تفاقم الغضب تجاه زعماء ليبيا المتناحرين، أمس الجمعة، واقتحم محتجون مبنى البرلمان في مدينة طبرق بشرق البلاد، في حين نظم متظاهرون أكبر تظاهرة منذ سنوات في العاصمة طرابلس في الغرب.
خيانة وسرقة
واقتحم متظاهرون في طبرق المبنى، وأضرموا النار في أجزاء منه، مع انسحاب القوات المسلحة المكلفة بحراسته، متهمين البرلمان بـ"الخيانة وسرقة المال العام"، بعد نحو ثماني سنوات على انتخابه.
وفي مقاطع فيديو نُشرت على الإنترنت، وأكدها سكان المدينة، هلل المتظاهرون، ورددوا هتافات، بينما كانت ألسنة اللهب تلتهم جانباً من المبنى.
ومع تصارع الفصائل السياسية للسيطرة على الحكومة بعد فشلها في إجراء انتخابات كانت مقررة العام الماضي، عادت ليبيا إلى الانقسام والحرب الأهلية مع انهيار خدمات الدولة تدريجياً.
وفي بيان لمجلس النواب ورداً على ما جرى، قال: "في الوقت الذي نؤكد فيه حق المواطنين في التظاهر السلمي والتعبير عن مطالبهم سلمياً، ندين بشدة قيام البعض بأعمال تخريب وحرق مقار الدولة".
ومن جهته، قال عبد الحميد الدبيبة، على "تويتر"، "أضم صوتي للمواطنين في عموم البلاد. على جميع الأجسام الرحيل بما فيها الحكومة، ولا سبيل لذلك إلا عبر الانتخابات. والأطراف المعرقلة للانتخابات يعلمها الشعب الليبي".
ونقلت قناة "ليبيا الأحرار" عن النائب بلخير الشعاب قوله، "يجب أن نعترف بفشلنا، وأن ننسحب فوراً من المشهد السياسي".
وكذلك دعا النائب زياد دغيم، في تصريح للقناة، أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة إلى تقديم استقالتهم جماعياً، احتراماً لخيار الشعب الليبي، وحفظاً لاستقرار البلاد.
المتظاهرون إلى الشارع
وأدت الاحتجاجات على انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر إلى نزول المتظاهرين إلى الشوارع في عدة مدن، متحدين الفصائل المسلحة، للتعبير عن غضبهم من الإخفاقات التي جعلت الحياة لا تطاق خلال أشهر الصيف الحارقة.
وفي ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس، احتشد المئات، ورددوا هتافات تطالب بتوفير الكهرباء، وتندد بالفصائل المسلحة وبالسياسيين، وتطالب بإجراء الانتخابات، في أكبر احتجاجات على النخبة الحاكمة منذ سنوات.
وفي وقت لاحق من اليوم الجمعة، وقف عشرات المتظاهرين بجوار مقر الحكومة، ورددوا هتافات تقول "نريد كهرباء... نريد كهرباء".
دائرة الغضب تتسع
كما اندلعت احتجاجات أخرى شارك فيها عشرات المتظاهرين في كل من بنغازي والبيضاء ومصراتة وبعض البلدات الأصغر، مما يظهر مدى اتساع دائرة الغضب من الوضع، وانتقاله عبر خطوط المواجهة بين القوات المتنافسة في البلاد.
وهتف المحتجون في طرابلس "مللنا، مللنا، الشعب يريد إسقاط الحكومات، نريد الكهرباء"، وطالبوا بإجراء انتخابات. وردد المحتجون أيضاً شعارات ضد الفصائل المسلحة التي تسيطر على مناطق عبر ليبيا قائلين، "لا للميليشيات، نريد جيش وشرطة".
وشوهد أفراد مسلحون تابعون للشرطة والجيش في محيط ساحة الشهداء. وخلال الاحتجاجات التي جرت قبل عامين، جرى إطلاق النار على المتظاهرين.
