تشهد أسواق السجائر والدخان والمعسل في مصر حالاً واضحة من الارتباك تبدو في نقص بعض أصنافها الأجنبية، إضافة إلى تخارج إحدى الشركات من الصناعة بالقاهرة بسبب الخسائر المتتالية، فيما يتردد ترقب زيادات جديدة للأصناف المحلية والأجنبية على السواء تصل إلى جنيهين مصريين (0.10 دولار أميركي) في كل عبوة مع بداية العام المالي الجديد 2022 - 2023.
بداية الارتباك جاءت مع إعلان شركة "بريتش أميركان توباكو" العالمية الأسبوع الماضي وقف أعمالها في مصر في إطار مراجعة تقويم الجدوى التجارية طويلة الأجل للبلاد التي تعمل بها، ليدخل القرار حيز التنفيذ الخميس الماضي الموافق لنهاية السنة المالية الماضية 2021 - 2022.
وتعمل الشركة البريطانية في مصر منذ 22 عاماً بتصنيع ماركاتها الشهيرة مثل "روثمانز" و"لاكي سترايك" و"دانهيل" و"كينت" و"فايسروي"، علاوة على سجائر التبغ المسخن "غليون" بخطوط إنتاج الشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني) التي تباشر صناعة الدخان في مصر بشكل احتكاري.
انسحاب" بريتش أميركان توباكو" بسبب الخسائر
وقالت مديرة العلاقات الحكومية والخارجية بالشركة ماريانا عزيز في تصريحات صحافية، "إن مراجعة استراتيجية الشركة طويلة الأجل بشكل دوري دفعتها بعد تقويم الجدوى الاستثمارية إلى اتخاذ قرار وقف النشاط في مصر"، موضحة أن "القرار لا يتعلق بالسوق المصرية بقدر ارتباطه باستراتيجية الشركة وخططها الاستثمارية والأسواق المستهدفة".
وتسيطر الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" المملوكة للدولة والمدرجة في البورصة المصرية على نصيب وافر من حق إنتاج السجائر لمنتجاتها وللغير، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى طرح رخصة جديدة لتصنيع السجائر.
وبعد خروج "بريتش أميركان" تبقت ثلاث شركات أجنبية تصنع السجائر في مصر، أبرزها "فيليب موريس" التي تتولى إنتاج ماركات سجائر "ميريت" و"مارلبورو" إضافة إلى سجائر ماركة "إل إم"، إذ تمتلك الحصة السوقية الأكبر في السوق إلى جانب شركة "جابان توباكو إنترناشيونال" التي تنتج سجائر "وينستون" و"كاميل"، إضافة إلى شركة "المنصور إنترناشيونال".
قلة المعروض من السجائر الأجنبية
في مشهد آخر يرصد الارتباك ويتعلق هذه المرة بعدم التوافر النسبي لبعض أصناف السجائر الأجنبية في مصر وعلى رأسها "ميريت"، واختفاء جزئي لبعض أصناف سجائر "مارلبورو"، تواصلت "اندبندنت عربية" مع بعض أصحاب محال بيع السجائر وأكدوا قلة "ميريت" تحديداً منذ منتصف يونيو (حزيران) الماضي، إذ اعتبر محمود، وهو أحد الباعة، أن رفعها من الأسواق مقصود، موضحاً "تعودنا من الوكلاء والموزعين والشركات منذ فترة طويلة على أن قلة منتج أو صنف سجائر معين لفترة من الزمن يعني أن أسعاره سترتفع قريباً"، مضيفاً "عند علم الوكلاء بزيادة جديدة في بعض الأصناف يتوقفون عن توزيعها طمعاً في مكاسب من البيع بعد تعديل الأسعار".
ويرى سيد حسين، وهو صاحب كشك لبيع السجائر، أن "الشركات تبدأ في تعطيش السوق (وقف ضخ السجائر) التي سيرتفع سعرها لفرض سياسة الأمر الواقع والسعر على المستهلك النهائي".
"إيسترن كومباني": لم نرفع الأسعار حتى الآن
في المقابل، نفى العضو المنتدب لشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومباني" هاني أمان إجراء أي تعديلات في أسعار السجائر المحلية التي تصنعها الشركة حتى الآن، وقال "لدينا إدارة متخصصة تراجع أسعار البيع بكلف الإنتاج مرة كل ثلاثة أشهر، وفي حال وجود حاجة إلى رفع سعر صنف تتخطى كلفة إنتاجه سعر البيع أو لا يحقق هامش ربح معقول، نضطر إلى زيادة السعر"، مؤكداً "أن قراراً كهذا يعلن رسمياً بشكل واضح، إذ إن الشركة مدرجة في البورصة المصرية وبالتالي فعليها الإفصاح بشكل فوري عن أي تغيير في الأسعار".
وحول قلة المعروض من السجائر الأجنبية وتفسير بعضهم ذلك باحتمال رفع الأسعار، رفض رئيس "إيسترن كومباني" الربط بين الحدثين مؤكداً أن لديه "معلومات حول أسباب قلة المعروض تتعلق بتأخر وصول بعض مستلزمات الإنتاج للشركة المنتجة لتلك الأصناف، وليس له علاقة بتحريك الأسعار على الإطلاق".
