استقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الخميس السابع من يوليو (تموز)، من منصبه كرئيس تنفيذي لحزب المحافظين، ممهداً بذلك الطريق لاختيار خلف له لرئاسة الوزراء بعد موجة استقالات شملت أكثر من 50 وزيراً ومسؤولاً في فريقه الحكومي خلال 48 ساعة من الأحداث السياسية المتسارعة.
وأعلن جونسون البالغ من العمر 58 عاماً من أمام مقره في "10 دوانينغ ستريت"، "واضح أن إرادة الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين أن يكون هناك زعيم جديد لهذا الحزب، وبالتالي رئيس جديد للوزراء".
وسُيعلن موعد بدء الترشح لقيادة الحزب الأسبوع المقبل، كما قال، بعد ثلاث سنوات مضطربة من الحكم، خرجت خلالها بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعانت من جائحة "كوفيد-19" وفضائح متزايدة.
وقال جونسون إنه سيبقى في منصب رئيس الوزراء حتى انتخاب بديل له، لكن أصواتاً عدة في حزب المحافظين عبرت عن معارضتها لتوليه تصريف الأعمال.
وأبدى رئيس الوزراء البريطاني الأسبق عن حزب المحافظين جون ميجور، الخميس، معارضته بقاء جونسون على رأس الحكومة بانتظار اختيار خليفة له. وفي رسالة موجهة إلى زعيم "لجنة 1922" المسؤولة عن التنظيم الداخلي لحزب المحافظين، اقترح ميجور أن يتولى نائب رئيس الوزراء دومينيك راب المنصب إلى أن يختار الحزب زعيمه الجديد الذي سيصبح رئيساً للوزراء.
ومن بين الذين عبروا عن موقف مماثل وزير الدولة للعلوم جورج فريمان الذي استقال صباح الخميس.
"أفضل وظيفة في العالم"
وبعد أن قاوم دعوات من حكومته تطالبه بالاستقالة، قال رئيس الوزراء إنه يشعر "بالحزن إزاء التنحي عن أفضل وظيفة في العالم"، مبرراً تمسكه بالمنصب حتى اللحظات الأخيرة بإنجاز المهمة التي فاز بها في انتخابات عامة هيمنت عليها مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في ديسمبر (كانون الأول) 2019.
وأضاف في كلمته التي استمرت ست دقائق، "اسمحوا لي أن أقول الآن لشعب أوكرانيا إنني أدرك بأننا في المملكة المتحدة سنواصل دعم قتالكم من أجل الحرية طالما استغرق الوقت".
وشكرت الرئاسة الأوكرانية لجونسون دعمه أوكرانيا في "أصعب الأوقات".
وأجرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتصالاً هاتفياً بجونسون ليعرب له عن "حزنه" لقراره التنحي.
ووقف حلفاء جونسون القلائل الباقون في حزب المحافظين إلى جانب زوجته كاري التي كانت تحمل طفلتهما رومي أمام مقر الحكومة أثناء إلقائه خطاب الاستقالة.
ستارمر يهدد بسحب الثقة
وستجري انتخابات قيادة الحزب في الصيف وسيحل الفائز مكان جونسون لدى انعقاد المؤتمر السنوي للحزب مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، بحسب ما نقلت هيئة "بي بي سي" ووسائل إعلام أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهر استطلاع سريع أجرته مؤسسة "يوغوف" أن وزير الدفاع بن والاس هو الاختيار المفضل لدى أعضاء حزب المحافظين لخلافة جونسون، تليه وزيرة الدولة للتجارة بيني موردنت ثم وزير المالية السابق ريشي سوناك الذي مهدت استقالته من منصب وزير المال الثلاثاء الطريق أمام موجة الاستقالات الأخرى.
وسيتخذ هؤلاء الأعضاء القرار في شأن اختيار الزعيم الجديد للحزب بعد أن يقلص نواب الحزب عدد المرشحين إلى اثنين.
واعتبرت وزيرة الخارجية ليز تراس، وهي أيضاً مرشحة محتملة، أن جونسون اتخذ "القرار الصائب"، وقطعت الوزيرة زيارة إلى إندونيسيا للمشاركة في اجتماع وزاري لمجموعة الـ 20 وكتبت في تغريدة، "نحن الآن بحاجة إلى الهدوء والوحدة ومواصلة الحكم حتى إيجاد زعيم جديد".
لكن خلال الساعات المحمومة التي سبقت إعلان جونسون الاستقالة، قال زعيم المعارضة العمالية كير ستارمر إن البلاد لم تعد قادرة على الانتظار، وأكد الحاجة إلى "تغيير حقيقي في الحكومة"، وطالب بحجب الثقة في البرلمان مما قد يؤدي إلى انتخابات عامة بدلاً من أن "يبقى جونسون متشبثاً لأشهر وأشهر".
تعيينات حكومية جديدة
وحتى فيما كان جونسون يفكر بالاستقالة، سعى إلى الإمساك بزمام الأمور فأعلن الخميس عدداً من التعيينات بدلاً من أعضاء الحكومة المستقيلين، ومن بين تلك الشخصيات المعارض الشرس لـ "بريكست" غريغ كلاك، على عكس جونسون.
وكُلف شاليش فارا الذي لم يسند إليه من قبل منصب حكومي، حقيبة إيرلندا الشمالية في وقت يشتد النزاع بين الحكومة وبروكسل على خلفية قواعد التجارة لمرحلة ما بعد "بريكست" في تلك المنطقة الحساسة.
