على الرغم من كونها مناسبة واحدة، تختلف طقوس عيد الأضحى بين الدول العربية والإسلامية، فكل شعب يضع بصمته وفق عاداته وتقاليده، إلا أن المشاركة أو "اللمّة" تبقى سمة واحدة بين جميع الجنسيات العربية والإسلامية.
وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة، تضم مصر ما يقارب 5 ملايين لاجئ، من 60 دولة، نتيجة اشتعال الحروب وعدم استقرار الأوضاع السياسية في بلادهم، والنسبة الأكبر منهم سوريون وفلسطينيون وعراقيون، وكذلك أفارقة مسلمون، ولكل من تلك الشعوب تقليدهم الخاص في الاحتفال بعيد الأضحى، يحرص ممثلوهم من اللاجئين أو المقيمين في مصر على التمسك به.
عيد السوريين
يؤكد السوريون المقيمون في مصر الألفة بينهم وبين المصريين، لكن يظل الحنين إلى بلادهم دافعهم الأول وراء الحرص على التجمعات فيما بينهم، بخاصة في الأعياد والمناسبات، ومشاركة طقوسهم الخاصة المختلفة عن طقوس المصريين، سواء من حيث الأكلات الشهيرة، مثل "المنسف الحلبي" و"الشاكرية" و"الشيشبرك"، وأيضاً من حيث الطقوس اليومية والعائلية.
وبسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، لجأ السوريون هذا العام لتقليد جديد من نوعه، وهو "موائد الشير"، بأن تتشارك كل مجموعة فيما بينها مائدة واحدة، اختصاراً للنفقات وتوطيداً للألفة والدفء والحنين لمسقط رأسهم، فيجلب كل فرد من شركاء المائدة عنصراً واحداً من مكوناتها، ويشترك في تكلفة ذبيحة واحدة صغيرة تكفيهم جميعاً.
وبحسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تقريرها الصادر في يونيو لعام 2022، فإن اللاجئين السوريين يتصدرون النسبة الأعلى في العالم بـ27 في المئة، من بين البلدان الخمسة الأعلى في نسب اللجوء: جنوب السودان، وأفغانستان، وميانمار، وفنزويلا.
تقول أم باسل (43 عاماً) سورية، مقيمة بمدينة 6 أكتوبر، "أنا وستة من جيراني اتفقنا على التجمع أول يوم عيد الأضحى من خلال (موائد الشير) لمواجهة ارتفاع الأسعار الجنوني الذي يصعب معه الاستمتاع بالعيد وفق طقوسنا الخاصة التي اعتدنا عليها، لذا استرجعنا أفكار أجدادنا قديماً حول المشاركة المجتمعية والتكافل الاجتماعي، فكل من يستطيع جلب شيء حسب مقدرته يجلبه ونتشارك كلنا الطعام، ونستشعر دفء اللمة والعيد، بخاصة أنها المرة الأولى التي تتقلص نفقات العيد إلى هذا الحد".
سهرات السمر الفلسطينية
في الوقت الذي يذهب فيه المصريون، وفق طقوسهم المعتادة في العيد بعد ذبح الأضاحي، إلى الملاهي ودور السينما والمصايف وزيارة الأهل والأقارب، يلتف الفلسطينيون، على طريقتهم الخاصة، في مجلس عربي كبير بأحد المنازل، حول الموقد وتجهيزات الشواء، ثم صناعة القهوة العربي على" منقد" من الرمل والفحم، وتبادل النرجيلة، والأحاديث والرقص على أنغام الدبكة وأنغام الأغاني الشعبية المصرية التي تأثروا بها بفعل اندماجهم مع المجتمع المصري.
يقول أبو معاذ (54 عاماً)، فلسطيني يقيم في مصر منذ 12 عاماً، "لم نتمكن هذا العام من السفر بسبب الوضع المالي المتوتر لدى الجميع، لكننا تعلمنا من الحياة وسط المصريين الضحك والسخرية من الأزمات للتغلب عليها، واتخذنا من حفلات الشواء والسمر الجماعية بديلاً للاستمتاع بطقوس العيد، وذلك بعد الذبح صباحاً، والفطور لدينا مختلف عن المصريين، حيث يعد الطقس الأول لليوم هو تناول أطباق من الكبدة البلدي المقلاة في السمن، ثم تناول الشاي العربي المطعم بـ(الحبأ)".
الأعراس العراقية
يختلف العراقيون عن بقية الجنسيات في طقوس العيد، فهم يجهزون طوال العام لهذا اليوم، ولذلك فإن النسبة الأكبر من نحر الأضاحي تكون لديهم، على عكس عديد من الجنسيات التي تأثرت بتردي الأوضاع الاقتصادية العالمية، بخاصة أنهم ينحرونها رحمة على أرواح ضحاياهم خلال سنوات الاضطراب الأخيرة ببلادهم.
يقول سعد الحربي (62 عاماً)، عراقي مقيم في مصر منذ 5 سنوات، إنهم باعوا قطعة من ذهب زوجته إلى جانب المبلغ المدخر، حتى يتمكنوا هذا العام من ذبح الأضاحي على أرواح أولادهم ووالديهم، لافتاً إلى أن كثرة النحر لديهم في عيد الأضحى ليست الطقس الوحيد المهم والثابت في تلك الأيام المباركة، بل أيضاً إقامة حفلات الأعراس، منوهاً بأن معظم أعراسهم تقام في العيد، تفاؤلاً بحلول البركة على الزوجين.
مسلمو نيجيريا
مصعب القادري، شاب ثلاثيني، من نيجيريا، ويعيش في مصر منذ 7 سنوات، يقول إنه على الرغم من اختلاف طقوسهم عن عادات المصريين في العيد، فإن التكافل والتلاحم الكبير بينهم وبين جيرانهم منذ إقامتهم يشعرهم بالدفء ويقلل معاناتهم وشعورهم بالأزمة الاقتصادية وبالغربة، حيث يجتمع المصريون والأفارقة من الجيران حول مائدة واحدة تلتحم فيها الأكلات المصرية الأصيلة بالأكلات الأفريقية، لتصبح مائدة عامرة بأكثر من ثقافة وروح وأطعمة شهية مختلفة تضفي بهجة على العيد.
"موائد الشير" لم تقتصر على اللاجئين العرب فقط، بل يلجأ إليها أيضاً المقيمون في مصر من إثيوبيا وجزر القمر لمواجهة موجة الغلاء، لكن هذه المرة يكون شراء الأضاحي بالمشاركة مع جيرانهم المصريين، وولائم الشواء تكون في تجمع يلتف فيه عديد من الجنسيات حول مائدة واحدة، على رأسها "الفتّة "المصرية، لكن باقي طقوس العيد تختلف لدى "جزر القمر" عن الإثيوبيين، فتهم الأولى بإقامة المسابقات بين أفراد الأسرة الواحدة، وعلى رأسها "المصارعة" لإشعال روح الإثارة والبهجة في العيد.