في قاعة محكمة تعلوها هيئة المسيح المصلوب، جلست فتاة ابنة الأعوام العشرة، ضحية اغتصاب جعلها حاملاً، لتطلب من السلطات القضائية منحها إذناً بالإجهاض.
لكن القاضية والمدعي العام في هذه البلدة في جنوب البرازيل، حثّا الفتاة على الاحتفاظ بحملها.
ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً عن الحادثة بقلم مارينا لوبيس، حيث أشارت إلى كلام القاضية البرازيلية جوانا ريبيرو زيمر التي تساءلت إن كان يمكن للفتاة أن تُبقي حملها "لفترة أطول قليلاً؟"، وإذا كانت تريد "تسمية الطفل؟".
وعندما فشلت تلك المناشدات، تدخل المدعي العام، قائلاً: هل ستفكر الفتاة في عرضه للتبني "بدلاً من تركه يموت - لأنه أصبح رضيعاً، طفلاً - بدلاً من تركه يموت في عذاب؟".
وأمرت ريبيرو زيمر بأخذ الفتاة من عائلتها إلى الملجأ - لحماية الجنين.
وهز مقطع فيديو مسرب لجلسة الاستماع، الذي نشر في يونيو (حزيران) من قبل جمعية "إنترسيبت برازيل"، البرازيل، التي تفرض قيوداً صارمة على الإجهاض.
ويُسمح بالإجهاض في البرازيل فقط في حالات الاغتصاب أو سفاح القربى أو تشوُّه الجنين الشديد، لكن المدافعين عن حقوق الإجهاض يقولون إن قضية الفتاة البالغة من العمر 10 سنوات تظهر كيف أن حالات صريحة مثل هذه تواجه مقاومة من سياسات المستشفى والبيروقراطية والقضاء العدائي في كثير من الأحيان.
وفي هذا الصدد قالت ديبورا دينيز، عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة برازيليا، والتي تدرس حقوق الإجهاض، إن قضايا مثل حالة الطفلة يمكن أن تنذر بما سيحدث في الولايات المتحدة الآن بعد أن ألغت المحكمة العليا الحكم السابق في قضية "رو ضد وايد". وأشارت، "عندما تكون هناك حالة من انعدام الأمن القضائي، كما نرى الآن في الولايات المتحدة، حيث تقرر كل ولاية سياستها الخاصة، فإن انعدام الأمن هذا يخلق مساحة جاهزة للتضليل والخوف".
الغموض القانوني في البرازيل حول الإجهاض يُخيف الأطباء الذين لا يريدون المخاطرة بدعاوى قضائية أو بالسجن. وكانت وزارة الصحة البرازيلية، أصدرت مذكرة الشهر الماضي تنص على أن "كل عملية إجهاض هي جريمة"، ولكن قد يتم إسقاط العقوبات في "حالات محددة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتعرض الأطباء المُدانون بإجراء إجهاض غير قانوني إلى السجن لمدة تصل إلى أربع سنوات. وعليه، يفضل الكثيرون توخي الحذر، حتى عندما يكون ذلك ضاراً بالضحايا.
تشير الأرقام الحكومية إلى أن أكثر من 17 ألف طفلة تتراوح أعمارهن بين 10 و14 عاماً في البرازيل يحملون كل عام. هؤلاء الأمهات أكثر عُرضة للوفاة أثناء الولادة بخمس مرات من النساء فوق سن العشرين، كما للتعرض لتمزق الرحم وتسمم الحمل وفقر الدم.
ولكن، على الرغم من من الأجواء المحافظة التي تطغى على المجتمع البرازيلي، فإن الرأي العام هناك بدأ يتغير، إذ كما توضح الصحيفة، فإن استطلاعات الرأي تظهر أن التأييد لحظر الإجهاض الكامل آخذ في الانخفاض، ويأمل نشطاء حقوق الإجهاض أن تنضم البلاد إلى "الموجة الخضراء" للتشريع التي اجتاحت المكسيك وكولومبيا والأرجنتين، كما أن هناك قضية تنتظر أن تنظر فيها المحكمة العليا البرازيلية تطالب بإلغاء تجريم الإجهاض خلال 12 أسبوعاً من الحمل.
في القضية الأحدث، اكتشفت الفتاة، وهي من ولاية سانتا كاتارينا الجنوبية، أنها حامل في أسبوعها الـ22 في مايو (أيار) الماضي. وبعدها بيومين توجهت الفتاة إلى مستشفى في فلوريانوبوليس، عاصمة الولاية، طلباً للإجهاض. ويضمن القانون الاتحادي لضحايا الاغتصاب الحق في الإجراء في أي مرحلة من مراحل الحمل، لكن وزارة الصحة البرازيلية توصي بإجراء جميع عمليات الإجهاض قبل 22 أسبوعاً. ورفض المستشفى، مستشهداً بهذا التوجيه، إجراء العملية من دون إذن قضائي.
وخلال جلسة المحكمة، سألت القاضية ريبيرو زيمر الطفلة عما إذا كانت مستعدة للبقاء حامل "أسبوعين أو ثلاثة أسابيع إضافية" للسماح للجنين بالنمو. وسألت أيضاً عما إذا كانت الفتاة تشعر بركلات الطفل، وما إذا كان مغتصبها سيوافق على التخلي عنها للتبني.
وطوال الجلسة، كررت الفتاة أنها لا تريد الاستمرار في الحمل والولادة، لكنها وافقت في النهاية على طلب ريبيرو زيمر بأن تنتظر "أسابيع قليلة أخرى" لزيادة فرص بقاء الجنين خارج رحمها من أجل التبني المحتمل.
في حكمها، ساوت القاضية الإجهاض بالقتل وأمرت الفتاة بالذهاب إلى ملجأ لمنع "الأم من إجراء أي إجراء يؤدي إلى وفاة الطفل". لقد قاموا بفصل الطفلة عن أسرتها لأكثر من 40 يوماً.
لكن بعد نشر الفيديو، زعمت سلطات الدولة إن الفتاة أبعدت من منزلها ليس من أجل سلامة الجنين، بل من أجل إجراء تحقيقات مع أفراد عائلتها لشبهة تعرضها للاغتصاب من أحد منهم.
وبينما كانت الفتاة تنتظر في الملجأ، قسمت القضية البرازيليين. وكتب الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو على "تويتر": "الطفل لديه سبعة أشهر من الحمل، بغض النظر عن كيفية حمله أو ما إذا كان محمياً بموجب القانون أم لا. من غير المقبول الحديث عن سلب حياة هذا الكائن الأعزل!".
في غضون ذلك، نزل نشطاء داعمون للإجهاض إلى الشوارع، مطالبين بإطلاق سراح الفتاة من الملجأ، ومنحها الإجهاض. ووقعت أكثر من 300 ألف امرأة على عريضة تطالب بإقالة القاضي.
دفعت هذه التحركات مكتب المدعي العام الفيدرالي في البرازيل إلى طلب المستشفى بإجراء العملية، وفي 23 يونيو (حزيران)، أجرت الفتاة البالغة الآن، 11 عاماً، عملية إجهاض. وأعرب المكتب عن "أسفه للحادث المؤسف" للجلسة، لافتاً إلى أنه يحقق في سلوك المستشفى والقاضي، كما طلبت المحكمة العليا من وزارة الصحة مراجعة توصيتها في شأن موعد إجراء عمليات الإجهاض، والتي تنص على أن جميع عمليات الإجهاض غير قانونية.