في واحدة من عمليات إعادة إحياء ملامح التراث المصري، رممت هيئة السكك الحديد القطار الملكي وإعادته إلى حاله الأصلية مع الحفاظ على طابعه الأثري القديم وشكله التاريخي.
الهيئة سيرت القطار من القاهرة إلى الإسكندرية، ولم يتم نقله من خلال شاحنات عملاقة، ليتم وضعه في متحف المتنزه التاريخي ليصبح مزاراً سياحياً يضاف إلى عروس البحر المتوسط.
القطار الملكي يعود تاريخه لمنتصف القرن الماضي، إذ وقع الاختيار على شركة فيات الإيطالية لتصنيعه وأطلق عليه الديزل السريع، وكان يعتبر الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط واستخدمه الملك فاروق لسنوات معدودة حتى انتهاء الملكية في مصر، ليتم إهماله لسنوات عدة انتهت بإعادة إحيائه أخيراً بواسطة عملية شاملة للترميم.
يتكون القطار من عربتين وكل منهما مقسمة إلى قسمين، الأولى كانت تضم جزأين الأول مخصص للحرس الملكي والثاني للمرافقين من الديوان الملكي، إضافة إلى غرفة القيادة بينما العربة الثانية يقع فيها الصالون الملكي المكون من كرسي للملك وأربعة كراس للضيوف وطاولة للاجتماعات، وجدرانه كلها مبطنة من الداخل والثاني يوجد به كابينة موسيقى بها راديو وغرامافون وحمام خاص للملك، ومزود بمطبخ كهربائي و10 أجهزة تليفون متصلة بسنترالي القاهرة والإسكندرية، وأجهزة راديو وجهاز لاسلكي للاستقبال والإرسال.
وصممت أنظمة الإنارة في القطار بواسطة أضواء الفلورسنت، ووضع زجاج من نوع خاص يسمح بالرؤية من الداخل فقط، والقطار مصفح ضد الرصاص ومزود بنظام التوقف الأوتوماتيكي في حال حدوث أي مشكلة في القيادة.
ووقتها أنشأ الملك فاروق محطة قطار ملكية في قصر القبة لتسهيل مهمة وصول الشخصيات المهمة من محطة القاهرة أو من الإسكندرية إلى القصر مباشرة.
انطلاق القطار الملكي
على مدى سنوات طويلة خلال العهد الملكي في مصر كانت الإسكندرية هي المقر الصيفي الذي ينتقل إليه الملك ويمارس منها مهماته وحتى لحظة انتهاء الملكية، فقد كانت في الإسكندرية عندما بدأت ثورة يوليو (تموز) 1952 ليرحل الملك عن مصر مستقلاً يخت المحروسة من ميناء الإسكندرية، وكان انتقال الملك بالقطار من القاهرة للعاصمة الصيفية هو أمر مهم يتم الاستعداد له سنوياً بشكل كبير.
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والنقيب السابق للمرشدين السياحيين بالإسكندرية إسلام عاصم قال لـ "اندبندنت عربية"، "كان انتقال الملك من القاهرة للإسكندرية حدثاً كبيراً، وكانت تنشر الجرائد عنه في اليوم السابق له، فكان يعلن أنه سينطلق القطار الملكي غداً متوجهاً إلى الإسكندرية، وكانت الناس تخرج في كل المحافظات التي يمر منها القطار لتحية الملك، مثل دمنهور وطنطا وبنها، فالرحلة بالقطار كانت تشهد تواصلاً بين الشعب والملك بمروره على محطات عدة قبل الوصول للإسكندرية، وكان الأمر أشبه بالاحتفالية الشعبية.
وأشار عاصم إلى أن "هذا الأمر استمر بعد قيام ثورة يوليو، فهناك كثير من المشاهد يظهر بها جمال عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة وهم يلوحون للناس من القطارات".
وأضاف، "لم يكن الملك فاروق ينتقل للإسكندرية وحده، وإنما كانت تنتقل الحكومة كاملة إلى مقرها الصيفي هناك، وتقريباً استمر هذا التقليد طوال فترة حكم الملك فاروق، باستثناء فترة الحرب العالمية الثانية، عندما كانت الإسكندرية تحت القصف، وفيما عدا ذلك فكانت الحكومة كاملة تمارس عملها من العاصمة الصيفية حتى إن هناك واحدة من محطات الترام في الإسكندرية أطلق عليها محطة الوزارة، لأنها كانت قريبة من المبنى الذي كان يجتمع فيه الوزراء، فتم إطلاق هذا الاسم على المحطة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
متحف المتنزه
تم وضع القطار بعد عملية ترميمه في متحف بمنطقة المتنزه، إذ سيتم عرضه للجماهير، وعن هذا المكان لفت أستاذ التاريخ إلى أن "الموقع الذي سيوضع فيه القطار حالياً كان مهملاً لسنوات هو الآخر، وجرى ترميمه وتطويره في السنوات الأخيرة ليتحول إلى متحف، وهو يقع خارج حدود قصر المتنزه، لكنه في منطقة قريبة منه، وتطوير هذا الموقع وعرض القطار فيه هو أمر شديد الأهمية، لأنه من ناحية يعرض جزءاً من التاريخ والتراث الوطني المصري، ومن ناحية أخرى يخلق شكلاً من أشكال التنوع في متاحف الإسكندرية وفي المنتج الثقافي بشكل عام، فإنه أتمنى أن يتم تدعيمه ليتحول إلى مركز ثقافي متكامل في شرق الإسكندرية، باعتبار منطقة المتنزه بعيدة من معظم المناحي الثقافية، التي يتركز معظمها في الجانب الآخر من المدينة، فيمكن أن يضاف له عناصر تتعلق بتاريخ المتنزه أو تاريخ القطارات في مصر، خصوصاً أن أول خطوط السكك الحديد في مصر هو خط القاهرة - الإسكندرية".
وأوضح عاصم أن "الإسكندرية كان لها تاريخ طويل عند الحديث عن السكك الحديد التي كانت بدايتها بغرض نقل البضائع وليس نقل الركاب في أثناء فترة الاحتلال الإنجليزي، لتأتي بعدها مرحلة استخدام القطارات كوسيلة مواصلات لنقل الركاب ويتوالى إنشاء المحطات تباعاً".
وكان الملك فاروق قد أنشأ محطة للقطارات في عام 1940 بمنطقة المتنزه بجوار الموقع الذي يعرض فيه القطار الملكي حالياً، لتكون بالقرب من قصر المتنزه الذي كان المقر الخاص للعائلة الملكية حيث يقيم الملك وعائلته، أما الاجتماعات والاستقبالات الرسمية فكانت تتم في قصر رأس التين الذي كان المقر الرسمي للحكم في الإسكندرية".