سريلانكا... تاريخ من الاضطرابات

سريلانكا، التي فرّ رئيسها غوتابايا راجابكسا، السبت التاسع من يوليو (تموز)، من مقر إقامته الرسمي، جزيرة تقع في جنوب آسيا، وذات تاريخ مضطرب مع حرب أهلية طويلة الأمد لم تنتهِ إلا في عام 2009. فمئات المتظاهرين الذين هاجموا قصر الرئيس في العاصمة كولومبو يحملونه مسؤولية الأزمة الاقتصادية الكارثية التي تشهدها البلاد.

والجزيرة التي كانت مركزاً أساسياً للتجارة بالمحيط الهندي في حقبة روما القديمة، وكانت تُطلق عليها سيلان، سيطر عليها البرتغاليون من عام 1505 حتى 1656، لتنتقل بعد ذلك إلى الهيمنة الهولندية حتى 1796 حين أصبحت مستعمرة بريطانية.

وحكم آخر الملوك السنهاليين الجزيرة من 1798 حتى 1815. ونالت الجزيرة استقلالها عن بريطانيا في 1948، وهي مذاك عضو في مجموعة دول الكومنولث، وأصبحت جمهورية في عام 1972، كما أصبح اسمها رسمياً سريلانكا.

تقع سريلانكا على بعد نحو عشرين كيلومتراً من أقصى جنوب شرقي الهند، وتبلغ مساحتها 65 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 21.9 مليون نسمة (وفق أرقام البنك الدولي في 2020)، وعاصمتها كولومبو.

والسريلانكيون بغالبيتهم بوذيون (70 في المئة خصوصاً من أبناء العرقية السنهالية)، فيما يتركز انتشار الهندوس، وخصوصاً التاميل، في الشمال والشمال الشرقي، ويشكلون 12 في المئة من السكان، بينما يشكل المسلمون 10 في المئة، والمسيحيون 7 في المئة.

تمرد عرقي ومسلسل من الاغتيالات

في عام 1972 شكّل الطالب السابق فيلوبيلاي براباكاران، وهو من أبناء عرقية التاميل ومتحدر من إقليم جافنا الشمالي "نمور التاميل الجدد"، وهي مجموعة متمردة تناضل ضد التمييز الذي تمارسه الأكثرية السنهالية ضد هذه الأقلية.

وبعد أن انتقل إلى العمل السري عاود الظهور في عام 1975، معلناً استهداف رئيس بلدية جافنا في أول عملية اغتيال سياسي له.

في عام 1976 تحولت مجموعته إلى "نمور تحرير التاميل - إيلام" التي خاضت تمرداً من أجل إقامة دولة مستقلة للتاميل شمال سريلانكا وشرقها، في أراضٍ تعادل مساحتها ثلث المساحة الإجمالية للجزيرة. وشعار المنظمة نمر يزأر، فيما شعار سريلانكا أسد ذهبي يحمل سيفاً.

في عام 1991 اغتال "النمور" رئيس الوزراء الهندي الأسبق راجيف غاندي، وفي عام 1993 الرئيس راناسينغي بريماداسا، وأعقبت ذلك هجمات انتحارية عدة.

وفي عام 2009 سحق الجيش التمرد في عملية دامية قتل خلالها قادة المجموعة، ولا سيما براباكاران. في تلك الفترة كان غوتابايا راجابكسا قائداً للقوات المسلحة فيما كان شقيقه ماهيندا الذي يتولى حالياً رئاسة الوزراء، رئيساً للبلاد.

اتهامات بجرائم حرب

وتتهم جهات تعنى بالدفاع عن حقوق الإنسان الرجلين بارتكاب جرائم حرب، وتشير إلى مقتل 40 ألف مدني من عرقية التاميل في الأشهر الأخيرة للنزاع، ما تنفيه على الدوام السلطات.

وبحسب الأمم المتحدة، أوقعت الحرب الأهلية التي شهدتها سريلانكا على مدى 37 عاماً نحو 100 ألف قتيل.

في 21 أبريل (نيسان) 2019 نفذ سبعة من عناصر المجموعة المتطرفة المعروفة بـ"جماعة التوحيد الوطني" هجمات انتحارية في ثلاث كنائس خلال أحياء مراسم عيد الفصح، وفي فنادق فاخرة، ما أوقع 279 قتيلاً بينهم 45 أجنبياً. وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجمات.

وفاقمت هذه الاعتداءات الاستياء تجاه الأقلية المسلمة، وهو ما كان رهبان بوذيون متشددون قد عملوا على تأجيجه مدى سنوات.

وفي عام 2018 أوقعت أعمال شغب مناهضة للمسلمين ثلاثة قتلى وأكثر من 20 جريحاً.

وكان للهجمات التي وقعت في عيد الفصح في عام 2019 وما تلاها من تفشٍّ لجائحة "كوفيد-19" تداعيات كارثية على اقتصاد البلاد، ما حرم سريلانكا رافعتها السياحية وأودى بالتحويلات المالية التي تعد المصدر الرئيس للعملات الأجنبية إلى الشتات، وكذلك فاقمت قرارات سياسية خاطئة مشكلات البلاد، وفق خبراء اقتصاديين.

تخلف عن سداد الديون

وبعد أن تخلفت سريلانكا في أبريل عن سداد دينها الخارجي البالغ 51 مليار دولار، طلبت البلاد الحصول على مساعدة من صندوق النقد الدولي الذي طالب كولومبو بوضع حد للفساد وزيادة الضرائب بشكل كبير. وفي الأشهر الأخيرة تضاعفت الاحتجاجات الشعبية التي تخللتها أحياناً أعمال عنف على خلفية تقنين التغذية بالتيار الكهربائي والنقص في المواد الغذائية وتسارع التضخم.