لم تكُن المواقف التي ذكرها زعيم ائتلاف "دولة القانون" ورئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي عبر التسريبات الصوتية التي نشرت أخيراً جديدة في شأن رؤيته للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، لكن ما أثار استغراب المتابعين للشأن السياسي في البلاد هو توقيتها.
المالكي شن خلال هذه التسريبات هجوماً على التيار الصدري ووصف أعضاءه بالجبناء، متهماً إياهم بقتل القيادي في "عصائب أهل الحق" وسام العلياوي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وداعياً إلى منع "تحالف الصدر" من الاتفاق مع القوى السنية والكردية، كما شن هجوماً لاذعاً على غالبية القيادات السنية، واصفاً إياهم بالحاقدين عليه وعلى الدولة العراقية ومؤسساتها.
المالكي ينفي والصدر يتجاوز
لكن المالكي نفى ما نسب إليه من تسجيلات، داعياً التيار الصدري إلى عدم تصديق ما نشر. وأضاف في تغريدة عبر حسابه في موقع "تويتر"، "أبلغ تحذيري لكل إخوتي في العملية السياسية من عمليات التزوير والتزييف واستخدام أجهزة التقنية الحديثة في نسبة تصريحات نسبت لي ولغيري".
وأضاف المالكي "بمناسبة ما نشر في مواقع التواصل الاجتماعي من كلام بذيء منسوب لي يحمل إساءة للسيد مقتدى الصدر، أعلن النفي والتكذيب وأبقى متمسكاً برغبة العلاقات الطيبة مع الإخوة الصدريين وبقية الشركاء في العملية السياسية".
ودعا المالكي الصدريين إلى عدم تصديق ما ينشر، قائلاً، "أعرف أنها فتنة يبعثونها لتمزيق الصفوف وإثارة الاضطراب".
من جانبه، رد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في تغريدة له على ما نسب للمالكي بدعوة أنصاره إلى عدم الاكتراث بالتسريبات كونه لا يقيم لها وزناً، مؤكداً أنه لن يدخل فتنة أخرى، في إشارة إلى رفضه الصراع مع المالكي وأنصاره.
وجاءت تغريدة الصدر استعداداً لصلاة الجمعة التي سينظمها أنصاره في مدينة الصدر شرق بغداد، احتجاجاً على "الفساد والمحاصصة في حكم العراق".
القيادات السياسية صامتة
ولم تعلق غالبية القيادات السياسية البارزة في الصف الشيعي والسني والكردي حتى الآن على التسريبات باستثناء بعض النواب التابعين لائتلاف "دولة القانون" مثل بهاء الدين نوري، الذي اعتبر أن التسجيل الصوتي المسرب المنسوب للمالكي غير حقيقي، متهماً جهات داخلية وخارجية بإعداده لتخريب العملية السياسية ووحدة الإطار التنسيقي.
بدوره، اعتبر النائب المستقل باسم الخشان، القريب من قيادات الإطار التنسيقي، أن التسجيل المنسوب للمالكي يمكن أن يكون مزوراً لأسباب سياسية، داعياً إلى التأكد من صحته.
وجاء توقيت نشر التسريبات بعد سلسلة من المواقف السياسية التي تبين أن المالكي يحاول فرض مرشح لـ"دولة القانون" لمنصب رئيس الوزراء وسط رفض واضح من قبل غالبية قوى الإطار لأي مرشح جدلي لا يكون مقبولاً عراقياً ودولياً بسبب المخاوف من تعرض العراق لعزلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبدو أن زعيم "منظمة بدر" هادي العامري، وهو قيادي بارز، كان مع هذا التوجه بعد إعلانه عدم المشاركة في الحكومة المقبلة ونفيه ترشيح نفسه لمنصب رئيس الوزراء ومطالبته بأن يكون المرشح مستقلاً يحظى بقبول عراقي.
كما أن زعيم "تيار الحكمة" والقيادي البارز في الإطار عمار الحكيم أكد في خطبة العيد أن الحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي حققت تقدماً مهماً في عدد من المجالات، ومن الممكن بقاؤها مع عمل تغييرات فيها للاستمرار بإدارة الدولة العراقية.
من يقف وراء التسريبات؟
وسربت مصادر رسمية وصحافية على صلة بالإطار التنسيقي معلومات خلال الأيام الماضية قبيل الكشف عن تسجيل المالكي، تؤكد طلب طهران من قادة الإطار التنسيقي اختيار شخصية عراقية لمنصب رئيس الوزراء تكون مقبولة داخلياً، خصوصاً من التيار الصدري، وكذلك إقليمياً ودولياً، مبينة أن طهران أبلغت قادة الإطار عن طريق سفيرها محمد آل صادق أنها ترفض أية محاولة لتأزيم الأوضاع في العراق، وأن عليهم العمل لمنع استفزاز الشارع العراقي والمجتمع الدولي في تشكيل الحكومة الجديدة.
وخلال الأيام الماضية، كان نواب ائتلاف "دولة القانون" تصدروا شاشات التلفزيون العراقية من خلال ظهور عدد منهم ليدافعوا عن موقف ائتلافهم في ترشيح نوري المالكي أو من يرشحه لمنصب رئيس الوزراء، وتحدثوا كثيراً عن حكومة توافقية وبرامج حكومية اعتبرها بعض المتابعين للشأن العراقي استفزازاً للتيار الصدري ومحاولة للاستحواذ على قرار الإطار التنسيقي.
وقال الصحافي باسم الشرع إن هناك اعتقاداً لدى النخبة السياسية في العراق بأن زعيم "دولة القانون" نوري المالكي هو أساس المشكلات الحالية في العملية السياسية، لما يملكه من نفوذ سياسي واقتصادي كبير أثّر في توجهات الدولة العراقية وحتى قرارات القضاء العراقي.
وأضاف أن الائتلاف وزعيمه سعيا منذ استقالة التيار الصدري من مجلس النواب إلى إلغاء وجود الأخير في الخريطة الشيعية والحديث عن تحالفات وبرامج حكومية خاصة بهما ولا تمثل حتى الإطار التنسيقي، مبيناً أن المعلومات المتوافرة تفيد بأن المالكي رفض نصائح جميع قيادات الإطار التنسيقي وحتى حلفائه في إيران بعدم استفزاز الصدر والمضي بتشكيل حكومة قد تؤدي إلى اضطراب الأوضاع في البلاد، وهو ما كان واضحاً من خلال التحالف الذي شكله مع "الاتحاد الوطني" الكردستاني و"تحالف عزم" السني بزعامة مثنى السامرائي.
وبيّن الشرع أن هناك أحاديث عن أن الاستخبارات الإيرانية قد تكون وراء التسريب كونه صدر عن أشخاص مقربين من المالكي كانوا يحضرون اللقاء بهدف وقف توجهه نحو تشكيل حكومة جديدة، ربما تستفز زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وتدخل العراق في أزمة جديدة، فضلاً عن أنها تمثل رسالة واضحة بقرب نهاية العمل السياسي للرجل.
ورأى أن التسريبات تشير بشكل واضح إلى وجود امتعاض من قبل عدد من قيادات الإطار من توجهات المالكي لحل الأزمة مع التيار الصدري، إذ لم يتم نفيها من قيادات الإطار أو التحذير منها، معتبراً أن نفي المالكي لها واعتبارها محاولة للفتنة لم يقنعا الشارع العراقي بأنها غير صحيحة.