في وقت تشهد المنطقة العربية حراكاً دبلوماسياً واسع الطيف قبل انعقاد دورة الجامعة العربية بالجزائر، بالتوازي مع تسريبات تشي عن عزم عربي نحو إعادة دمشق لمقعدها، في حال نجحت تسوية سياسية تلوح بالأفق، يأتي قرار الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، الأربعاء 29 يونيو (حزيران) الحالي، بإنهاء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعد عزمها الاعتراف باستقلال جمهوريتي "دونتيسك ولوغانسك" الانفصاليتين عن أوكرانيا والمواليتين لروسيا.
وأطل الرئيس الأوكراني ليفصح عن هذه القطيعة رسمياً، بعد ظهوره على موقع "تلغرام" للتواصل الاجتماعي، وقال "انتهت العلاقات بين أوكرانيا وسوريا، وضغوط العقوبات على دمشق الحليفة لموسكو ستزداد شدة". يأتي ذلك بعد تصريح أدلى به مصدر في الخارجية السورية لوكالة "سانا" الرسمية، حيث أفاد بالرغبة في إقامة علاقات بين دمشق والدولتين الانفصاليتين والاعتراف بهما.
الاعتراف والقطيعة
في غضون ذلك، تتوقع الأوساط السياسية في دمشق هذا القرار الأوكراني وتخفف من وطأته، وترد ذلك لكون العلاقات بين البلدين في أدنى مستوياتها، فالحليف الروسي على الصعيد الاقتصادي والسياسي والعسكري يمنح دمشق مقدرات العيش والبقاء حتى على صعيد الأمن الغذائي، بدليل تأكيدات مسؤولين رفيعي المستوى، من بينهم وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم، بشكل صريح ببقاء توريدات القمح واستمرارها وعدم حدوث أي تغير ببرنامجها منذ اندلاع الحرب الأوكرانية - الروسية في فبراير (شباط) الماضي.
في المقابل، تتوقع أوساط محايدة في العاصمة السورية، أن الاعتراف بالجمهوريتين المواليتين لروسيا ستجر على دمشق نقمة الدول الغربية، التي تتربص برد الصاع صاعين بعد أن قطعت موسكو الطاقة عن القارة الأوروبية.
ورجّح المحامي بالقانون الدولي، ضياء شرف الدين، زيادة العقوبات على سوريا بشكل حاد، لا سيما في مجال إطباق الحصار على الأصول المالية لرجال أعمال سوريين ينشطون في توريد مصادر ومشتقات الطاقة، وهي ما تسميها دمشق إجراءات أحادية الجانب.
وقال شرف الدين إنه "من المرجح مشاهدة قوائم جديدة من رجال الأعمال يحظر التعاون معهم، والتضييق على الدول التي تورد منتجاتها، إضافة إلى التوسع في تطبيق قانون قيصر الصادر عن الكونغرس الأميركي في أواخر عام 2019، حيث ستوسع واشنطن من حظر معاملات الدول مع سوريا، إضافة إلى تعاملات الشركات الألمانية والفرنسية أو الروسية مع دمشق".
ويرى أن العقوبات الأميركية تبقى الأشد من نوعها مع دخول قانون قيصر أو (سيزر) حيز التطبيق في يونيو (حزيران) من عام 2021، لكن الحرب الأوكرانية اليوم، التي تستعر شدة ويتسع نطاقها لتصل إلى الدول الأوروبية، بعد تخفيض الكرملين من إمدادات الغاز والطاقة، وحصر البيع بالروبل الروسي، سيدفع إلى زيادة بحدة العقوبات، وحث الخطى بتوجيه ضربة لأكثر الدول الصديقة لموسكو في الشرق الأوسط.
وأشار شرف الدين إلى أنه من الممكن "لأوروبا أن تدفع إلى تضييق وصول سفن النفط، وفرض المزيد من القيود على استثمارات السوريين، والحد من قدرة المصارف والبنوك على التواصل والعمل مع نظيراتها بالاتحاد الأوروبي".
الحصانة الروسية في المتوسط
في غضون ذلك، يستخف الفريق الموالي للسلطة بدمشق من أي رد فعل يمكن أن يحدث دولياً نتيجة هذا القرار الدبلوماسي بالقطيعة، ويبرر مراقبون موالون ذلك بأن العلاقات بالأساس يمكن وصفها بالمجمدة، والتحالف مع روسيا أساسي وثابت، بحسب وصفهم، وستكون البلاد بمأمن من أي تداعيات اقتصادية، بل العمل الميداني والتنسيق العسكري بأعلى درجاته مع الحليف الروسي، وهو أولوية، وهذا ما يهم لكسب المزيد من استرداد الأراضي التي خرجت عن السيطرة منذ اندلاع الحرب السورية بالعام 2011 وإلى اليوم، ومنها الجزيرة والفرات.
بالمقابل، أعرب رئيس جمهورية لوغانسيك، ليونيد باستنيك، عن ترحيب بلاده بقرار سوريا الاعتراف بالجمهوريتين، وعدها خطوة ستسهم في التطوير المتبادل للعلاقات في العديد من المجالات، ورجح عبر قناته على موقع "تلغرام" أن "الاعتراف السوري سيسرع من بناء العلاقات، وسيسهم في التنمية المتبادلة"، بينما تثير المعركة المندلعة بين أوكرانيا وروسيا مخاوف السوريين من وقف التوريدات، وحاجة البلاد إلى مليون طن من القمح لتلبي احتياجات الأسواق.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حرب السنابل الذهبية
بالتوازي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية انسحاب قواتها الموجودة في جزيرة "زمييني" بالبحر الأسود كبادرة حسن النية لتسهيل نقل الحبوب الأوكرانية إلى الخارج، ولإظهار حسن النية الروسية بعدم عرقلة جهود الأمم المتحدة في سبيل ذلك.
وقال المتحدث باسم الوزارة، إيغور كوناشيكنوف، في إحاطة إعلامية اليوم الخميس، إن "قرار الانسحاب لا يتيح لكييف المراهنة على موضوع الأزمة الغذائية والتذرع بإمكانية تصدير الحبوب".
ومع هذا القرار الروسي سيضع القيصر الكرة بالملعب الأوكراني، ملوحاً بأنه ليس سبباً في أزمة رغيف الخبز، بالتالي فإن التوريدات من البحر الأسود إلى البحر المتوسط ستكون سلسة لسوريا والمنطقة العربية، بينما المتابعون للشأن الأوكراني يرون أن قطع العلاقات الدبلوماسية سيقوض جهوداً مبذولة لرأب الصدع، الذي خلفته الحرب على مدار عشر سنوات.
ويروي كنان دوماني، أحد السوريين القاطنين في أوكرانيا منذ عشر سنوات قبل نزوحه أيضاً من العاصمة كييف بعد توالي القصف الروسي، "لقد عشت وأسرتي الحربين السورية والأوكرانية، ولعل قطع العلاقات بين البلدين تعني بالنسبة لي صدمة، حيث وطني الأم ووطني الجديد يعيشان لوعة الحرب".
وليس مستبعداً أن تتخذ الدول الغربية قرارات جريئة بحق سوريا في القريب العاجل بالشق الاقتصادي، ويمكن تجميد ملف إعادة الإعمار، أو حتى الحد من مشوار التقارب السياسي إلى حين إجراء رد على قرار الاعتراف، فهذا الأمر تعده أوروبا تشجيعاً على الحركات الانفصالية، وفي حين تعيش كييف ودمشق حالة حرب على أراضيهما دارت معارك عنيفة وتشكلت لدى القوة العسكرية الروسية خبرة واسعة النطاق في التعامل مع الأهداف الميدانية وطريقة التعامل بحرب الشوارع أو فتح الممرات والمعابر للمدنيين.