ملخص
يتعرض الجيش اللبناني لاستهدافات متكررة من إسرائيل، على رغم تأكيدها أن معركتها محصورة مع "حزب الله"، هذه الهجمات أسفرت عن سقوط 40 قتيلاً وعشرات الجرحى منذ أكتوبر 2023، وشملت مراكز وآليات للجيش.
على رغم إعلان إسرائيل أكثر من مرة أن معركتها في لبنان محصورة مع "حزب الله"، فإن الجيش اللبناني أعلن تعرضه لاستهدافات إسرائيلية عدة أدت إلى مقتل عدد من عناصره، يحدث هذا في وقت يلتزم الجيش اللبناني بعدم مهاجمة القوات الإسرائيلية انسجاماً مع قرار الحكومة اللبنانية والمجلس الأعلى للدفاع، الذي يترأسه استثنائياً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ظل شغور موقع رئيس الجمهورية، الذي يعتبر القائد الأعلى للقوات المسلحة في البلاد.
ولعل أحدث استهداف إسرائيلي للجيش اللبناني كان اليوم الأحد بعد قذف مدفعي على أحد مراكزه في العامرية على طريق القليلة- صور جنوب البلاد ما أدى إلى مقتل عسكري وإصابة 18 آخرين، وفقاً للوكالة المركزية اللبنانية.
كانت مصادر في الجيش اللبناني، بلغت حصيلة القتلى من القوات في الضربات الإسرائيلية 40 قتيلاً قبل أن ترتفع إلى 41 قتيلاً بعد ضربات اليوم، إضافة إلى عشرات الجرحى من ضباط وجنود نتيجة غارات على مناطق متفرقة في البلاد منذ بداية الاشتباكات في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وفي أحدث هجوم إسرائيلي، أعلن الجيش اللبناني قبل أيام مقتل عسكري وإصابة آخر بجروح متوسطة بعد استهداف آلية على طريق برج الملوك - القليعة في الجنوب، إضافة إلى مقتل ثلاثة عسكريين نتيجة غارة استهدفت مركزاً للجيش في بلدة الصرفند جنوب لبنان.
في المقابل، أكد الجيش الإسرائيلي أنه "لا يتحرك ضد الجيش اللبناني"، موضحاً في بيان أنه "قصف موقعاً للبنية التحتية في منطقة الصرفند كان ينشط فيه عدد من مقاتلي ’حزب الله‘".
وبعد استهداف سابق، أصدر الجيش الإسرائيلي بيان اعتذار بعد قصف وقع في جنوب لبنان وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود لبنانيين، موضحاً أنه "قصف شاحنة كانت دخلت منطقة استهدف فيها سابقاً موقعاً تابعاً لـ’حزب الله‘ ينقل قاذفة وصواريخ"، مشيراً إلى أن "الجنود لم يكونوا على دراية بأن الشاحنة الثانية تابعة للجيش اللبناني"، واعتذر عن "الملابسات غير المرغوب فيها".
دخول الحرب
في رأي المحلل العسكري العميد جورج نادر، لا تستطيع إسرائيل شن حرب على الجيش اللبناني كونه جيشاً نظامياً وشريكاً للجيوش العربية والغربية وحليفاً للجيش الأميركي في إستراتيجية مكافحة الإرهاب بالمنطقة، مما يدفع حكومة بنيامين نتنياهو للتبرير والاعتذار عن استهدافه، في حين تبرر هجومها على "حزب الله" بأنه تنظيم تصنفه غالبية دول العالم "إرهابياً" ويهدد أمنها القومي والاستقرار الإقليمي.
واعتبر العميد نادر أنه لو كان الجيش اللبناني هو من يمتلك القرار الأمني وينتشر بصورة واسعة في الجنوب لكانت واجهت إسرائيل إحراجاً كبيراً في هجومها، لافتاً إلى ثلاث حالات رئيسة قد تدفع الجيش اللبناني إلى الدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل.
أولى تلك الحالات، إعلان إسرائيل المواجهة المباشرة مع الجيش اللبناني، إذا استمرت في استهداف مواقعه بصورة مباشرة، كما حدث في مرات سابقة، وفي الحالة الثانية، تكليف حكومي واضح بدخول الجيش في مواجهة مع إسرائيل، مثل إعلان حالة الطوارئ أو تكليف الجيش بتنفيذ القرار (1701) بكامل بنوده، ثم تأتي الحالة الثالثة وهي حماية المدنيين والبنية التحتية إذا تصاعدت الحرب إلى مستوى يهدد حياتهم بصورة واسعة، مما يدفع القوات للدفاع عنهم والمنشآت الوطنية.
وأشار إلى أن ضعف تسليح الجيش اللبناني وتبعيته للمساعدات الأجنبية يشكل عقبة أمام مواجهة فعالة مع إسرائيل، إذ لم تخصص الحكومات اللبنانية موازنات كافية لتسليح الجيش، مما يجعله معتمداً على المساعدات المشروطة.
سيناريوهات
وفي السياق، قال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري رياض قهوجي، إن القصف الإسرائيلي المباشر لمراكز الجيش اللبناني في الجنوب قد يكون هدفه دفع قواته لمغادرة هذه المناطق، وبخاصة تلك التي تسعى حكومة نتنياهو للتوسع فيها برياً، لافتاً إلى احتمال أن تكون بعض الاستهدافات ناتجة من أخطاء بسبب وجود الجيش اللبناني في مناطق النزاع، ونبه إلى حوادث مشابهة مع مراكز "اليونيفيل"، معتبراً أن غياب مبررات رسمية من الجانب الإسرائيلي يترك المجال للتحليل والتكهنات في شأن الدوافع.
