يبدو أن التغيرات المناخية التي ألقت بظلالها على المنطقة العربية، ومنها العراق، جعلت المسؤولين في بغداد يفكرون جدياً في إيجاد حلول جذرية للتقليل من الآثار السلبية لتلك التداعيات، التي أدت إلى حدوث تغيرات مناخية كبيرة، منها التصحر، وما نتج منه من عواصف ترابية تضاعفت خلال الأشهر والأعوام الماضية.
العراق بدأ يتحرك إقليمياً وعلى صعيد المجتمع الدولي من أجل إيجاد حلول للتغيرات المناخية التي تشهدها البلاد، لا سيما في ظل أزمة الجفاف التي يعيشها نتيجة تقليص حصصه من المياه وقطعها وانخفاض مستوى الأمطار لتغذية أنهاره.
"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"
إزاء ذلك، أعلن العراق عن انضمامه إلى مبادرتَي الرياض "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، اللتين تسعيان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية محلياً بأكثر من 4 في المئة من المساهمات العالمية، من خلال زراعة 10 مليارات شجرة، إضافة إلى تدعيم مشاريع الطاقة المتجددة التي ستوفر 50 في المئة من إنتاج الكهرباء محلياً بحلول 2030، إلى جانب مشاريع التقنيات الهيدروكربونية النظيفة.
وقال وكيل الوزارة مهدي سهر الجبوري، لوكالة الأنباء العراقية إن "التغيرات المناخية التي شهدها العالم، بخاصة بعد ارتفاع درجات الحرارة وانحباس الأمطار، وأيضاً قلة وتناقص الإيرادات المائية للبلاد من دول الجوار، انعكست بالمجمل على الوضع البيئي خلال الفترات الأخيرة، التي شهدت تزايد الغبار في دول عدة، من ضمنها العراق".
وللموسم الثالث على التوالي، تنخفض إيرادات المياه الواصلة إلى نهري دجلة والفرات، سواء من تركيا وإيران، أو من الأمطار وذوبان الثلوج في قمم الجبال العراقية، التي يبدو أنها كانت دون مستوى الطموح لتعزيز المخزون المائي للبلاد في الفترة المقبلة.
ويعتمد العراق في تغذية أنهاره سنوياً على المياه الآتية من تركيا وإيران، خصوصاً في فصل الربيع، فضلاً عن الأمطار والثلوج، لكن الموسم الحالي شهد انخفاضاً كبيراً وغير مسبوق منذ أعوام عدة، وهو ما بدا واضحاً في انحسار مساحة نهري الفرات ودجلة داخل الأراضي العراقية وجفاف أنهر وبحيرات في محافظة ديالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توسيع الرقعة الزراعية
وأضاف الجبوري أنه "لهذه الأسباب كان هناك اهتمام بتوسيع الرقعة الزراعية والخضراء في العراق والبلدان المجاورة، إضافة إلى إطلاق مبادرات من السعودية، انضم العراق إليها، بالتنسيق بين وزارة الزراعة ووزارة الموارد المائية، بصفتها تدير الموارد المائية في البلاد".
وبيّن أن "هناك مشاريع عدة ضمن هذه المبادرات، ومشاريع أخرى ممولة من قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي، منها تثبيت الكثبان الرملية ومشروع حوض الحماد وتطوير زراعة الزيتون وتنمية وتحسين الغابات وزراعة الكالبتوس وأيضاً تنمية المراعي الطبيعية والواحات الصحراوية والحزام الأخضر".
وتابع أن "هذه المبادرات والمشاريع ستنعكس بالمجمل على البيئة في العراق، وتخفّض درجات الحرارة، وتزيد من الرقعة الخضراء"، لافتاً إلى أنها "تعتمد على الري بالتنقيط وبالرش لترشيد المياه واستغلالها الاستغلال الأمثل، بخاصة المياه الجوفية، فهي رصيد لكل الأجيال". ونوه بأن "المشاريع المقبلة، إذا أطلقت مخصصاتها المالية، سيكون لها أثر إيجابي في البيئة بالبلاد".
وشهد العراق خلال الفترة الماضية عواصف ترابية في محافظات ومدن عدة، متسببة باختناقات أدت إلى دخول العشرات إلى المستشفيات، فيما يرجع متخصصون تكرار هبوب العواصف الترابية هذا الموسم إلى شح الأمطار في غرب البلاد، ما جعل التربة السطحية جرداء وخالية من الغطاء النباتي.
55 في المئة أراضٍ صحراوية
وتقول وزارة الزراعة إن العراق بحاجة إلى 14 مليار شجرة من أجل إحياء بيئته. وبحسب الوزارة، فإن 55 في المئة من المساحة الكلية للبلاد مهددة بالتصحر. وأكدت المديرة العام لدائرة الغابات ومكافحة التصحر في الوزارة راوية مزعل أن "القطاع الزراعي، بشقَّيه النباتي والحيواني، يعتمد على الماء باعتباره العامل المحدد الرئيس للعمليات الزراعية وزيادة الإنتاج"، لافتة إلى أن "انحسار الأمطار وانخفاض إطلاقات المياه من دول المنبع أديا إلى تقليل الخطة الزراعية".
ولفتت إلى أن "مساحة الأراضي المتصحرة تبلغ ما يقارب 27 مليون دونم، أي ما يعادل تقريباً 15 في المئة من مساحة البلد"، منبهة أن "ما يقارب 55 في المئة من مساحة العراق تُعدّ أراضي مهددة بالتصحر".
ويضم العراق مساحات شاسعة من الصحاري على حدوده الغربية مع كل من سوريا والأردن والسعودية. وعلى الرغم من الجهود الحكومية لمحاولة السيطرة على زحف الصحراء والحد من العواصف الترابية وإنشاء أحزمة خضراء حول المدن، لا سيما العاصمة بغداد في ثمانينيات القرن الماضي، فإن الحروب التي خاضتها البلاد والقطع الجائر للأشجار لغرض استخدامها كوقود للطبخ والتدفئة نتيجة شح الوقود آنذاك، أديا إلى فشل هذه المشاريع واندثارها.
ولعل زيادة نسب التصحر وتأثيراته السلبية في البلاد أدخلتا الأمم المتحدة على الخط من خلال إطلاق مشروع "تحفيز العمل المناخي بالعراق"، الذي يمتد لعامين بتمويل من حكومتي المملكة المتحدة وكندا.
وبموجب البرنامج الذي تدعمه الأمم المتحدة، سيتم تقديم الدعم الفني وبناء المعرفة والدعم التشغيلي للعراق، للمساعدة في تنفيذ مساهماته المحددة وطنياً، مع التركيز على الطاقات المتجددة وإدارة موارد المياه العابرة للحدود والاستعداد للجفاف والكوارث الأخرى.
وقالت الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق زينة علي أحمد، إن "البلاد تصنف على أنها خامس أكثر دولة معرضة للتأثر بالتغيّر المناخي في العالم وتواجه تحديات خطيرة، مثل ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار والملوحة والعواصف الترابية المستمرة أخيراً، لذلك حان الوقت للاستثمار في العمل المناخي الفاعل، ولا يسعنا الانتظار أكثر من ذلك".