باتت استعادة العمق الأفريقي يشغل بال الجزائر، بعد أن أحيت مختلف المشاريع وإبرام عديد الاتفاقيات وتوسيعها إلى مجالات كانت إلى وقت قريب على الهامش، وجاء الاهتمام بمشروع الطريق العابر للصحراء ليمنح مؤشرات حول ما تسعى إليه الجزائر قارّياً.
وكشفت أعمال الدورة الـ 73 للجنة الربط للطريق العابر للصحراء المنعقدة بالجزائر، بمشاركة وزراء الدول المعنية ممثلة في تونس، مالي، النيجر، نيجيريا، والتشاد، بالإضافة إلى المؤسسات المالية الوطنية والدولية، عن نظرة مختلف الأطراف المعنية للمشروع الذي أعلن وزير الأشغال العمومية الجزائري، كمال ناصري، أن نسبة الأشغال الخاصة بإنجازه بلغت مراحل متقدمة، وهي بحدود 90 في المئة.
وأضاف ناصري، أن الطريق العابر للصحراء الذي يبلغ مسافة 10 آلاف كلم، هو من الإنجازات الهامة التي تحققت، لا سيما أنها جاءت في إطار مشروع مثالاً للتعاون والتنسيق بين الدول الأفريقية لبلوغ أهداف مشتركة ستعود على المنطقة بخير كثير.
كما أكدت وزيرة التجهيز والإسكان التونسية، سارة زعفان الزنزري، أن بلادها "تعمل على جعل الرواق طريق اقتصادي بين البلدان الأعضاء لتحسين ودفع الاستثمار في إطار التنمية الاقتصادية والاندماج الإقليمي".
من جانبه، أوضح وزير الأشغال العمومية النيجيري، مختار غارسامو، أن إعطاء مشروع الطريق العابر للصحراء البعد الاقتصادي هو ما يجعله أول حلقة للإدماج الاقتصادي الأفريقي، مضيفاً أن هذا الطريق سيكون أول خطوة لمشاريع كثيرة ستأتي مستقبلاً.
تكتلات اقتصادية واعدة
في السياق، أكد أستاذ الاقتصاد أحمد الحيدوسي، أن مشروع الطريق العابر للصحراء يكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى الاستراتيجية المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة المنشودة والتكامل الاقتصادي بين الدول الأفريقية باعتباره الشريان الحقيقي بالمنطقة، مبرزاً أن الخطوة ستسمح بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدول الست المعنية، في إطار تفعيل الوحدة الأفريقية، كما سيسمح بتكثيف التبادلات البينية بين الدول مما يخلق تكتلات اقتصادية واعدة بالقارة، وتابع أن الطريق العابر للصحراء يدخل ضمن استراتيجية الجزائر للامتداد في القارة الأفريقية، وهو مرتبط بمشاريع دولية أخرى على غرار طريق الحرير الذي توليه الجزائر أهمية كبرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد الحيدوسي، أن الجزائر غيّرت بوصلتها نحو القارة الأفريقية، التي باتت المكان الأنسب لتصدير منتجاتها وسلعها، بعد أن واجهت عراقيل في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفي ظل غزو المنتجات الآسيوية وخصوصاً من الصين والهند لمنطقة التبادل التجاري العربية، مشيراً إلى أن الجزائر تراهن على هذا الطريق لربط موانئها في الشمال بالعمق الأفريقي، بهدف رفع المداخيل وتحسين معدلات النمو وخلق فرص عمل، كما أن المشروع يمنح الدول المعنية به آفاقاً واسعة لتحقيق قفزة نوعية اقتصادياً واجتماعياً.
تحقيق تنمية مستدامة بالقارة
وكان وزير التجارة الجزائري كمال رزيق، قد اعتبر أن استعمال مناطق التجارة الحرة والطريق العابر للصحراء وموانئ الشمال، سيمكن بلاده من رفع المبادلات التجارية البينية مع أفريقيا إلى قرابة 52 في المئة مقابل 16 في المئة حالياً، كما أبرز الرئيس المدير العام للشركة الجزائرية للدراسات والمرافق العامة، علي شقرون، أن الطريق العابر للصحراء الذي يعتبر شرياناً اقتصادياً بامتياز، سيسمح بتقليص فاتورة النقل الباهظة التي باتت تمثل حوالى 50 في المئة من قيمة البضائع إلى 20 أو 30 في المئة، موضحاً أن المشروع من شأنه تحقيق تنمية مستدامة بالقارة السمراء خصوصاً مع توافر الدول الأعضاء على موارد طبيعية متنوعة.
فكرة سياسية بالدرجة الأولى
لكن المستشار لدى البنك الدولي، محمد حميدوش، له رأي آخر، حيث اعتبر أن "فكرة الطريق العابر للصحراء سياسية بالدرجة الأولى أكثر مما هي اقتصادية، بهدف فك العزلة عن دول الساحل وتعزيز التجارة بين شمال وجنوب الصحراء، حيث تمثل هذه الدول الست 27 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للقارة الأفريقية بمجموع 25 في المئة من سكانها، مشدداً على أنه من الضروري إنشاء أنظمة قانونية خاصة بهذه الدول، تتعلق بالتجارة الدولية والضرائب والرسوم الجمركية، وأنظمة أمنية للمسافرين وبضائعهم عبر الطريق، بما في ذلك تدفقات الهجرة".
وأضاف "بما أن الطابع السياسي هو الذي سيسيطر في إدارة الطريق، بسبب غياب المعرفة الحقيقية لأسواق التجارة الخارجية لهذه الدول، فإن الجزائر قد تراهن على تسييره وصيانته من خلال الجباية، بالتالي عندما تتحسن المداخيل البترولية تتم صيانة الطريق، وفي حالة العكس أو بروز أولويات أخرى للإنفاق فمصيره الانقطاع، بخاصة في أقصى الجنوب".
صناعة تحالفات وتقوية الاقتصاد
وبالعودة إلى تحركات الجزائر في ما يتعلق بمشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، والذي يعرف بعض التأخر بسبب "الصراعات الدولية" التي استدعت تمديد المناقشات والمفاوضات بين مختلف الأطراف المعنية، بخاصة في ظل أزمة الغاز الدولية جراء الحرب الروسية- الأوكرانية، فإن المشاريع الأفريقية يبدو أنها باتت وسيلة لصناعة تحالفات ومجموعات ضغط تخدم أطرافاً على حساب أخرى، وتمرر سياسات لصالح جهة على حساب أخرى، كما من شأنها صناعة اقتصاد أفريقي قوي بإمكانه تحقيق استقلالية سياسية مفقودة.
وتمت برمجة هذا المشروع الذي يطلق عليه أيضاً "طريق الوحدة الأفريقية"، منذ عقود لكن إنجازه شهد تأخراً كبيراً بسبب الأوضاع الأمنية التي عرفتها بعض الدول المشاركة فيه، قبل أن يتم بعث الأشغال من جديد وتوسيعه إلى دول أخرى، بعدما كان يربط بين الجزائر العاصمة ونظيرتها النيجيرية لاغوس، على مسافة 4500 كلم.