لم يتوقف كثيرون عند أسباب عدم شمول الأردن ضمن جولة الرئيس الأميركي جو بايدن للمنطقة، وقلل آخرون من أهمية ذلك على اعتبار أن العاهل الأردني التقى الرئيس الأميركي مرتين في واشنطن، كانت الأخيرة في مايو (أيار الماضي).
لكن مراقبين يرون أن ثمة مكاسب قليلة وخسائر أكثر للأردن خرجت بها هذه الزيارة، بعد أن انطوت زيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل عن خيبة أمل أردنية ونتائج كانت مرجوة، لكنها لم تحدث.
وفي العاصمة عمان، لم تبد الصحافة الأردنية اهتماماً كبيراً بالزيارة التي يفترض أنها تشكل علامة فارقة للفترة المقبلة، باستثناء ما قاله بايدن عن الوصاية الهاشمية، والذي يشكل رد اعتبار للأردن في معركتها مع إسرائيل.
دعم الوصاية الهاشمية
في مقابل ما يمكن اعتباره تقديم دعم سياسي للأردن بتأكيد الوصاية الهاشمية في القدس، فإن حماسة الرئيس الأميركي لـ"حل الدولتين" الذي يعد مصلحة أردنية خفت كثيراً.
قال بايدن في تصريحاته، "يجب أن تحتفظ القدس بوضعها الحالي تحت الوصاية الأردنية الهاشمية"، ما يشكل دفعة سياسية ومعنوية قوية للأردن الذي خاض معركة كلامية ودبلوماسية مع الإسرائيليين في مايو (أيار) الماضي حول السيادة على القدس والمسجد الأقصى، إثر تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بأن إسرائيل هي صاحبة السيادة على هذه المدينة، من دون الاكتراث للاعتبارات الخارجية بتاتاً. وأن جميع القرارات المتعلقة بالقدس ستتخذها إسرائيل فقط.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتسلح عمان بشرعية تاريخية للوصاية الهاشمية على القدس، للإبقاء على دورها في الأراضي الفلسطينية حياً، في وقت يتراجع فيه ثقلها السياسي في المنطقة.
ويصر الأردن على رفض التقاسم المكاني والزماني للحرم القدسي واعتباره مكاناً مقدساً للمسلمين فقط، ويتهم أطرافاً إسرائيلية بمحاولة تكريس التقاسم الزماني عبر سياسة الاقتحامات ومنع المصلين المسلمين من دخوله، ولهذا يكرر الأردن مراراً عبارة الحفاظ على الوضع القائم في الحرم منذ عام 2000.
ويبدو أن زيارة العاهل الأردني لواشنطن ولقائه بايدن في مايو الماضي آتت ثمارها، حيث وضعت شرعية الوصاية على الطاولة بين الملك عبد الله وبايدن خلال مباحثاتهما.
تراجع "حل الدولتين"
لكن، في المقابل أعلن بايدن صراحة استحالة حل الدولتين الذي اتخذه الأردن هدفاً دبلوماسياً طوال سنوات، وحاولت حشد دعم دولي وعربي له باعتباره يمثل مصلحة خالصة له ويبعد عنه شبح سيناريو التوطين أو أي حل آخر على حساب مصالحه.
ففيما حذر الرئيس الفلسطيني محمود عباس من عدم إمكانية تطبيق "حل الدولتين" مستقبلاً، اعتبر الرئيس الأميركي "حل الدولتين" بعيد المنال على الرغم من من أنه تمسك به، وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي يشير فيها بايدن إلى تراجع فرص "حل الدولتين" على الرغم من تأكيده عليها بقوة في سابقاً خلال لقائه العاهل الأردني.
صفقة إسرائيلية
أولى القضايا التي يمكن اعتبارها خسارة أردنية هو ما كشفت عنه قناة إسرائيلية عن دراسة تل أبيب لخيار فتح مطار "رامون" للفلسطينيين مقابل عدم مضيهم قدماً في الإجراءات بمحكمة الجنايات الدولية ضد تل أبيب.
وسيشكل ذلك إذا ما تم خسارة كبيرة للأردن، حيث يضطر الفلسطينيون الذين يريدون السفر إلى الخارج إلى المرور عبر معبر "اللنبي" كما تسميه إسرائيل و"جسر الملك حسين" كما يسميه الأردن، وهو بمثابة المتنفس الوحيد للفلسطينيين على العالم. وهذا يعني بعبارة أخرى الاستغناء عن المعبر الأردني ومطار الملكة علياء الدولي، وخسارة الأردن ملايين الدولارات سنوياً، والتي تأتي من رسوم دخول الفلسطينيين اليومية للأردن ومنها إلى دول العالم.
وتقول قناة " كان" الإسرائيلية، إن هذه المبادرة جاءت كجزء من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن، موضحة أن ذلك سيعني تنقل الفلسطينيين في ممر آمن من الأراضي الفلسطينية إلى وادي عربة ومنه إلى مطار رامون.
وبحسب القناة "يؤيد وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس المبادرة، ويطالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس مقابلها وقف الإجراءات ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".
ووفقاً للقناة الإسرائيلية، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أوضح لغانتس خلال لقاء جمعهما في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أنه إذا كانت إسرائيل تتوقع انسحاب السلطة الفلسطينية من الإجراءات أمام المحكمة الجنائية الدولية، فيجب عليها اتخاذ مبادرات سياسية مهمة.
فتح المعابر
ومن بين المبادرات المرتبطة بزيارة الرئيس الأميركي لإسرائيل، الإعلان عن فتح الحدود بين إسرائيل والأردن على مدار الساعة من خلال المعبر الحدودي بين الضفة الغربية والأردن ما يعوض الأردن عن الخسائر التي ستترتب على فكرة فتح إسرائيل فتح مطار "رامون" للسفر أمام الفلسطينيين.
ووفقاً لوزارة المواصلات الإسرائيلية، "كانت وزيرة النقل والأمان على الطرق ميراف ميخائيلي وفريقها على اتصال مع ممثلين أميركيين وفلسطينيين ومغاربة لفتح معبر "اللنبي" بين إسرائيل والأردن على مدار الساعة، 24 ساعة في اليوم، 7 أيام في الأسبوع".
ويخدم معبر جسر الملك حسين من الجانب الأردني نحو 4 ملايين شخص سنوياً، ويشكل رافعة اقتصادية لكل من الأردن والسلطة الفلسطينية على حد سواء، إذ لا يقتصر نشاطه فقط على تنقل المسافرين عبر الجانبين، وإنما يتم استخدامه أيضاً لنقل البضائع.
دعم "الأونروا"
ويمكن اعتبار إعلان بايدن عن تمويل بـ200 مليون دولار إضافية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بمثابة مكسب أردني، حيث تبدي عمان منذ سنتين قلقاً كبيراً من بوادر إفلاس أو إغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، بعد توقف كثير من مصادر الدعم المالي.
ومنذ أشهر ينشط وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في محاولة حشد دعم دولي وعربي للوكالة باعتبار ذلك أولوية أردنية، بخاصة أن غياب الوكالة أو توقف عملها يعني بالضرورة توطين نحو مليوني لاجئ فلسطيني في الأردن وتحمل كلفة لجوئهم.
وبهذا الدعم الأميركي تتنفس عمان الصعداء، حيث كانت تحتاج إلى 48 مليون دولار بشكل عاجل لعمل الوكالة على أراضيها، حيث تحتضن الأردن نحو نصف اللاجئين الفلسطينيين حول العالم.