يعد القطاع الخاص شريكاً استراتيجياً في بناء اقتصادات قوية لدول العالم، الأمر الذي توليه القيادات السعودية اهتماماً كبيراً بهدف دفع عجلة النمو إلى مستويات أعلى، من خلال سن الأنظمة والقوانين المحفزة للقطاع الخاص والهادفة إلى معالجة التحديات، لا سيما في ما يتعلق بمرحلة التأسيس من حيث طول الإجراءات والقيود المفروضة على الشركات لا سيما المنشآت المتوسطة والصغيرة والتي تشكل المعدلات الكبرى، وأخرى تتعلق كذلك بالتمويل وإلزامها بوجود مراجع للحسابات المالية وغيرها من الإشكاليات التي كانت تثير الجدل بين الحين والآخر، سواء في المجالس أو على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال الحملات التي كان يشنها ملاك تلك المنشآت، الأمر الذي دفع وزارة التجارة إلى العمل على سن نظام جديد للشركات التجارية عالجت فيه ثغرات نظامها السابق والذي صدر قبل سبع سنوات وتحديداً في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2015.
ومع صدور النظام الجديد للشركات التجارية في السعودية، تميز عن سابقه في علاج العديد من الثغرات ومنح الشركات لا سيما الصغيرة منها المرونة اللازمة لمواصلة نشاطها التجاري.
إشكالات النظام السابق
وشمل النظام الجديد إعفاء الشركات المتناهية الصغر أو الصغيرة من متطلب مراجع الحسابات، إضافة إلى تقليل المتطلبات والإجراءات النظامية الخاصة بالشركات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، منها إزالة العديد من القيود في جميع المراحل (التأسيس والممارسة والتخارج)، وكذلك القيود على أسماء الشركات، وسمح للشركة ذات المسؤولية المحدودة بإصدار أدوات دين أو صكوك تمويلية قابلة للتداول.
وبحسب النظام تم تقليل المتطلبات والإجراءات النظامية للشركات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، ويسر متطلبات وإجراءات تأسيس الشركات، ومنح مرونة في تضمين عقود تأسيس الشركات أو أنظمتها الأساسية أحكاماً وشروطاً خاصة، وأوجد آليات ممكنة للرياديين وأصحاب رأس المال الجريء والملكية الخاصة، بهدف رفع نسب مشاركتها في الناتج المحلي للبلاد إلى 35 في المئة بحسب رؤية 2030 بدلاً من 20 في المئة في الوقت الراهن.
وهنا يعلق عضو مجلس الشورى فضل البوعينين بالقول "إن تسهيل الإجراءات والمتطلبات النظامية من سمات النظام الجديد، وهو ما يعزز قطاع المنشآت المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة ويحقق الاستدامة في قطاع الشركات".
منوهاً بأن النظام تناول جانب الشركات غير الربحية وهذا أمر مهم لدعم القطاع غير الربحي وتحقيق النمو فيه. كما أنه غطى أنواع الشركات ومنها شركة التضامن، وشركة التوصية البسيطة، وشركة المساهمة، وشركة المساهمة المبسطة، والشركة ذات المسؤولية المحدودة.
ولفت إلى قِدم نظام الشركات السابق وعدم ملاءمته مع متغيرات المنظومة التجارية ومتطلبات المرحلة الحالية وحاجته الماسة إلى الاستبدال بنظام يتوافق مع متطلبات أنظمة التجارة الدولية ويحقق التنافسية ويسهل إجراءات الأنشطة التجارية ويحقق لها الحماية التشريعية.
وأضاف "أن تحديث البنية التشريعية عموماً والتشريعات الخاصة بأنظمة التجارة من أهم محفزات المنظومة التجارية وتنميتها، وهو ما يحققه النظام الجديد الذي سيزيد في تنافسية الرياض في جانب التشريعات واستكمال الأنظمة وسهولة بدء الأنشطة التجارية". مؤكداً أن النظام الحالي يسهم في تنمية المنظومة التجارية.