وفي أول اجتماع لحكومته التي ضمت أعضاء جدداً، أكد جونسون أن الحكومة لن تسعى إلى تنفيذ سياسات جديدة أو إجراء تغييرات رئيسة، وأنه يجب ترك القرارات المالية الرئيسة للحكومة المقبلة، وفق ما أفادت "داونينغ ستريت".
واعتبر رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن الخميس أن استقالة جونسون "تمثل فرصة" لتسوية العلاقات المتأزمة، وقال إن العلاقات بين دبلن ولندن "شهدت أزمات وتحديات خلال الآونة الأخيرة" لأسباب ليس أقلها خلافات بسبب ترتيبات تجارية خاصة لمرحلة ما بعد "بريكست" في إيرلندا الشمالية الخاضعة للحكم البريطاني.
وأضاف مارتن، "لدينا الآن الفرصة للعودة إلى روح الشراكة الحقيقية والاحترام المتبادل الضروري لترسيخ اتفاق الجمعة العظيمة" التي وضعت حداً لعقود من إراقة الدماء في إيرلندا الشمالية.
ضغوط الاستقالات
وتمسك جونسون بالسلطة على الرغم من إعلان أكثر من 50 من أعضاء الحكومة، بينهم خمسة وزراء، استقالتهم منذ الثلاثاء، وأكد على موقفه مساء الأربعاء.
لكن يبدو أن رحيل وزيرة التعليم ميشيل دونيلان الخميس ودعوة وزير المالية الجديد ناظم زهاوي له إلى الاستقالة، وكلاهما عينا قبل يومين فقط، هو ما رجح كفة الميزان إلى جانب تحذيرات من تصويت جديد لحجب الثقة من جانب النواب المحافظين.
وفاز جونسون في انتخابات العام 2019 وسط وعود بـ "إنجاز بريكست" في أعقاب استفتاء قبل ثلاث سنوات على ذلك، صوت فيه معظم البريطانيين على تأييد الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن بالنسبة إلى كثيرين فإن الزعيم الشعبوي الذي يتحدى التقاليد لم يعد مرغوباً فيه.
ويأتي النزاع داخل حزب المحافظين في وقت يواجه ملايين البريطانيين أسوأ تراجع في مستويات المعيشة منذ الخمسينيات الماضية، تحت وطأة ارتفاع كبير في أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
وقبل الأزمة الاقتصادية كانت شعبية جونسون قد تراجعت بسبب حفلات أقيمت في مقر الحكومة في حين كانت البلاد تخضع للحجر الصحي، وأصبح بعدها أول رئيس حكومة تفرض عليه الشرطة غرامة.
"نقطة اللاعودة"
وقالت هيلين دودني (53 عاماً) التي تعمل في مجال حقوق المستهلك لوكالة الصحافة الفرنسية، "حان الوقت أليس كذلك؟ جدياً هل تعرفون أحداً مغروراً وجاهلاً ويعيش في الوهم إلى هذا الحد".
وفي إشارة إلى الوزراء المستقيلين قالت، "أين كانت نزاهتهم قبل أشهر؟".
وبينما أشرف جونسون على حملة تحصين ناجحة ضد وباء "كوفيد-19"، فإن هذا الصحافي السابق شهد أسوأ حصيلة وفيات بالوباء في أوروبا، بل كاد أن يقضي هو نفسه بالفيروس في أبريل (نيسان) 2020.
وبدأ تسارع الأحداث الخميس باستقالة وزير إيرلندا الشمالية براندون لويس ليصبح رابع وزير مستقيل في الحكومة، قائلاً إن جونسون "تجاوز نقطة اللاعودة".
لكن حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء تحدى جونسون دعوات أنصاره وزملائه في مجلس الوزراء للتنحي، فأقال الوزير مايكل غوف حليفه السابق، وقال مصدر مقرب من جونسون لهيئة "بي بي سي" إن غوف كان "ثعباناً".
وذكرت صحيفة "ذا صن" أن جونسون قال لوزرائه إنه سيتعين عليهم "غمس أيديهم في الدماء" لإزاحته عن منصبه، لكن أحداث الخميس أجبرته على تغيير موقفه.
استياء من الكذب
وجاءت الاستقالة المفاجئة والمدوية لوزير المال سوناك ووزير الصحة ساجد جاويد مساء الثلاثاء بعد اعتذار جونسون عن تعيين كريس بينشر في فبراير (شباط) في منصب مساعد المسؤول عن الانضباط البرلماني للنواب المحافظين، وأجبر بينشر على التنحي بعدما اتهم بملامسة رجلين وهو في حال سكر.
وبعد نفي "داونينغ ستريت" علم جونسون بالاتهامات السابقة الموجهة إليه، كشف موظف حكومي كبير سابق أن رئيس الوزراء أُبلغ العام 2019 بحادثة أخرى على صلة ببينشر.
وأدت القضية إلى تغيير مواقف كثيرين في حزب المحافظين الذين استاؤوا من اضطرارهم إلى الدفاع عن أكاذيب جونسون كما قالوا.
ونجا جونسون بفارق ضئيل من التصويت بحجب الثقة عنه بين النواب المحافظين قبل شهر، وهذا يعني عادة أنه لا يمكن إعادة التصويت بالثقة لمدة عام آخر.
لكن معلومات أفادت بأن "لجنة 1922" تسعى إلى تغيير القواعد وأعلنت أنها تخطط لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة الأسبوع المقبل.