تمرين صعب تعين على إليزابيث بورن رئيسة الوزراء الفرنسية اجتيازه، عندما تقدمت أمام مجلس النواب لإلقاء خطاب السياسة العامة، برلمان لم يتمكن الحزب الحاكم من تأمين الغالبية الساحقة فيه، إذ استدر عدد من نواب السلطة استهزاء خصمهم، أقصى اليمين، لقلة عددهم.
بورن الملقبة بالتكنوقراط ذات التعابير الجادة، وحتى يمكن وصفها بالقاسية، وصاحبة القامة المهيبة، استطاعت ملء رسالتها، فهي تمكنت من فرض حضورها، وبقيت على تماسكها أمام صيحات الاعتراض التي كانت تعلو وتنتقد مقترحاتها بين الحين والآخر.
ثقة
ولها باع طويل في السياسة، وتكوينها العلمي منحها هذه الثقة أيضاً، والصمود، وعدم التراجع، فهي خريجة "البوليتكنيك" ومدرسة "الجسور" "بون أي شوسيه"، ومسيرتها السياسية حافلة، وتبوأت مناصب عديدة إدارية، ووزارية متعددة، ومستشارة تقنية في وزارة المواصلات، ووزيرة عمل.
هذه المرة الثانية التي تتبوأ فيها امرأة هذا المنصب في تاريخ فرنسا الحديث، ولم تنس أن توجه تحية إلى إديس كريسون، رئيسة الوزراء التي عينها الرئيس الراحل فرانسوا ميتران، والتي عانت كثيراً تصرفات السياسيين الذكوريين.
"فرنسا المتمردة"
خطاب بورن استمر ساعة ونصف الساعة، وفندت برنامج حكومتها والتدابير والإصلاحات التي تنوي اتخاذها، لكنها لم تنسَ أنها أمام برلمان معارض بغالبيته، ما جعلها تستغني عن طلب الثقة، وهو ما لم تغفره لها كتلة حزب "ميلونشون"، "فرنسا المتمردة"، التي سارعت إلى تقديم حجب الثقة الذي سيناقش، الاثنين 11 يوليو (تموز).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بورن لم تتراجع مثلاً عن مشروع إصلاح النظام التقاعدي الذي يلقى معارضة من قبل معظم الأحزاب، وتداركت حساسية الموقف، وبدا ذلك بأسلوبها في التطرق إلى الموضوع، وتوجهت إلى النواب مشيرة إلى أنها لا تقدم مشروعاً جاهزاً "للتبني أو الرفض"، واكتفت بالقول إنه سيتعين العمل لمدة أطول تدريجياً، فاتحة المجال أمام النقاش والاتفاق على نقاط مختلفة، وعبارة "التوافق"، وردت 25 مرة في خطابها، أما عبارة "معاً" فوردت في الخطاب ثماني مرات.
مشروع ماكرون
خطاب شامل تطرق إلى النقاط كافة التي وردت في مشروع الرئيس إيمانويل ماكرون الانتخابي، لكن المعارضين لسياسة الرئيس اعتبروا أنها لم تغص في العمق إلى كيفية تطبيق إصلاحاتها، ولا كيفية تمويل مقترحاتها، مثال على ذلك، عندما تعلن عن خفض العجز إلى ثلاثة في المئة حين يصل إلى 6.4 في المئة، وخفض الدين العام.
إعادة تأميم شركة كهرباء فرنسا
وهي توجهت بالأسماء إلى رؤساء الكتل عدا حزبي "التجمع الوطني"، أقصى اليمين، و"فرنسا المتمردة" أقصى اليسار.
الإعلان الأهم الذي بدا كبادرة نحو اليسار تمثل بالكشف عن خطة إعادة تأميم شركة كهرباء فرنسا لتعود ملكاً للدولة الفرنسية مئة في المئة، وبالطبع، الخطة تدخل في إطار مشروع خفض انبعاثات الكربون والعمل على الطاقة النووية.
بحسب صحيفة "لو باريزيان"، فهي تمد يدها، منذ أسابيع، إلى الأحزاب المعارضة للتعويض عن غياب الأغلبية، ولم تتأخر المرشحة اليمينية المتطرفة للانتخابات الرئاسية الفرنسية بالتهجم على بورن بالقول، "لم تتجرأ على طلب الثقة، وحسناً فعلت فنحن لا نثق بك"، وحسناً فعلت أنك لم تطلبي الثقة.
من المآخذ التي يكررها اليسار هي عدم إعادة الضريبة على الثروات الكبيرة، لكن الخطوة الأهم تمثلت بالإعلان عن عودة مؤسسة كهرباء فرنسا إلى حضن الدولة، إلى جانب تدابير اجتماعية، والعمل على حد العجز عند حدود -3 في المئة، على الرغم من تدهور المؤشرات الاقتصادية.
يد العون
كما توجهت إلى معاشات رؤساء الشركات الكبرى، وهو موضوع يتكرر التطرق إليه، وأعلنت أن مكافأتهم ستستند إلى مدى تحقيق الأهداف البيئية.
وحيال تقديم حجب الثقة الذي تقدم به تجمع اليسار ويسانده الاشتراكيون، والشيوعيون، وحزب البيئة، لكنه لن يحظى بتصويت التجمع الوطني، ولا اليمين، والجمهوريين، علماً بأن الخطوة يجب أن تحظى بتصويت الغالبية المطلقة.
يد العون جاءت من المبادرة التي طرحها رئيس مجلس الشيوخ جيرارد لارشيه اليميني، بخاصة اقتراح دراسة الخطوات والتشاور حولها، نقطة بنقطة، قبل عرضها على مجلس الوزراء.
وقد توجهت بورن إلى مجلس الشيوخ شخصياً لإلقاء خطابها أمام الغرفة العليا كدليل لمحو ذكرى هفوة الرئيس الفرنسي حين أعلن عن نيته إلغاء هذا المجلس، وستتلقى حكومة بورن كثيراً من الكدمات، فهل سيكون بوسعها ردها واستدراكها؟ يبدو أننا في بداية المسلسل.