أعلن أستاذ القانون الدستوري الصادق بلعيد "أن مشروع الدستور الجديد الذي تم نشره في الجريدة الرسمية بتاريخ الـ 30 من يونيو (حزيران) الماضي نسخة خطرة ولا تشبه المسودة الأولى التي سلمتها اللجنة الاستشارية إلى رئيس الجمهورية".
وقال بلعيد في رسالته المنشورة بعنوان "هي مهمة حق أريد بها باطل" اليوم الأحد بإحدى الصحف المحلية بالبلاد، "من واجبنا الإعلان بكل قوة وصدق أن النص الذي وقع نشره في الرائد الرسمي والمعروض على الاستفتاء لا يمت بصلة إلى النص الذي أعددناه وقدمناه للرئيس قيس سعيد، وعليه فإنني وبصفتي الرئيس المنسق للهيئة الاستشارية الوطنية، وبعد التشاور مع صديقي الأستاذ أمين محفوظ وموافقته أصرح بكل آسف وبالوعي الكامل بالمسؤولية إزاء الشعب التونسي أن الهيئة بريئة تماماً من المشروع الذي طرحه الرئيس للاستفتاء الوطني، وإن ما يدفعني إلى الصدح بالحقيقة يتخطى الحرص على احترام الشكليات ليتعلق بالأصل وإلى ما نعتبره أخطر بكثير، ذلك أننا نرى أن النص الصادر عن رئاسة الجمهورية يحتوي على أخطار جسيمة من مسؤوليتي التنديد بها".
موقف بلعيد زاد تأزم الوضع السياسي في تونس الذي أيده بعضهم ورفضه الآخر، خصوصاً الأطراف السياسية التي شاركت في الحوار الوطني وقدمت مقترحات لصياغة الدستور، وتعليقاً على شهادة بلعيد أكد المتحدث الرسمي للتيار الشعبي محسن النابتي "أنهم عكس البقية عبروا عن مخاوفهم من مسودة الدستور التي قدمها".
وأضاف أن" مشروع الدستور الذي نشره قيس سعيد في الجريدة الرسمية أنصفهم وأنصف شخصيات وطنية عدة قدمت مقترحات جدية لصياغة الدستور الجديد"، وأفاد أن "أكثر الفصول التي رفضوها من بلعيد هي المتعلقة بهوية الشعب التونسي". يشار إلى أن التيار الشعبي حزب مساند لمسار الـ 25 من يوليو (تموز) وشارك في الحوار الوطني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عواقب خطرة
من جهة أخرى، علق الناشط السياسي عادل اللطيفي على تبرؤ بلعيد من دستور سعيد قائلاً "يمكن القول إن قيس سعيد انتهى سياسياً وأخلاقياً كما انتهت النهضة من قبله بعد نشر دستوره الفضيحة، وبعد تبرؤ أقرب مقربيه الصادق بلعيد وأمين محفوظ منه، وتأكد غدره بهم، ومهما كانت نتيجة الاستفتاء بنعم أو لا فإن العواقب على الدولة وعلى المجتمع ستكون خطرة".
وأضاف اللطيفي، "اليوم تعيش تونس وضعاً خطراً يلفه الغموض وتحوم حوله كل الأخطار على السلم الاجتماعي والدولة"، داعياً من سماها القوى الوطنية، مدنية وسياسة وشخصيات، "أن تدخل في حوار شامل تقوده القوى المدنية مع منظومتي النهضة وقيس سعيد، ويمكن لمشروع الدستور الذي نشر على جريدة الصباح مع دستور 2014 أن يكون قاعدة من أجل مؤتمر وطني للإنقاذ".
حوار وطني زائف
من جانبه، يرى الناشط في المجتمع المدني والمحلل السياسي وائل الونيفي أنه "قبل كل شيء وجب التذكير بالحوار المنعقد سابقاً وسمي حواراً وطنياً في وقت غابت عنه أكبر المنظمات والأحزاب". وأضاف، "منذ بدايته كان الحوار صورياً والجميع يعلم أن مفاتيح كتابة دستور جديدة ستكون عند أساتذة القانون الدستوري، وبالأساس كل من الصادق بلعيد وأمين محفوظ". وأضاف، "كما كان عدد لا بأس به من المتابعين للشأن السياسي والمنعرج التاريخي الذي تمر به البلاد قد عبروا عن خشيتهم من الدستور الذي عهدت صياغته إلى الصادق بلعيد، وعلى الرغم من ذلك انتظر التونسيون دستوره حتى يستفيضوا نقاشاً عقلانياً حول التصورات المستقبلية للدولة التونسية".
فلسفة جديدة
ويوضح الونيفي، "بالتوازي مع ذلك سرعت حكومة الرئيس التي تقودها نجلاء بودن من نسق نقاشها التقني مع صندوق النقد الدولي، وكانت آخر اللمسات الفنية إعلان البرنامج الذي خطته الحكومة وإعلام الجميع به، وهو ما حصل فعلاً"، معتقداً أن "الحكومة دشنت لقاء صورياً سمي حواراً وطنياً لعرض برنامجها الإصلاحي".
ويرى أن "هذا الوضع سيضع حكومة بودن في حرج أمام بعثة صندوق النقد الدولي بعد اتضاح أن الحوار الوطني زائف ولم يكن سوى مناورة من قيس سعيد لفرض تصوراته الفردية الضيقة".
ويؤكد الونيفي أن "نيات الرئيس سعيد من البداية واضحة واتضحت أكثر عشية تسلمه نسخة الدستور المقترح من هيئة بلعيد بقوله يحتاج إلى مراجعة".
ويرجح الونيفي أن "القوس الذي فتحه الرئيس سعيد ويحمل في طياته فلسفة جديدة في التعاطي مع الشأن السياسي أساسها المخاتلة، ستكون عواقبه خطرة وكبيرة، وبدأت تتجلى اقتصادياً في أيامنا هذه".
ويتابع، "نسخة دستور بلعيد عقلانية وقابلة للنقاش على الرغم من الانتقاد الشديد للمسار المتبع في مواجهة نسخة دستور يكرس لحكم غير قابل للنقاش أبداً".
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أكد في الـ 20 من يونيو الماضي إثر تسلمه نسخة الصادق بلعيد، أن "مشروع الدستور ليس نهائياً وعلى أن بعض فصوله قابلة للمراجعة ومزيد من التفكير".