بعث خبراء الصحة في مختلف أنحاء العالم بإشاراتٍ مقلقة، عندما بدأوا الإبلاغ عن أن متحورة "أوميكرون بي أي 5" Omicron BA.5 وهي إحدى سلالات فيروس كورونا التي تخطت في الوقت الراهن المتحورات الأخرى من حيث نشر العدوى، أصبحت السلالة المهيمنة في الولايات المتحدة وخارجها، ولديها قدرة على إصابة الناس بالمرض من جديد في غضون أسابيع قليلة من التعرض للفيروس.
الدكتور أندرو روبرستون كبير مسؤولي الصحة في غرب أستراليا أبلغ موقع News.com.au أنه على الرغم من اليقين السابق الذي يفيد بأن معظم الناس يكون لديهم مستوى معين من الحماية من العدوى إذا ما تلقوا اللقاح، أو اكتسبوا مقداراً ما من المناعة الطبيعية نتيجة إصابتهم بالفيروس، فإن هذا الوضع لا يسري على أحدث سلالة من "كوفيد".
وقال الطبيب في مقابلةٍ مع الموقع الإخباري الأسترالي: "إن ما نلاحظه هو تزايدٌ في عدد المرضى الذين، بعدما أصيبوا أساساً بمتحورة "بي أي 2" BA.2، أصابتهم العدوى من جديد بعد 4 أسابيع. من هنا، فإنهم قد يصابون بالفيروس مرةً أخرى بعد 6 أو 8 أسابيع، وعندها يكون مؤكداً أن العدوى هي متحورة "بي أي 4" أو بي أي 5".
قدرة المتحورتين الجديدتين "بي أي 4" وبي أي 5" على إعادة إصابة الأشخاص الذين كانوا يتمتعون بمناعةٍ أقوى إزاء الطفرات السابقة لفيروس "كوفيد - 19"، دفعت ببعض خبراء الصحة إلى اعتبار هاتين السلالتين أكثر قابليةً حتى الآن على نقل العدوى والتفشي.
أما البروفيسور ديفيد مونتفيوري الأستاذ في "معهد اللقاحات البشرية" Human Vaccine Institute التابع لـ "المركز الطبي في جامعة ديوك" Duke University Medical Center، فقال في مقابلةٍ أجرتها معه شبكة "أن بي سي نيوز"، إن "المتحورتين تطغيان على سالفاتهما، ومن الواضح أنهما أكثر نشراً للعدوى من المتحورات السابقة لـ أوميكرون".
وكانت التقديرات الفيدرالية في الولايات المتحدة الصادرة يوم الثلاثاء عن "مركز السيطرة على الأمراض والوقاية"، قد أشارت إلى أن متحورة "بي أي 5"، باتت هي الطاغية الآن، لتصبح السلالة المهيمنة في الولايات المتحدة، بحيث تسببت حتى الأسبوع المنتهي في الثاني من يوليو (تموز) 2022، بنحو 54 في المئة من حالات الإصابة بـ "كوفيد".
وعلى الرغم من أن متوسط عدد حالات الإصابة الجديدة التي تسجلها الولايات المتحدة كل يوم، قد تفاوت بشكلٍ ثابت ما بين 95 ألفاً و115 ألفاً، وفق بياناتٍ جمعتها صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن خبراء الصحة يتخوفون من تضافر مجموعة عوامل، منها أن أفراداً جرى اختبارهم منزلياً لا يبلغون عن حالات إيجابية لجهة إصابتهم بالعدوى، إضافةً إلى إقفال الحكومة مراكز اختبارٍ للفيروس كانت تمولها، وكذلك تزايد عدد الولايات التي أوقفت تحديث بياناتها اليومية عن المرض. جميع هذه العوامل أدت إلى عدم وضوح في الرؤية في تحديد مستوى اختراق هذه السلالة الجديدة للبلاد.
في غضون ذلك، أكدت دراسة نُشرت الأسبوع الفائت في مجلة "ساينس" Science، الحقيقةَ المثيرة للقلق، والمتمثلة في أن كثيرين ربما يعانون حتى الآن من تكرار إصابتهم بعدوى متتالية، مشيرةً إلى أن هاتين المتحورتين الجديدتين يمكنهما بالفعل اختراق المناعة المكتسبة من الإصابة بالعدوى أو من اللقاحات السابقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أستاذ المناعة داني آلتمن وهو مؤلفٌ مشارك في إعداد البحث الذي نشرته مجلة "ساينس" إلى جانب البروفيسورة روزماري بويتون أستاذة علم المناعة وطب الجهاز التنفسي، شرحا نتائج دراستهما في مقال رأي نُشر أخيراً. وأشارا إلى أنه على عكس الاعتقاد السائد بأن اللقاحات والعدوى السابقة، يمكنها أن تقيم "جداراً من المناعة" لدى الأفراد، فإن دولاً تسجل - على نقيض ذلك - "موجةً تلو الآخرى من حالات الإصابة الجديدة بـ كوفيد".
