ما زال خطاب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الذي أعلن خلاله، عدم مشاركة المؤسسة العسكرية السودانية في الحوار الذي أطلقته الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، ومنظمة إيقاد) في الثامن من يونيو (حزيران)، لإفساح المجال للقوى المدنية الجلوس من أجل تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، يلقي بظلاله على الساحة السياسية في البلاد، بخاصة في جانب مصير اتفاقية جوبا للسلام الموقعة بين الحركات المسلحة والحكومة السودانية في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2022، التي تجاهلها خطاب البرهان، في وقت تطالب بعض القوى السياسية بمراجعتها وتعديل أجزاء من نصوصها.
خط أحمر
وقال الناطق الرسمي باسم تجمع قوى تحرير السودان فتحي عثمان، "صحيح أن خطاب البرهان تجاهل أطراف العملية السلمية، ولم يذكر اتفاقية جوبا للسلام وربما تجاهل غير مقصود، والدليل على ذلك أن قرار إعفاء أعضاء مجلس السيادة المدنيين الذي أصدره رئيس المجلس، استثنى أعضاء حركات الكفاح المسلح الثلاثة، وهو اعتراف واضح بهذه الاتفاقية وما ورد في بنودها، لكن ما صدر من دعوات بشأن مراجعتها من قبل بعض القوى السياسية حديث غير مسؤول، وليس من حقها القيام بأي خطوة مناهضة لتنفيذ بنود هذه الاتفاقية بخاصة أن هذه القوى كانت جزءاً من المفاوضات التي قادت للتوقيع عليها، ومن ثم تضمين بنودها في الوثيقة الدستورية التي كانت تحكم الشراكة في الحكم بين المكوّنين المدني والعسكري، فضلاً عن أن الاتفاقية محروسة بضامنين وشهود دوليين وإقليميين، وبالتالي، ليس من حق أي كائن كان المساس بها".
وتابع عثمان، "لا بدّ أن يعلم الجميع أن اتفاقية السلام خط أحمر، ونحن كأطراف العملية السلمية، رأينا واضح لن نتنازل عنها، وهذا الصوت وصل للمجتمع الدولي والإقليمي، ومن جانبنا، نحن ملتزمون بكل ما ورد في هذه الاتفاقية ويبقى الطرف الآخر، وهو الحكومة المركزية، وفي تقديرنا أن المؤسسة العسكرية في البلاد متفهمة تماماً هذه الاتفاقية وليست لديها نوايا غير ذلك، لكن على القوى السياسية أن تتفهم مصلحة البلد، لأن عدم تنفيذ الاتفاقية أو المساس بها أو اتخاذ أي اجراء مخالف بحقها سيؤجج الصراع مرة أخرى، ويقودنا إلى المربع الأول، ونحن غير مستعدين لذلك".
ونوه إلى أنهم كأطراف أصيلين في العملية السلمية، استمروا في بذل جهود مضنية وحثيثة بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) في مسعى لالتزام جميع المكونات السودانية، عسكرية ومدنية، بالحوار للوصول إلى نقطة التقاء من أجل انقاذ الوطن من محنته التي انعكست سلباً على كل مناحي الحياة، مؤكداً أنهم لم يكونوا داعمي الانقلاب، ووجودهم في السلطة بعد الانقلاب جاء بموجب اتفاقية السلام، لكن "موقفنا يظل مسانداً الشعب ومدافعاً عن قضاياه وأولوياته".
ورأى، الناطق الرسمي باسم تجمع قوى تحرير السودان أن هناك قصوراً واضحاً من قبل الدولة باتجاه تنفيذ اتفاقية جوبا للسلام، كما هو حاصل في كل قضايا البلاد، التي لم تجد الاهتمام الكافي، وهذا يعود بالدرجة الأولى إلى عدم التوافق بين جميع أبناء الوطن الواحد ومكوناته المختلفة.
