أسهمت قصة الطفل المغربي ريان، ذي السنوات الخمس، الذي توفي نتيجة سقوطه في بئر عشوائية بضواحي مدينة شفشاون في 5 فبراير (شباط) الماضي، بعد 5 أيام من محاولات إنقاذ متواصلة ومُضنية في القرار الحكومي الجديد بتجريم حفر الآبار العشوائية.
ووافقت الحكومة المغربية، أخيراً، على مقترح قانون سبق أن تقدم به حزب الاتحاد الاشتراكي (المعارض) في مجلس النواب، ينص على معاقبة كل من قام بأشغال حفر بئر أو ثقب مائي أو تجويفات أو نفق أو تثبيت أنبوب أو قناة من دون اتخاذ الاحتياطات والإشارات المعتادة أو المقررة قانوناً بالحبس من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة نافذة من 5 آلاف درهم (نحو 497 دولاراً) إلى 15 ألف درهم (نحو 1493 دولاراً)، أو إحدى هاتين العقوبتين فقط.
مضمون وتفاصيل القانون
المقترح الذي وافقت عليه الحكومة المغربية ينص أيضاً على "معاقبة كل من لم يتخذ الاحتياطات في هذه الأشغال، وأنهاها دون القيام بتوفير شروط سلامة الأشخاص من مخاطر بالحبس من شهر إلى سنتين، وغرامة نافذة من 10 آلاف (994 دولاراً) إلى 20 ألف درهم (1991 دولاراً)، وتُضاعف العقوبة إذا كان المكان آهلاً بالسكان".
وعزا الحزب المذكور تقديمه لمقترح القانون إلى "عدم مراعاة النظم أو القوانين المعمول بها في القانون الجنائي، وقصور هذا الأخير، وكذا قانون الماء، في تنظيم الأفعال المتعلقة بعدم توفر شروط سلامة الأشخاص في أثناء القيام بأشغال حفر بئر أو ثقب مائي، أو تجويفات، أو ممر تحت أرضي، أو نفق، أو تثبيت أنبوب أو قناة".
ونبّهت المبادرة التشريعية إلى عدم اتخاذ القائمين على حفر الآبار بالمغرب للاحتياطات والإشارات المعتادة أو المقررة قانوناً في الورش، وكذا حالة انتهاء الأشغال وترك الوضع على حاله، دون توفر حواجز وقائية، بشكل يعرض سلامة الأشخاص لخطر، سواء المستعملة منها، أو تلك المهجورة نهائيا، بسبب عدم العثور على الماء أو فشل المشروع".
وجاء مقترح القانون التشريعي، وفق الحزب الذي قدمه في البرلمان، على خلفية حادثة الطفل ريان، حتى لا تتكرر مأساة ما حصل، كما جاء متزامناً مع حملة وطنية لهدم وإغلاق جميع الآبار المهجورة وغير المستعملة".
وكانت الحكومة قد شرعت في جرد عدد الآبار القديمة والعشوائية المبنية من دون رخص بعد أيام قليلة من وفاة الطفل ريان، بينما تشير أرقام شبه رسمية إلى أن عدد الآبار في المغرب يصل إلى 28 ألفاً و600 بئر، ضمنها 26 ألف بئر جميعها غير مرخصة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطورة الآبار العشوائية
ويرى الباحث في القانون وحوكمة التنمية حميد الله زغنون أن حفر الآبار لم يُترك عبثاً أو من دون ضبط، فهو محكوم بقانون الماء رقم 36.15، والذي يحتوي على 163 مادة مفصلة بدورها إلى عدة أبواب قانونية.
وجاء المُشرّع المغربي بقانون الماء المذكور من أجل "عصرنة تدبير الموارد المائية في المغرب، وتمكين السلطات العمومية من الآليات اللازمة لمواجهة التحديات المتعددة المطروحة".
وعاد الباحث القانوني نفسه، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، إلى إحدى مواد "قانون الماء" التي تنص حرفياً على ضرورة "تنظيم مهنة حفر الأثقاب عبر إخضاع مزاولة هذه المهنة لنظام الترخيص".
وشدد زغنون على أن الخطورة ليست في الآبار العصرية المرخصة لأنها توجد تحت أعين السلطات، بل المشكلة تتفاقم في آلاف الآبار العشوائية المبنية بدون ترخيص لسبب، أو لآخر، والآبار القديمة المتهاكلة التي لم تعد مستعملة، فتظل عبارة عن حفر غائرة خطيرة".
ونبّه الباحث إلى أن الآبار العشوائية يتم حفرها عادةً من طرف سكان القرى والبوادي في خضم أزمات المياه الصالحة للشرب التي تعانيها هذه المناطق، بخاصة في الصيف، متابعاً أنه لا تتم مراقبة هذه الآبار في كثير من الأحيان ولا إقفالها أو وضع إشارات تحذيرية بالقرب منها، فتقع كوارث إنسانية، كما حدث مع الطفل ريان وغيره الكثير.
وينص قانون الماء في مادته رقم 132 على أنه "يُسمح لأفراد شرطة المياه بالولوج إلى الآبار والأثقاب وأية منشأة أو تجهيزات أخرى لاستعمال واستغلال الملك العمومي المائي، ويمكنهم أن يطلبوا من مالك أو مستغل منشأة التقاط أو جلب الماء أو صب المياه المستعملة تشغيل هذه المنشآت قصد التحقق من خصائصها".
حوادث قاتلة
وإذا كانت حادثة مقتل الطفل ريان هي النقطة التي أفاضت كأس "الآبار العشوائية" في المغرب، بعد المتابعة الإعلامية والسياسية غير المسبوقة لهذا الحدث، فإن هناك حوادث أخرى ذهب ضحيتها عديد من الأشخاص.
وشهد شهر يونيو (حزيران) وحده عدة حوادث قاتلة بسبب هذه الآبار العشوائية والقديمة، فقد لقيت سيدة في عقدها الرابع حتفها في بئر في ضواحي تاونات (جنوب)، كما أن إقليم وزان عرف حادثة سقوط قاتل لرجل في عقده السادس في بئر عشوائية.
وعرفت منطقة تافراوت (جنوب المغرب) واقعة وفاة رجل ثمانيني سقط في بئر تقليدية مكشوفة ليلقى حتفه على الفور، وهو ما أوضحه نجله عمر اللبان، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، بالقول إن والده كان يتمشى عندما غربت الشمس بالقرب من البيت، والبئر في الجوار، لكنه تأخر في العودة، فأصابنا القلق".
وتابع المتحدث، "الوالد كان من عادته المشي قليلاً في المساء للترويح عن نفسه، وبعد أن تأخر بحثنا في كل مكان من دون جدوى، قبل أن نهتدي إلى البئر المجاورة، وبعد الاتصال برجال السلطة المحلية، تبين أنه مُلقى في قعر البئر، إذ يبدو أنه لم ينتبه إلى البئر مع ظلمة الليل، فسقط ليلقى حتفه سريعاً".
وعدا الحوادث المميتة التي تتسبب فيها الآبار العشوائية والتقليدية المكشوفة، فإنها أيضاً تؤدي إلى الإضرار بالفرشة المائية الجوفية، الشيء الذي يؤثر بدوره على المخزون المائي للبلاد، وفق الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة.