاية الصحية الوقائية الأساسية مثل وسائل منع الحمل وأدوية الإجهاض".
كما نبّه المدعي العام الأميركي ميريك غارلند الولايات إلى أنه لا يمكنها حظر الدواء المستخدم لغايات الإجهاض ميفيبريستون- أكثر أشكال الإجهاض شيوعاً- فيما طرح المشرّعون الجمهوريون عشرات مشاريع القوانين التي تقيّد إمكانية الحصول على العقاقير الطبية المعتمدة من أجل الإجهاض.
لكن الحكم الجديد خلّف وقعاً فورياً على البلاد. إذ سالت الدموع وساد الارتباك داخل العيادات الطبية في عدة ولايات حظرت الإجهاض باللجوء إلى قوانين تسمّى "فورية"- وقد سُنّت بشكل يسمح لها بدخول حيّز التنفيذ بعد أن تتحرر من الحماية التي وفّرها الحكم في قضية رو، في اللحظة ذاتها التي يُبطل فيها حكم رو.
وقد علّقت عيادات الإجهاض المواعيد نهائياً حتى بينما جلس المرضى في غرف الانتظار.
بعد دقائق من فتح أبوابها في تمام الساعة التاسعة من صباح يوم الجمعة، ردّت هيئة الخدمات الإنجابية النسائية في هيوستن المريضات على أعقابهن. وقد توجّه الطاقم الطبي في عيادة الخدمات الإنجابية النسائية في ألامو إلى المريضات في غرف الانتظار، ليقول لهن بأن خدمات الإجهاض ما عادت متاحة. وقابل هذا الإعلان صراخ المريضات طلباً للمساعدة.
وفي لويزيانا، بدأ الطاقم الطبي في مركز هوب الطبي- وهو إحدى العيادات الثلاث المتبقية في الولاية، وفي جميعها عمليات إجهاض معلّقة- بالاتصال بالمريضات ليخطرهن بإلغاء مواعيدهن المقبلة بعد أن انتظرن أسابيع طويلة للحصول عليها.
كما علّقت العيادات السبع التابعة لهيئة تنظيم الأسرة في أريزونا عمليات الإجهاض، معلّلة ذلك بـ"الفوضى والارتباك" جرّاء فرض شبكة من قوانين منع الإجهاض في الولاية والضغوطات التي يمارسها المسؤولون الجمهوريون الذين أعلنوا إعادة العمل بحظر للإجهاض يعود إلى 120 عاماً مضت، حين كانت الولاية لا تزال إقليماً، يواجه مقدمو خدمة الإجهاض بموجبه السجن لمدة خمس سنوات.
وقد توقّفت هيئة تنظيم الأسرة في منطقة سانت لويس في جنوب غربي ميسوري، التي تدير عيادة الإجهاض الوحيدة المتبقية في الولاية، عن إجراء العمليات. وتُحال المريضات إلى عيادات في ولاية إيليوني التي تبعد 300 ميل عن المنطقة تقريباً.
ومن جهتها، طبّقت ولاية ميسوري قانوناً "فورياً" يحظر الإجهاض بالقانون بعد دقائق فقط من إصدار المحكمة العليا قرارها.
وعلّقت هيئة تنظيم الأسرة في غرايت بلاينز- التي تقدم خدماتها لعدة ولايات- خدمات الإجهاض في مركزها الصحي في أركنساس بعد دخول القانون "الفوري" في الولاية حيّز التنفيذ.
وتعليقاً على ذلك، قالت إيميلي وايلز، رئيسة هيئة تنظيم الأسرة في غرايت بلاينز ومديرتها التنفيذية "تابعنا محو إمكانية الوصول إلى خدمات الإجهاض تماماً تقريباً، في ولاية تلو الأخرى. واليوم، وصل هذا الزحف الرامي لسحق الحريات الأساسية إلى خواتيمه الفظيعة: أجسادكنّ ليست ملككنّ. وحقوقكنّ تتوقّف كلياً على مكان سكنكن".
تتمتع ست عشرة ولاية فضلاً عن العاصمة واشنطن بقوانين على مستوى الولاية تحمي الحق في الوصول إلى خدمة الإجهاض أو تكرّس الحق في الإجهاض. وتخشى الجهات التي توفّر هذه الخدمة كما مناصروها وفود موجة كبيرة من المريضات من ولايات أخرى أصبح الإجهاض فيها مجرّماً الآن- تأتي بعضهن من مناطق بعيدة جداً مثل لويزيانا وميسوري، وهي ولايات ستضطر المريضات فيها إلى التنقل لمسافة أبعد من أجل الحصول على رعاية قانونية- مما قد يضع ضغطاً هائلاً على أنظمة صحية هشة أساساً ويقوّض المساواة في الحماية أكثر إذ بات مكان السكن هو ما يحدد إن كان الشخص سيواجه مقاضاة جنائية أم دعماً من الولاية.
ساهمت جينا أماتولي في نيويورك ورايتشل شارب في العاصمة واشنطن في إعداد هذه المقالة.
© The Independent