تغبيش الوعي
في السياق، أشار القيادي في الجبهة الثورية حذيفة محي الدين البلول إلى أنه في ما يتصل بأطراف العملية السلمية وخلو خطاب البرهان الأخير من الإشارة لاتفاق جوبا للسلام، "ليس بالأمر الخطير والمقصود، وقد وضح ذلك جلياً في القرارات التي تلت الخطاب بحل المدنيين في مجلس السيادة مع الإبقاء على ممثلي حركات الكفاح المسلح، لكن بشكل عام، نعتقد أن المرحلة السابقة شهدت خطوات جادة لتنفيذ بنود اتفاق جوبا، من خلال تخريج الدفعة الأولى من قوات حماية المدنيين في ما يلي بند الترتيبات الأمنية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبيّن البلول أن بنود اتفاقية السلام واضحة ومعلومة، وتشمل ما يقارب ثمانية ملفات أساسية، وتجاهلت حكومة الفترة الانتقالية الالتزام في التنفيذ بخاصة ما يتعلق بالملفات المتعلقة بجذور الأزمة وقضايا النازحين واللاجئين والعودة الطوعية، فهي ملفات لم تجد حظها من التنفيذ، وساهمت النخب السياسية السودانية، التي استأثرت بالحكم على مدى 64 عاماً، في تغبيش الوعي بشأن اتفاق جوبا من أجل المحافظة علي هيمنتها علي السلطة والثروة، وأكد القيادي في الجبهة الثورية، أن كل الدعاوى الباطلة تجاه هذه الاتفاقية معلومة الجهات والمصادر، بيد أن الجميع يدرك تماماً أن اتفاقية سلام جوبا مزقت فاتورة الحرب بلا عودة، وبالتالي، أن أي حديث عن إلغائها أو تجميدها هي أحاديث كيدية لن تجد حظها من القبول، لأن الاتفاقية محروسة بقضاياها العادلة والمشروعة ومحروسة بقواتها المنتشرة في كل مواقع ارتكازاتها ولا بديل للاستقرار الا السلام.
محاصصات ومناصب
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، بروفيسور صلاح الدين الدومة، "من المؤكد أن يتم خلال الفترة المقبلة تنفيذ اتفاقية سلام جوبا مع إجراء بعض التعديلات عليها، وذلك في إطار المعالجات الشاملة لقضايا السودان الجامعة، لكن من المؤسف أن حركات الكفاح المسلح، كما يطلق عليها، بعد التوقيع على هذه الاتفاقية، يؤخذ عليها بأنها كانت حريصة على المحاصصات والمناصب الدستورية أكثر من القضايا التي يعاني منها متضررو حرب دارفور، وهي قضايا معروفة للجميع بخاصة في ما يتعلق بالنازحين واللاجئين بسبب هذه الحرب، والدليل على ذلك ارتماء هذه الحركات في أحضان العسكر قبل وبعد انقلاب 25 أكتوبر، فضلاً عن أنها، أي الحركات المسلحة واحدة من الأدوات الرئيسة في تنفيذ الانقلاب".
أضاف الدومة، "هذه المواقف السالبة للحركات المسلحة جعلت الكثيرين، بخاصة من أبناء دارفور، يعتبرونها مجرد مجموعات مخادعة لا مبادئ ولا ميثاق لها، إذ تبحث عن تنفيذ اتفاقية السلام بأي ثمن ولو على حساب بعض الجوانب الأخلاقية، لذلك لا أرى مستقبلاً لها قريباً أو بعيداً".
بروتوكولات
وتضمن اتفاق جوبا للسلام ثمانية بروتوكولات، وهي: إعادة تنظيم وتشكيل القوات الأمنية والجيش إذ بموجب الاتفاق سيُدمج أفراد الحركات المسلحة ضمن القوات الحكومية عند حّل ميليشيات الجبهة، وتطبيق العدالة الانتقالية في كل السودان، والتعويضات وجبر الضرر، وتنمية قطاع البدو الرحل والرعاة، وإعادة توزيع الثروات والحقوق الاقتصادية، وحل قضية النازحين واللاجئين، فضلاً عن إعادة توزيع الأراضي، بما في ذلك حل مشكلة "الحواكير"، وهو اسم يُطلق على الأراضي التي تقع ضمن سيطرة القبائل أو الملكية التي تنادي به، ويأتي بروتوكول تقاسم السلطة على رأس هذه البروتوكولات، إذ جرى الاتفاق على أن يكون لأطراف العملية السلمية تمثيل سياسي في مجلس السيادة السوداني ضمن المرحلة الانتقالية في البلاد.
ويهدف الاتفاق إلى تحقيق الاستقرار والسلام في السودان بعد عقود من الصراعات الأهلية المتعددة، التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف نسمة وتشريد أكثر من مليوني ونصف مليون آخرين وفق ما تشير التقديرات، لا سيما بعد أن اتسعت رقعة الصراع في دارفور منذ عام 2003.