نجح يائير لبيد، النجم التلفزيوني السابق الذي لم يأخذه الإسرائيليون على محمل الجد عند دخوله معترك السياسة، في اكتساب مصداقية بعد 10 أعوام على انخراطه في السياسة، خصوصاً بعدما نجح في إقصاء رئيس الوزراء الإسرائيلي المخضرم بنيامين نتنياهو من الحكم بعد أن جمع أحزاباً من كل التيارات في حكومة واحدة.
ومنتصف ليل الخميس الجمعة، من المقرر أن يصبح لبيد (58 سنة) رئيساً لحكومة إسرائيل.
وحين اعتزل الصحافي السابق العمل التلفزيوني عام 2012 لتأسيس حزبه "يش عتيد" (هناك مستقبل)، اتهمه منتقدوه باستغلال شعبيته كمقدم برامج ناجح لجذب الطبقة الوسطى.
وفي انتخابات يناير (كانون الثاني) 2013، حصل على المركز الثاني إثر حملة انتخابية ركزت على الطبقة الوسطى المتعثرة في إسرائيل التي كانت قد خاضت احتجاجات ضد ارتفاع كُلف المعيشة وتمتُّع فئة بعينها من النمو الاقتصادي للدولة.
ويقول عضو البرلمان من حزب "يش عتيد" دوف ليبمان، إن دافع لبيد لدخول المعترك السياسي ليس شخصياً ولا علاقة له بتعزيز العلامة التجارية التي يمتلكها.
ويضيف ليبمان الذي اعتزل السياسة وانسحب من الحزب لاحقاً، لوكالة الصحافة الفرنسية، "لم يكُن بحاجة إلى ذلك، كان وضعه الاقتصادي مستقراً ويتمتع بالشهرة".
ويزعم ليبمان أن لبيد "انخرط في السياسة لأنه شعر بأن الأمور في إسرائيل بحاجة إلى تغيير".
صعود متدرج
واتسمت رحلة لبيد السياسية التي بدأها كوزير للمالية في عهد نتنياهو، بالإثارة وكانت مليئة بالتحديات في ظل رهان منتقديه على الفشل.
لكنه ما لبث عام 2015 أن انضم إلى المعارضة وأصبح أحد أهم الزعماء الراغبين بإطاحة نتنياهو.
وبعد حوالى 10 أعوام، بلغ لبيد منعطفاً أساسياً في مسيرته السياسية وفي السياسة الإسرائيلية المتذبذبة، وأنجز المهمة التي وضعها لنفسه: طرد بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد الذي أمضى أطول فترة في رئاسة الوزراء في تاريخ إسرائيل، من السلطة.
وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في 23 مارس (آذار) 2021، حلّ حزبه في المرتبة الثانية وراء "الليكود" بزعامة نتنياهو، وإثر إخفاق الأخير في تشكيل الحكومة، أوكلت المهمة للبيد.
ووقّع لبيد في الثاني من يونيو (حزيران) العام الماضي، اتفاقاً على تشكيل ائتلاف حكومي بالتحالف مع ثلاثة أحزاب يمينية بينها حزب "يمينا" القومي المتطرف، وحزبان يساريان واثنان من الوسط وحزب عربي هو "الحركة الإسلامية الجنوبية".
وحصل هذا الائتلاف الذي ارتكز على التناوب على ثقة الكنيست. وترأس نفتالي بينيت الحكومة الإسرائيلية، بينما أوكلت للبيد حقيبة الخارجية.
وكان بينيت أكد الأسبوع الماضي مع إعلانه عدم إمكانية الائتلاف على الاستمرار، أنه ملتزم الاتفاق.
غلاء المعيشة
وبعد حل البرلمان وإلى حين إجراء الانتخابات، سيتولّى لبيد رئاسة الوزراء.
وقبل أيام من تنصيبه ليكون رئيس الوزراء الـ14 في إسرائيل، ركز لبيد على قضية كُلف المعيشة، وهو الملف ذاته الذي استندت إليه بداية عمله السياسي.
ويواجه لبيد مجدداً هذا الملف، خصوصاً مع ارتفاع كبير في الأسعار تشهده إسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكانت مدينة تل أبيب الساحلية قد صُنفت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي كأغلى مدينة في العالم.
وتعترض مسيرة رئيس الوزراء الجديد تحديات جيوسياسية أيضاً، تتركز حول الملفات الإيرانية وميليشيا "حزب الله" اللبنانية المدعومة من إيران.
وقال، "حتى لو كنا متجهين نحو الانتخابات في غضون أشهر قليلة، التحديات التي نواجهها لن تنتظر، نحن بحاجة إلى معالجة كُلف المعيشة".
وفي ما يتعلق بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، تمثل مواقف لبيد يمين الوسط بشكل كبير، وذلك على عكس اليميني المتشدد بينيت.
ويفضل لبيد إجراء محادثات مباشرة مع الفلسطينيين لحل النزاع، لكنه شكك في رغبتهم بصنع سلام حتى إنه ذهب إلى الدفاع عن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية.
شخصية لبيد
وتشير المعطيات إلى نية لبيد في توجيه صفعة أخرى لنتنياهو في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
وفي انتخابات مارس 2020، خاض لبيد الانتخابات ضمن الائتلاف الوسطي "أزرق أبيض" بزعامة الجنرال بيني غانتس، غير أنه انسحب منه بعد إبرام غانتس اتفاقاً مع حكومة نتنياهو، لتتراجع بعد ذلك شعبية غانتس.
ووصف حكومة الوحدة بين نتنياهو وغانتس التي لم تدُم طويلاً، بأنها "ائتلاف سخيف" وتوقع انهيارها، وهذا ما حصل فعلاً.
ويرى ليبمان أن التزام لبيد نحو الأسرة، لا سيما رعايته لابنته المصابة بالتوحد، يدلل على شخصية رئيس الوزراء الجديد.
ويقول، "كوزير للمالية كان وقته مجدول ومحدد... لكنه كان يحرص على لقاء ابنته كل أسبوع، خصوصاً أن وضعها الصحي يمنعها من التواصل معه". ويضيف، "أعتقد أن هذا التصرف لزعيم ملهم للغاية، ويظهر مستوى الرعاية في شخصيته".
ويتذكر ليبمان كيف أن لبيد رفض عندما كان وزيراً للمالية الحصول على سيارة وسائق خصصتهما له الدولة.
مسيرته
وولد لبيد في نوفمبر 1963 في تل أبيب حيث تتركز شعبيته.
وبدأ العمل في صحيفة "معاريف"، ثم انتقل إلى صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأوسع انتشاراً بين الصحف الإسرائيلية، وبات اسمه معروفاً في إسرائيل إذ كان كاتب عمود.
ونشر عشرات الكتب وألّف وأدّى أغنيات، ولعب حتى أدواراً في أفلام.
وكان والده تومي لبيد صحافياً قبل أن يصبح وزيراً للعدل.
أما والدته شولاميت، فهي كاتبة روايات بوليسية شهيرة في إسرائيل أصدرت سلسلة تحقيقات بطلتها صحافية.
ومارس لبيد الملاكمة كهاوٍ ويتدرب على الفنون القتالية.
وتمكّن رئيس الوزراء الجديد الذي يقدّم نفسه على أنه وطني وليبرالي وعلماني، من رصّ صفوف الوسط، فيما يتعرض لانتقادات في أوساط اليهود المتشددين.