ارتفاع بمقدار 0.10 دولار الشهر الحالي
من جانبه، قال رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات المصرية إبراهيم الإمبابي إنه "يتوقع زيادة في أسعار السجائر المحلية والأجنبية خلال الشهر الحالي، وأن الزيادة تتراوح بين جنيه (0.053 دولار) واثنين (0.10 دولار) في كل عبوة سجائر".
وأضاف أن "ارتفاع الأسعار يعود لطلب وزارة المالية المصرية زيادة حصيلة الضرائب على التبغ والدخان خلال العام المالي الحالي 2022 -2023 بمقدار لا يقل عن 7 مليارات جنيه (373 مليون دولار) عن نظيره خلال العام الماضي المنتهي مع نهاية الشهر الماضي".
وأشار رئيس شعبة الدخان باتحاد الصناعات المصرية إلى أن "الزيادة الجديدة لا علاقة لها برسوم التأمين الصحي التي تطبق كل ثلاث سنوات وتم تطبيقها في يوليو (تموز) 2021"
وحول تخارج "بريتش أميركان توباكو" من السوق المصرية قال إمبابي، "هذا أمر يخص إدارة الشركة التي أخطرتنا بشكل رسمي الأربعاء الماضي بوقف منتجاتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف، "الشركة تحقق خسائر من سنوات وتتراجع حصتها السوقية في مصر نتيجة تغير أذواق وسلوك المستهلكين بعد الزيادات الكبيرة في أسعار السجائر والدخان والمعسل خلال العقد الأخير، وتحديداً منذ العام 2012 إلى جانب الأزمات الاقتصادية العالمية المتلاحقة منذ تفشي الحرب التجارية بين الصين وأميركا في 2018، مروراً بالتداعيات الاقتصادية للجائحة العالمية، وأخيراً الحرب الروسية في أوكرانيا منذ فبراير (شباط) الماضي".
وتستهدف الحكومة المصرية في الموازنة العامة للدولة خلال العام المالي الحالي الذي انطلق الجمعة الماضي نحو 87 مليار جنيه (4.6 مليار دولار) من ضرائب القيمة المضافة على السجائر والتبغ والدخان في مقابل 80 مليار جنيه (4.2 مليار دولار) في العام المالي الماضي 2021 - 2022.
رحلة أسعار السجائر طوال 15 عاماً
وبحسب رصد لـ "اندبندنت عربية" فإن أسعار السجائر المحلية في مصر ارتفعت منذ 15 عاماً بما لا يقل عن 600 في المئة، بعد أن ارتفع سعر عبوة " كليوباترا" بأنواعها من 2.75 جنيه (0.14 دولار) عام 2007 إلى 20 جنيهاً (1.06 دولار) في الوقت الحالي، بينما ارتفع سعر "السوبر" من 3.5 جنيه (0.15 دولار) قبل 15 عاماً ليسجل سعرها الآن 21 جنيهاً (1.17 دولار) بعد أن تضاعف السعر خمس مرات.
كما ارتفع سعر عبوة "البوكس" من ثلاثة جنيهات (0.15 دولار) عام 2007 ليسجل حالياً 20 جنيهاً بنسبة زيادة 560 في المئة على مدى 15 عاماً".
ولم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى السجائر الأجنبية، إذ "ارتفع سعر "مارلبورو" بجميع أنواعه 360 في المئة، بعد أن ارتفع السعر من 10 جنيهات (0.53 دولار) عام 2007 ليسجل 46 جنيهاً (2.44 دولار) حالياً، كما ارتفع سعر "ميريت" بجميع أنواعه من 11 جنيهاً (0.58 دولار) قبل 15 عاماً ليصل إلى 49 جنيهاً (2.60 دولار) حالياً، أي بنسبة زيادة قدرها 345 في المئة، بينما تضاعف سعر عبوة السجائر "إل إم" بجميع أنواعها خلال 15 عاماً أربع مرات، بعد أن زاد السعر من 6.5 جنيه (0.34 دولار) عام 2007 ليصل إلى 34 جنيهاً (1.80 دولار) حالياً.
18 مليون مصري مدخن
ووفقاً لإحصاءات رسمية من الجهاز المركزي المصري، "يعد التدخين أحد أبرز قنوات إنفاق المصريين، إذ إن أكثر من 17.7 في المئة منهم مدخنون، وهو ما يمثل نحو 18 مليون نسمة. وتبلغ نسبة المدخنين بين الذكور 35.6 في المئة مقابل 0.3 في المئة بين الإناث عام 2021، ويبلغ متوسط الإنفاق السنوي على التدخين للأسرة المصرية التي بها فرد مدخن أو أكثر نحو 6293.5 جنيه (334.80 دولار)".
وأكدت القوائم المالية لـ "إيسترن كومباني" ارتفاع "استهلاك المصريين من السجائر خلال العام الماضي، إذ دخن المصريون سجائر خلال الأشهر التسعة الماضية بنهاية مارس (آذار) 2022 بقيمة 10.8 مليار جنيه (585 مليون دولار) وبزيادة قدرها 11 في المئة عن الفترة نفسها من العام الماضي".
وأنتجت "إيسترن كومباني" 94 مليار سيجارة خلال 2020 -2021، وباعت 69 مليار سيجارة في السوق المحلية العام المالي الماضي مقارنة بـ 61 مليار سيجارة العام السابق له، بينما تراجعت مبيعات "المعسل" بمقدار 120 مليون طن لتبيع الشركة 968 مليون طن مقارنة بـ 1088 مليون في 2019 - 2020.