دخل الاقتصاد الأميركي مرحلة جديدة مع ظهور بيانات حكومية تكشف عن انكماشه بأكثر قليلاً من المتوقع في الربع الأول من هذا العام.
وقالت وزارة التجارة الأميركية إن الناتج المحلي الإجمالي انخفض 1.6 في المئة على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من 2022، مقارنة بـ1.5 في المئة التي أوردتها الشهر الماضي.
وكانت توقعات الخبراء أن تبقى وتيرة الانكماش من دون تغيير عند 1.5 في المئة. وسجل الاقتصاد الأميركي نمواً قوياً بلغ 6.9 في المئة في الربع الرابع من 2021.
إنفاق المستهلكين
نما إنفاق المستهلكين، الذي يشكل أكثر من ثلثي الاقتصاد، بمعدل بلغ 1.8 في المئة خلال الربع الأول، بالمقارنة مع نمو بنسبة 3.1 في المئة المعلنة الشهر الماضي.
وأبرز أسباب هذا التراجع، انخفاض إنفاق المستهلكين على الخدمات والسلع بحيث هبط استهلاك الخدمات المالية والتأمين والرعاية الصحية. كما هوى استهلاك السلع المعمرة بنسبة طفيفة عند 0.3 في المئة، بينما انكمشت السلع المعمرة بنسبة 3.7 في المئة.
وتظهر هذه البيانات ضعف الثقة بالاقتصاد، وأن الأميركيين أصبحوا أكثر تشاؤماً بشأن آفاق الاقتصاد، إذ سجلت ثقة المستهلك أدنى مستوى لها في 16 شهراً في يونيو (حزيران).
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، أمس الأربعاء، إن "هناك خطراً" من أن البنك المركزي الأميركي قد يبطئ الاقتصاد أكثر مما هو ضروري للسيطرة على التضخم.
ورفع البنك المركزي الأميركي هذا الشهر سعر الفائدة الأساسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية، وهو أكبر ارتفاع له منذ عام 1994. وزاد سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة بمقدار 150 نقطة أساس منذ مارس (آذار).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الركود ورفع الفوائد
ومنذ أن بدأت موجة رفع الفوائد، تتزايد التوقعات حول دخول الاقتصاد الأميركي في موجة ركود وتأتي بيانات الانكماش لتؤكد هذا التوجه.
وتلعب عوامل عدة في تسريع حدوث الركود، تتلخص في تداعيات فيروس كورونا وأزمة سلاسل التوريد والحرب الروسية في أوكرانيا، وما يتبع ذلك من ارتفاع قياسي في تضخم الأسعار والخدمات، بالتالي في زيادة معدلات الفائدة.
بدأ البنك المركزي الأميركي هذه السنة برفع الفوائد، واتخذ هذه الخطوة للمرة الأولى في شهر مارس بربع نقطة مئوية أو 0.25 في المئة، والمرة الثانية هذا الشهر بنصف نقطة مئوية أو 0.5 في المئة، بعدما كانت الفوائد شبه صفرية في أميركا.
ودفع ارتفاع التضخم الصاروخي الذي تجاوز 8 في المئة، بحسب آخر بيانات حكومية، إلى إسراع "المركزي الأميركي" لرفع الفوائد لمحاربته.
في العام الماضي، كان "المركزي" يقول إن صعود التضخم مؤقت وناجم عن أزمة سلاسل الإمدادات، إذ أدت الإغلاقات خلال جائحة كورونا بين عامي 2020 و2021 إلى تعطل وصول السلع والمواد الأولية والمنتجات والأدوات المطلوبة في أي صناعة أو تجارة أو زراعة إلى أميركا، ما أسفر عن تأخر عمليات الإنتاج أو إرجائها.
حسابات مختلفة وتحديات
كانت هذه العوامل غير محسوبة من قبل "المركزي الأميركي"، ودفعت نحو استمرار صعود التضخم في الولايات المتحدة، بالتالي زادت التوقعات باستمرار نمو أسعار الفائدة لمحاربته.
ومن التحديات في الاقتصاد الأميركي الآن، أن الجمع بين رفع الفوائد لمحاربة التضخم، واستمرار نمو الاقتصاد وصعود الدولار، هو تناقض صعب تحقيقه وهو الرهان في الفترة المقبلة. فرفع الفوائد سيؤدي إلى ضعف نمو الاقتصاد، بالتالي إلى تراجع قوة الدولار.
وأكثر ما يخشاه الاقتصاديون الآن هو دخول الاقتصاد في ركود تضخمي، وهو ما يعني تراجع النمو في وقت تستمر الأسعار في الارتفاع.