في وقت يواصل التضخم جنوحه في تركيا، تبحث الحكومة التركية عن مخرج للأزمة العنيفة التي أنهكت غالبية الأسر في ظل موجات متتالية من ارتفاعات الأسعار العالمية والأزمة القائمة في سلاسل الإمداد والتوريد، وفي إطار مواجهة التضخم الجانح، تستعد الحكومة التركية للإعلان عن إجراءات جديدة من المرجح أن تقود إلى ترويض معدلات التضخم وضبط مستويات الأسعار، وفي تصريحات حديثة، استعرض وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي الإجراءات والخطوات التي تتخذها حكومته لمواجهة التضخم وتداعياته على الاقتصاد.
ووفق بيان، قال الوزير التركي إنه "في إطار مكافحة التضخم، الذي يمثل الأولوية الرئيسة لنا، تتواصل جهودنا للحد من تأثر مواطنينا بسبب زيادات الأسعار، وذلك من خلال سلسلة من الإجراءات والخطوات المتبعة"، وجاء بيان الوزير التركي بعد صدور بيانات رسمية أظهرت أن معدل التضخم السنوي في البلاد قفز إلى أعلى مستوى في 24 عاماً عند 78.62 في المئة خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي.
11 إجراء لاحتواء موجات ارتفاعات الأسعار
وتحدث الوزير التركي عن 11 إجراء اتخذتها الحكومة في إطار أكبر موجة تضخم تشهدها البلاد، وقال، إنه تم تخفيض معدل ضريبة القيمة المضافة على المنتجات الغذائية إلى واحد في المئة، كما تم تحديد معدل ضريبة القيمة المضافة في خدمات الأغذية والمشروبات بنسبة ثمانية في المئة، وأيضاً، تم تخفيض معدل ضريبة القيمة المضافة على منتجات مثل الصابون، والمنظفات، والمطهرات، وحفاظات الأطفال، والمناديل المبللة، والمناشف الورقية، والمناديل الورقية، والمناديل من 18 في المئة إلى ثمانية في المئة، وأشار إلى أنه تم خفض معدل ضريبة القيمة المضافة على توصيلات الكهرباء للري السكني والزراعي من 18 في المئة إلى ثمانية في المئة، كما تم تخفيض معدل ضريبة القيمة المضافة على الأراضي الزراعية والسكنية من 18 في المئة إلى ثمانية في المئة، وتم توسيع نطاق الآلات الزراعية ذات معدل ضريبة القيمة المضافة المخفضة.
وذكر أنه، خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، تم دعم الغاز الطبيعي الذي تستخدمه الشركات الصغيرة والمتوسطة بنسبة 76 في المئة، والغاز الطبيعي المستخدم في الصناعة بنسبة 14 في المئة، والغاز الطبيعي المستخدم لتوليد الكهرباء بنسبة 25 في المئة، والغاز الطبيعي المستخدم في المساكن بنسبة ثمانية في المئة، وتقتصر الزيادة في عقود الإيجار التي سيتم تجديدها حتى يوليو (تموز) 2023 على 25 في المئة ضمن الإطار القانوني، وأوضح أنه تم تفعيل إجراءات التجارة الخارجية لبعض المنتجات الزراعية والغذائية الاستراتيجية، وقال، إنه من أجل دعم مكافحة التضخم، تم التخلي عن 241.3 مليار ليرة (13.617 مليار دولار) من الإيرادات الضريبية في عام 2022، مشيراً إلى استمرار فرق مكافحة التضخم في عمليات التدقيق للقطاعات كافة.
