عقب ردود الأفعال المختلفة على مشروع الدستور التونسي الجديد المنشور في الجريدة الرسمية للبلاد منذ 30 يونيو (حزيران) الماضي، تفاعل رئيس الجمهورية قيس سعيد مع هذه التحركات بالإعلان عن إجراء تعديلات بسبب ما اعتبره "أخطاء تسربت" إلى نسخة الدستور.
وبما أن الرفض تركز حول عدم النص على مدنية الدولة، وزيادة فصل ينص على "تحقيق مقاصد الإسلام"، أضاف رئيس الجمهورية عبارة "في ظل نظام ديمقراطي" إلى الفصل الخامس الذي أثار كثيراً من الجدل، فأصبح "تونس جزء من الأمة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل في ظل نظام ديمقراطي على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النفس والعرض والمال والدين والحرية".
الآداب العامة
كما حذف سعيد عبارة "الآداب العامة" من الفصل 55 وعدّل "التلاؤم" بـ"التناسب"، فأصبح "لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية. ويجب ألا تمس هذه القيود بجوهر الحقـوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وأن تكون مبررة بأهدافها، متناسبة مع دواعيها".
في ما يتعلق بالتخوف من إهدار مكاسب المرأة التونسية، أشار قيس سعيد في النسخة المعدلة وبوضوح إلى إمكانية ترشح التونسيات لمنصب رئيس الجمهورية في الفصل 89، كما تم النص على ضرورة "انتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب انتخاباً عاماً حراً مباشراً سرياً لمدة خمس سنوات خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من المدة النيابية، وفق ما يضبطه القانون الانتخابي".
وحول توضيح المدة الرئاسية، نص الفصل 90 على أنه "لا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متصلتين أو منفصلتين. وفي حال الاستقالة، تعتبر المدة الرئاسية كاملة".
كما اشترط الفصل 90 تزكيات للمرشح إلى منصب الرئاسة من "عدد من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو من الناخبين وفق ما يضبطه القانون الانتخابي". وأيضاً أشار الفصل 92 إلى ضرورة تخلي رئيس الجمهورية عن أي مسؤولية حزبية بقوله "لا يجوز لرئيس الجمهورية الجمع بين مسؤولياته وأية مسؤولية حزبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المرجعية الدينية
وعلى الرغم من محاولة قيس سعيد إصلاح ما اعتبره أخطاء ويراه معارضوه انتهاكات، تعتقد النسوية والناطقة الرسمية لرئاسة الجمهورية سابقاً سعيدة قراش أن "الخيارات الأساسية لقيس سعيد بقيت كما هي في العلاقة بالمرجعية الدينية وحقوق النساء وبدأ نفاذ الدستور والنظام السياسي وصلاحيات الرئيس".
وأضافت أن "الرئيس تحدث في خطابه عن جملة تصحيحات لغوية وإعادة ترتيب لفصول وأبواب وإصلاح مضامين درءاً للالتباس والتأويل"، داعية الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى تطبيق القانون. وقالت "عليها أن لا تعرض على الاستفتاء إلا النسخة التي تم تقديمها في الآجال"، شارحة "ما سيصدر اليوم وفق ما صرح به الرئيس من معالجة للمضامين بقصد توضيحها ورفع اللبس عنها هو بمثابة دستور جديد يفترض إعادة فتح الآجال وإعادة الإجراءات".
تغييرات جوهرية
من جهتها، اعتبرت الصحافية آمال الشاهد أن "تغييرات جوهرية وردت في أصل نص مسودة الدستور موضوع الاستفتاء"، وأن "ما نشر أخيراً في الرائد الرسمي ليس مجرد إصلاح لأخطاء لغوية، بل هو إعادة صياغة لعدد من فصول المسودة، مع إضافة مفاهيم وعبارات قانونية جديدة غيرت في أكثر من مرة جوهر الفصول ومعناها وقراءتها القانونية وما يترتب عليها قانوناً ومنطقاً، ما يجعلنا أمام مشروع مختلف".
ورأى مهتمون بالشأن السياسي أن الأمر الرئاسي الذي صدر أخيراً لإصلاح بعض الأخطاء التي وردت في مشروع الدستور الجديد والذي يتعلق بـ46 تعديلاً، بينها تعديلات عميقة، أتت بمشروع دستور جديد مغاير للذي صدر بالجريدة الرسمية في 30 يونيو الماضي.
في المقابل، قال الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع حسان قصار إنه "كان ينتظر أن يكون التغيير أعمق، وإضافة عبارة مدنية الدولة التي تم التخلي عنها مقارنة بدستور 2014". واستدرك "لكن على الرغم من أن التعديل لم يكُن بالقدر الذي نريده، فإن التصويت بنعم على هذا الدستور سيكون خلاصاً لتونس من قبضة عشرية سوداء عانت فيها البلاد الأمرين". وأضاف "مرور هذا الدستور هو نهاية الإخوان والمضي بتونس إلى مرحلة البناء الحقيقي".
وفي السياق ذاته، اعتبر قصار أنه "على الرغم من أهمية الدستور، فإن أولويات تونس اليوم هي عدم الرجوع إلى الوراء"، معتقداً أن "عودة من فشلوا إلى الساحة السياسية سيكون بمثابة الكارثة"، وأن "تعديل الدستور شجاعة سياسية نادرة لم نتعود عليها من قبل، وهو اعتراف بالخطأ من قبل الرئيس قيس سعيد، وهذا يحسب للرجل". ويرى قصار أن "إمكانية تعديل الدستور بعد مروره وبعد تشكيل مجلس نواب جديد واردة".
ويدخل هذا الدستور حيز النفاذ بحسب مشروع الدستور "ابتداءً من تاريخ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن نتيجة الاستفتاء النهائية، وبعد أن يتولى رئيس الجمهورية ختمه وإصداره والإذن بنشره في عدد خاص بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية وينفذ كدستور للجمهورية التونسية".