وقال المتخصص في الشأن الليبي في "المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية"، طارق مجريسي، عبر "تويتر"، "اندلعت الاحتجاجات الشعبية في أنحاء ليبيا في مؤشر إلى السخط، بسبب تدهور نوعية الحياة والأزمة السياسية ومن يقف وراءها والأمم المتحدة التي انخرطت في لعبتهم".
ضد المسؤولين
وقال عمر دربال، (23 عاماً) طالب بكلية العلوم، "أنا هنا اليوم للتظاهر ضد كل المسؤولين الذين أتوا بهذا البلد إلى الجحيم. نحن بلد منتج للنفط، ولدينا انقطاع التيار الكهربائي كل يوم. هذا يعني أن البلد يديرها أشخاص فاسدون".
وفي بلدة القبة بشرق ليبيا، موطن رئيس البرلمان عقيلة صالح، طالب عشرات السكان بسقوط كل الحكومات والكيانات السياسية بسبب تدني مستويات المعيشة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعاني قطاع الكهرباء الليبي من تبعات حروب وفوضى سياسية مستمرة منذ سنوات مما أوقف الاستثمارات ومنع أعمال الصيانة، وأتلف في بعض الأحيان البنية التحتية ذاتها.
في السياق، أعلنت "المؤسسة الوطنية للنفط" الليبية، الخميس الماضي، خسائر تفوق 3.5 مليار دولار، نتيجة الإغلاق القسري لمواقع نفطية كبرى منذ منتصف أبريل (نيسان). كما أعلنت حالة "القوة القاهرة" في ميناءين نفطيين في شرق البلاد، وفي حقل نفطي في جنوب غربها.
وأوضحت المؤسسة أن "الإنتاج انخفض بشكل حاد"، والتصدير تراجع إلى ما "بين 365 و409 آلاف برميل يومياً، علاوة على فقدان 220 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً" ضرورية لتزويد شبكة الكهرباء.
ويُعد الانخفاض في إنتاج الغاز من أسباب الانقطاعات المزمنة للتيار الكهربائي التي تعانيها ليبيا، التي تمتد لفترة تصل إلى 12 ساعة يومياً.
وتعهدت حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، التي تشكلت العام الماضي بحل المشكلات، لكن على الرغم من إصدارها عقوداً للعمل في عديد من محطات توليد الكهرباء لم يبدأ العمل في أي منها، وحالت المشاحنات السياسية دون تنفيذ أي أعمال أخرى.
ويهدد استمرار الأزمة السياسية بتفاقم الأوضاع مع تعيين البرلمان الموجود في الشرق لفتحي باشاغا رئيساً لوزراء حكومة جديدة على الرغم من رفض رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة التنحي عن المنصب.
كما حاصرت فصائل في الشرق منشآت نفطية، مما قلل إمدادات الوقود لمحطات توليد الكهرباء الكبرى مما تسبب في مزيد من الانقطاعات.
وفي طرابلس، لوح المتظاهرون بلافتات شطبوا فيها بعلامات حمراء على وجوه الدبيبة وباشاغا وصالح وقيادي تشريعي آخر وممثل الأمم المتحدة.
وتتنافس حكومتان على السلطة منذ مارس (آذار)، واحدة مقرها طرابلس غرب البلاد يقودها عبد الحميد الدبيبة منذ 2021، وأُخرى بقيادة فتحي باشاغا يدعمها برلمان طبرق والمشير خليفة حفتر الرجل القوي في الشرق.
وكان مقرراً إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 في ليبيا تتويجاً لعملية سلام ترعاها الأمم المتحدة بعد أعمال العنف عام 2020. لكنها أرجئت إلى أجل غير مسمى بسبب خلافات قوية بين الخصوم السياسيين والتوتر على الأرض.
واختتمت الجولة الأخيرة من المحادثات في جنيف بين مجلسي النواب والمجلس الأعلى للدولة الخميس من دون اتفاق على إطار دستوري لإجراء الانتخابات.
وقاد المفاوضات الأخيرة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس خالد المشري.