في حين، رجح العميد المتقاعد في الجيش اللبناني جوني خلف، وجود عناصر من "حزب الله" قرب هذه المراكز أو ربما كان خطأ عسكرياً، لافتاً إلى أن الجيش اللبناني لا يشارك في المعارك على الحدود الجنوبية، وفي المقابل لا يوجد أي تخطيط إسرائيلي للهجوم عليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تحدث عن أن هدف إسرائيل في المرحلة المقبلة يكمن في المطالبة والسعي إلى فرض سيطرة الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية، بما يتماشى مع القرار الدولي (1701)، وهو ما يبرز دور الجيش اللبناني المهم في الحفاظ على الاستقرار في هذه المنطقة.
بدوره لفت مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات حسان القطب، إلى أن التحركات العسكرية الإسرائيلية تطلق رسائل في كافة الاتجاهات، إذ تسعى من خلالها إلى تحييد القوى الأخرى عن النزاع، مع التركيز على جعل المواجهة محصورة فقط مع "حزب الله".
الدفاع المدني
وكذلك الدفاع المدني اللبناني، تعرض لأكثر من استهداف إسرائيلي في عدة مناطق لبنانية منها مراكز تابعة له في البقاع، في حين تعددت الروايات إذ أفادت مصادر ميدانية أن مركز الدفاع المدني في بعلبك يوجد في البناية نفسها التي استحدثت "الهيئة الصحية" التابعة لـ"حزب الله" أخيراً مركزاً لها.
وأوضح رئيس شعبة التدريب في الدفاع المدني اللبناني نبيل صالحاني، أن المديرية العامة للدفاع المدني، كجهاز رسمي لحماية المدنيين، لا علاقة لها في الشأن العسكري أو بالسلاح، ومع ذلك تعرضت مراكزها وآلياتها للاستهداف في مناطق القصف وبخاصة في الجنوب، قضاءي صور والنبطية، والبقاع.
وأشار إلى سقوط 27 عنصراً، منهم 13 في قصف مباشر على مركز في بعلبك، بينما سقط آخرون نتيجة ضربات لاحقة على الموقع نفسه.
وشدد على أن هذه الهجمات تعكس تجاهلاً واضحاً للاتفاقات الدولية التي تحمي فرق الإغاثة في النزاعات.
بالعودة إلى المحلل العسكري رياض قهوجي، يوضح أن استهداف مراكز الدفاع المدني في جنوب لبنان يتماشى مع إستراتيجية "الأرض المحروقة" التي تتبعها إسرائيل، كما فعلت في غزة، والهدف هو حرمان "حزب الله" من أي دعم لوجيستي أو طبي، بما يشمل منع تقديم الإسعافات للمقاتلين، مشيراً إلى استهداف المستشفيات في الجنوب، مما أدى إلى إغلاقها، إضافة إلى قصف مراكز الدفاع المدني، مما يعكس رغبة في تعطيل أية بيئة داعمة قد توفر مساعدة للمقاتلين.
الهيمنة على الميدان
بحسب العميد المتقاعد ناجي ملاعب، تهدف إسرائيل من استهداف الجيش اللبناني إلى توجيه رسائل واضحة حول دور الجيش في المرحلة المقبلة، وبخاصة في ما يتعلق بإعادة انتشاره جنوب نهر الليطاني وفق القرار (1701)، مشيراً إلى أن إسرائيل تعمل على فرض قيود على تحركات الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل"، مما يعكس رغبتها في الهيمنة على آليات العمل الميداني.
وأكد أن إسرائيل تسعى إلى استبدال "اليونيفيل" بقوة متعددة الجنسيات قد تكون خاضعة لنفوذها، مما يهدد بفقدان المرجعية الدولية التي تحكم عمل هذه القوات، موضحاً أن الجيش اللبناني يواجه تحديات كبيرة في تجهيزاته، إذ يعتمد بصورة كبيرة على المساعدات الدولية التي تتحكم بقراراته الدفاعية.
وأشار إلى أن الحكومات اللبنانية لم تخصص موازنات كافية لتسليح الجيش، مما يحد من قدرته على الصمود أمام أي اعتداء إسرائيلي.
وفق ما أعلن، من المتوقع أن ينتشر الجيش اللبناني بقوام يراوح ما بين 7000 و8000 عنصر في الجنوب بعد وقف إطلاق النار، لكن ملاعب أكد أن نجاح الجيش في أداء مهماته يتطلب تزويده بتجهيزات متطورة، تشمل آليات حديثة وتقنيات متقدمة لرصد الأسلحة المخفية.
واعتبر أن استهداف الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل" جزءاً من إستراتيجية إسرائيل للضغط على لبنان قبيل أي اتفاق لوقف إطلاق النار.
في وقت تسعى فيه الأمم المتحدة والمبعوث الأميركي إلى إعادة تفعيل دور الجيش اللبناني جنوب الليطاني، تبقى قدرته على تنفيذ المهمات المطلوبة مرهونة بالدعم السياسي والتسليح الكافي، مؤكداً أهمية تحصين الجيش ليكون قادراً على حماية سيادة لبنان وإزالة أي وجود مسلح خارج إطار الدولة، وهو ما يتطلب تكاتفاً داخلياً ودعماً دولياً مستمراً.
علماً أن قيادة "اليونيفيل" رجحت أن يكون "حزب الله" أو الجماعات التابعة له، وراء هجمات عدة استهدفت أخيراً الكتيبة الإيطالية، أدت إلى سقوط عدد من الجرحى، وإصابة ملجأ ومنطقة لوجيستية تستخدمها الشرطة العسكرية الدولية.