وقال "كما أنه يعالج بعض تحديات القطاع الخاص، ومنها تحديات الشركات العائلية، حيث سينظم الملكية العائلية في الشركة العائلية وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وتوظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتخارج وتحديات الشركات الصغيرة التي تنشط من خلالها مبادرات الأعمال، ويحقق الحماية القانونية لها وتحقيق العدالة في التقاضي على أساس تشريعي".
من جانبه أشار المحلل الاقتصادي جمال بنون إلى أن "النظام الجديد للشركات حمل العديد من المزايا شملت مختلف أنواع الشركات من أهمها الصغيرة والمتوسطة، في السابق هذه الشركات وأقصد بها الصغيرة كانت تحدها القوانين والأنظمة من التوسع أو إدخال شركاء أو الحصول على تمويل ما لم تلتزم بشروط عديدة وبالتالي كان من الصعب أن تكبر هذه الشركة، وتبقى فترة زمنية طويلة حتى تتحول من منشأة صغيرة إلى شركة كبرى".
مراجع حسابات
ويرى بنون أن استثناء النظام الشركات الصغيرة والمتوسطة من مطلب تعيين مراجع حسابات يعود إلى منح هذه الشركات الثقة في مسك ملفاتها المحاسبية، بخاصة أن هناك العديد من التشريعات والأنظمة والقوانين أصبحت مرتبطة مباشرة بهذه الشركات، ما يعني أن نسبة التلاعب بالأرقام ستكون قليلة جداً.
وأضاف "ومن المعلوم أن السعودية تتجه إلى منح المزيد من الثقة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع تسهيلات تمويلية من صناديق وبرامج تمويل. هذه الخطوة سوف تخرج من السوق الشركات الضعيفة والهزيلة، إن لم تلتزم بمعايير المحاسب".
فئات متعددة من الأسهم
واستطرد بالقول "إن ما يميز القرار إقراره نظام الشركة المساهمة المبسطة والتي تعنى بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بحيث يستطيع فرد واحد تأسيس شركة من شخص واحد أو أكثر، وهذا الأمر كان صعباً في ما مضى، ومنح النظام إمكانية إصدار أنواع وفئات متعددة من الأسهم بحقوق والتزامات متفاوتة، كما أصبح بإمكان أصحاب المهن الحرة تأسيس شركة مهنية ذات شخصية اعتبارية مستقلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إزالة القيود
وفي السياق ذاته، أشار بنون إلى أن النظام الجديد أزال القيود التي كانت تعيق الشركات لا سيما في وقت التأسيس أو التخارج، كما توجد آليات تبرز إمكانات رواد الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال.
وقال "من ملامح النظام الجديد للشركات السماح للشركات ذات المسؤولية المحدودة بإصدار أدوات الدين والصكوك التمويلية القابلة للتداول، كما راعى النظام أحكام التحول والاندماج بين الشركات وسمح بانقسام الشركة إلى شركتين أو أكثر، وذلك سيساعد بشكل كبير إعادة هيكلة الشركات وضمان استمراريتها. وألغى النظام الجديد القيمة الاسمية بعشرة ريالات (نحو 2.67 دولار)، كما كان معمولاً به، وبإمكان الشركات المساهمة تقسيم أسهمها إلى أسهم ذات قيمة اسمية أو دمجها. في المجمل النظام الجديد مرن وسهل لمختلف الشركات العاملة في السعودية".
ونوه بأنه يعد محفزاً للشركات الأجنبية للدخول في شراكات وضخ استثمارات في مجالات متنوعة، بخاصة أنه تم استحداث نظام شركة المساهمة البسيطة ليلبي احتياجات رواد الأعمال، وهذا يساعد في تأسيس شركة من شخص واحد وأكثر.
وثيقة تشريعية واحدة
وفي سياق متصل، أكد وزير التجارة ماجد القصبي أن النظام يعالج جميع التحديات التي تواجه الشركات بوجه العموم لا سيما العائلية والشركات رواد الأعمال.