ويشرح البروفيسور آلتمن في هذه الدراسة، كيف تابع وزميلته أشخاصاً سبق أن تلقوا تطعيماً ثلاثياً، وآخرين عانوا من إصابات مفاجئة خلال الموجات السابقة لمتحورة "أوميكرون".
وكتب في صحيفة "غارديان" البريطانية: "لقد سمح لنا البحث بالتحقق مما إذا كانت متحورة أوميكرون - كما كان يأمل البعض - هي معززة طبيعية حميدة للمناعة لدينا ضد كوفيد - لكنه اتضح أن الأمر ليس كذلك".
وأضاف البروفيسور آلتمن: "تولدت لدى معظم الناس - حتى عند حصولهم على التلقيح الثلاثي - استجابة أقل بنحو 20 مرة لتكوين أجسام مضادة ضد أوميكرون، مقارنةً بالسلالة الأولى التي ظهرت في ووهان في الصين"، مشيراً إلى أن "عدوى أوميكرون كانت بمثابة معززٍ ضعيف للمناعة ضد مزيدٍ من الإصابات بالسلالات الجديدة المتفرعة عنه".
وأوضح قائلاً: "أنها من الفيروسات الخفية التي تتسلل إلى جسم الإنسان من دون التنبه لها"، لافتاً إلى أنه "حتى بعد الإصابة بالمتحورة الجديدة أوميكرون، فإن ذلك لا يضمن عدم تعرضنا لمزيدٍ من الإصابات بالعدوى".
ويبدو أن بحث آلتمن يؤكد دراساتٍ حديثة أخرى صدرت في الأسابيع الأخيرة، وحذرت من قدرة المتحورتين الفرعيتين الجديدتين على الإفلات من الاحتياطات المتخذة سابقاً لبناء مناعة، والتي تتمثل في التطعيم وتكون مناعة طبيعية.
وتشير أبحاث "جامعة كولومبيا" التي نُشرت في مجلة "نايتشر" Nature لكنها لم تخضع بعد لمراجعة أقران علميين، إلى أن متحورتي "بي أي 4" و"بي أي 5" هما أكثر مقاومةً من "بي أي 2" بأربعة أضعاف للأجسام المضادة من اللقاحات. هذه المتحورة الفرعية الأخيرة كانت في أبريل (نيسان) السلالة المهيمنة في الولايات المتحدة، وحلت مكان السلالة الأصلية التي كانت وراء تفشي طفرة الشتاء من الوباء والتي عصفت بمختلف أنحاء البلاد.
وعلى الرغم من ترجيح الخبراء أن تشكل السلالتان الراهنتان مصدر تهديد لإمكان حدوث موجاتٍ وبائية جديدة، فلقد أشاروا في المقابل إلى أن اللقاحات يمكن أن تؤمن مناعةً جزئية، وأنها ما زالت قادرةً على تأمين حماية من العدوى التي يُحتمل أن تكون أكثر خطورة.
وقال الدكتور دان باروش في هذا الإطار لشبكة "سي أن أن": "تظهر بياناتنا أن هاتين السلالتين الفرعيتين الجديدتين من أوميكرون، من المرجح أن تتسببا بارتفاع كبير في حالات العدوى بين الأفراد الذين لديهم مستويات عالية من المناعة من اللقاح، إضافة إلى المناعة الطبيعية المتكونة من متحورتي "بي أي 1" و"بي أي 2". ومن المحتمل في المقابل أن تواصل المناعة التي يؤمنها اللقاح تأمين حماية كبيرة من الأعراض الحادة التي تتسبب بهما "بي أي 4" و"بي أي 5".
الدكتور باروش هو أحد المؤلفين المشاركين في ورقةٍ بحثية منفصلة، نُشرت في "مجلة نيو إنغلاند الطبية" New England Journal of Medicine، وكشفت عن انخفاضٍ بمقدار ثلاثة أضعاف في الأجسام المضادة المكونة من اللقاحات والإصابات بمتحورتي "بي أي 4" وبي أي 5"، والتي كانت أقل بكثير من "بي أي 1" وبي أي 2".
لهذا السبب، من المحتمل ألا تحتاج اللقاحات التي تلقاها كثير من الناس في الأشهر الـ 18 الماضية إلى تعزيز، بل إلى تحديث.
"إدارة الغذاء والدواء الفيدرالية" الأميركية Federal Drug Administration (FDA) أوصت الأسبوع الماضي، بأن تباشر الشركتان المصنعتان للقاحات "كوفيد - 19" في الولايات المتحدة وهما "فايزر" و"موديرنا"، بإدخال تعديلاتٍ على تركيبة ما لديهما من نسخ اللقاح في الوقت الراهن، حتى تستهدف الجرعاتُ المعززة متحورتي "بي أي 4" وبي أي 5" على نحوٍ أدق. ورجحت هذه الهيئة أن تصبح الجرعات متاحةً في وقتٍ مبكر من منتصف الخريف المقبل.
© The Independent