التضخم عند أعلى مستوى منذ عام 1998
وقفز مؤشر أسعار المستهلكين، "معدل التضخم"، في الأسواق التركية خلال شهر يونيو الماضي، بما يفوق التوقعات قليلاً، مدفوعاً بتأثير الحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار السلع وتراجع قيمة الليرة، وأظهرت بيانات صادرة، عن هيئة الإحصاء التركية، أن التضخم السنوي في البلاد قفز بنسبة 78.62 في المئة في المئة مسجلاً أعلى مستوى منذ عام 1998 وفق بيانات أسعار المستهلك التاريخية، وعلى أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا بنسبة 4.95 في المئة، وصعد بنسبة 42.35 في المئة مقارنة مع ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وبنسبة 44.54 في المئة على أساس المتوسطات المتحركة لـ12 شهراً، وشهدت أسعار السلع والخدمات، التي يعتبر الوقود جزءاً من مدخلات إنتاجها، زيادات حادة بقيادة قطاع النقل الذي سجل زيادة بنسبة 123 في المئة خلال شهر يونيو على أساس سنوي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى أساس سنوي، كانت أدنى زيادة سنوية 23.74 في المئة في قطاع الاتصالات والملابس والأحذية بنسبة 26.99 في المئة، والتعليم بنسبة 27.76 في المئة، والصحة بنسبة 39.34 في المئة. لكن في المقابل، سجلت مجموعة النقل أعلى زيادة بنسبة 123.37 في المئة، والأغذية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 93.93 في المئة، والمفروشات والمعدات المنزلية بنسبة 81.14 في المئة، وكشفت البيانات الرسمية، عن ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 6.77 في المئة على أساس شهري، وبنسبة 138.31 في المئة على أساس سنوي، ما يفسر الزيادة الحادة في أسعار المستهلك. وارتفع مؤشر أسعار المنتجين في أربعة قطاعات رئيسة للصناعة بنسبة 142.68 في المئة للتعدين واستغلال المحاجر، وبنسبة 120.47 في المئة للتصنيع، وبنسبة 369.20 في المئة للكهرباء والغاز، وبنسبة 81.47 في المئة لإمدادات المياه.
قرارات جديدة تشعل موجة التضخم
وتشير هذه البيانات إلى أفق قاتمة أمام الاقتصاد التركي، بخاصة أن العملة التركية فقدت أكثر من 20 في المئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي خلال العام الحالي، ويتعرض الاقتصاد التركي لقوى التضخم العالمي نفسها مثل البلدان الأخرى، لكن السياسات الاقتصادية غير التقليدية للرئيس رجب طيب أردوغان أشعلت الأزمة، وكذلك الليرة المنهارة، ما يجعل الواردات أغلى بكثير، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، تخلى أردوغان عن دفتر القواعد وطلب من البنك المركزي التركي البدء في خفض أسعار الفائدة مع ارتفاع الأسعار بدلاً من رفعها.
وفي الوقت الذي تعمل فيه البنوك المركزية الكبرى في العالم على زيادة تكلفة الاقتراض لتهدئة الطلب في محاولة لترويض التضخم، فإن تركيا تفعل العكس تماماً، وظلت أسعار الفائدة عند 14 في المئة منذ ديسمبر الماضي، ودافع أردوغان عن سياسته النقدية، بحجة أن خفض أسعار الفائدة سيخفض التضخم ويعزز الإنتاج والصادرات، وألقى باللوم في مشاكل بلاده الاقتصادية على التدخل الأجنبي، وقال نور الدين النبطي وزير الاقتصاد التركي، إن "استمرار الزيادات الكبيرة في أسعار السلع العالمية، لا سيما في مجال الطاقة والمنتجات الزراعية"، أدى إلى زيادة التضخم في يونيو، وأشار إلى أن الحكومة التركية تتخذ إجراءات لحماية الناس من الارتفاع الصاروخي في الأسعار، بما في ذلك عن طريق خفض ضرائب المبيعات وتقديم الإعانات.
الحد الأدنى
وخلال الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس التركي أن حكومته سترفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 30 في المئة اعتباراً من هذا الشهر، بعد ستة أشهر فقط من رفعه بنسبة 50 في المئة، لمساعدة العمال على تحمل تكاليف المعيشة الباهظة، لكن هذه الخطوة قد تدفع بالبلاد أكثر نحو دوامة خطيرة للأجور، أسعار من شأنها أن تزيد الأمور سوءاً.
في تقرير حديث، قالت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية، إن التضخم المقترن بالقيمة الضعيفة لليرة التركية سيواصل التأثير على إنفاق المستهلكين، ورجحت أن يظل معدل التضخم السنوي أعلى من 70 في المئة حتى نهاية العام، وأعلى من 20 في المئة حتى منتصف عام 2023 على الأقل، وأشارت إلى أن الحرب الروسية في أوكرانيا، وتباطؤ النمو في منطقة اليورو والمملكة المتحدة، سيؤثران على الصادرات التركية، التي كانت محرك النمو المهم لتركيا حتى وقت قريب.