وبحسب وزير التجارة فإن أهمية النظام الجديد تكمن في شموليته وجمعه أشكال وأنواع الشركات "الشركات التجارية، الشركات المهنية، الشركات غير الربحية" في وثيقة تشريعية واحدة، ويُسهل تأسيس الشركات واستدامتها وتوسعها، ويُشجع الاستثمار الجريء، ويعالج جميع التحديات التي تواجه الشركات العائلية وريادة الأعمال.
ومن جانبه أشار البوعينين إلى أن النظام الجديد سيعزز من تنافسية الرياض في مجال ريادة الأعمال، وقال "إن النظام الجديد صدر وهنالك تغيرات عدة سواء عالمية أو محلية في ما يخص تنمية القطاعات الاقتصادية الخاصة، ويأتي النظام مواكباً لتلك المتغيرات، لا سيما وأنه أعد وفقاً لأفضل الممارسات الدولية ومتوافق مع أنظمة التجارة العالمية بحيث لا يكون هناك تعارض بينه وبين النظام العالمي، مما يعزز تنافسية الاقتصاد السعودي على المستوى الدولي".
وأشار في الوقت نفسه إلى أن النظام الجديد يتصف بالمرونة التي تدعم منظومة الشركات في البلاد، لا سيما وأن النظام السابق كان يعاني بعض الفجوات والإشكاليات التي كانت تحد من تنمية قطاع الشركات التجارية بشكل كلي.
محرك أساسي
واستطرد البوعينين بالقول "إن قطاع الاستثمارات التجارية يعد محركاً رئيساً للاقتصاد، لذا فهو بحاجة إلى تشريعات متكاملة تواكب المتغيرات العالمية في الأنظمة الاستثمارية".
ملامح من النظام
وفي سياق متصل، يتميز النظام الجديد للشركات التجارية بأنه ينظم كل الأحكام المتعلقة بكيان الأعمال، سواء كان تجارياً أو غير ربحي أو مهني، من خلال وثيقة تشريعية واحدة، على أن تتخذ أحد الأشكال التجارية كشركة التضامن، أو شركة التوصية البسيطة، أو شركة المساهمة، أو شركة المساهمة المبسطة، أو الشركة ذات المسؤولية المحدودة.
كما تم استحداث شكل جديد للشركات بمسمى "شركة المساهمة المبسطة" والذي يلبي احتياجات ومتطلبات ريادة الأعمال ونمو رأس المال الجريء.
ووضع النظام الجديد أسساً للشركات العائلية، والتي تمكنها من إبرام ميثاق عائلي ينظم الملكية العائلية في الشركة العائلية وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وتوظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتخارج وغيرها، لضمان تحقيق الاستدامة لتلك الشركات.
كما أتاح تنفيذ الإجراءات إلكترونياً عبر وسائل التواصل الحديثة "عن بعد"، بما في ذلك تقديم طلبات التأسيس وحضور الجمعيات العامة للمساهمين أو الشركاء والتصويت على القرارات.
وفي مجال حل النزاعات التجارية، أتاح النظام وسائل لحلها من خلال اللجوء إلى التحكيم أو غيره من الوسائل البديلة لتسويتها، إضافة إلى تطوير أحكام تصفية الشركة وتسهيل إجراءاتها، وذلك بما يتماشى مع أحكام منظومة الإفلاس في البلاد.
كما يسمح النظام الجديد بإصدار أنواع مختلفة من الأسهم بفئات وبحقوق أو امتيازات أو قيود متفاوتة، وإمكانية إصدار أسهم تخصص للعاملين لجذب الكفاءات وتحفيزهم، ومنح صلاحيات لتوزيع الأرباح سواء بشكل مرحلي أو سنوي من خلال حوكمة تضمن حصول دائني الشركة على حقوقهم.
ومن مميزات النظام الجديد أنه طور أحكام التحول والاندماج بين الشركات، وسمح بانقسام الشركة إلى شركتين أو أكثر، وسمح لأصحاب المؤسسات الفردية بنقل أصولها إلى أي من أشكال الشركات.