يتوقع تأجيل إقرار "قانون سلامة الإنترنت" Online Safety Bill في البرلمان البريطاني إلى حين وصول رئيس حكومة جديد في الخريف المقبل.
وأدى القرار إلى اندلاع نقاش في شأن أهمية هذا التشريع في وقت وصف فيه البعض ذلك التأخير "بالضربة المدمرة" لأمن الإنترنت فيما دعا آخرون إلى إعادة التفكير في مقاربته وجوانبه.
في ما يلي نظرة عن قرب إلى هذا القانون ولماذا يثير الخلافات حوله.
ما هو قانون سلامة الإنترنت؟
يعتبر "قانون سلامة الإنترنت" تنظيماً تغييرياً في قطاع التكنولوجيا، ويقضي بإدخال قواعد على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع التي تستند على المحتوى الذي ينتجه المستخدم، تفرض عليها إزالة المحتوى غير الشرعي من منصاتها مع التشديد على حماية الأولاد من المحتوى المضر.
إضافة إلى ذلك، سيتوجب على كبريات المنصات الرقمية على غرار "فيسبوك" و"إنستغرام" و"تويتر" أن تعالج أشكال المحتوى "القانوني ولكن المؤذي" الذي قد يتضمن أمور متعلقة بترويج إيذاء الذات أو اضطرابات الأكل.
كيف ستسير عملية معالجة المحتوى المضر؟
في إطار القانون الجديد، ستضطلع جميع المنصات الرقمية التي تشملها أحكامه، بمسؤولية إيجاد وإزالة المحتوى غير القانوني فضلاً عن إرساء شروط وأحكام واضحة ومتينة.
بالنسبة إلى المنصات الرقمية الكبيرة، سيجري الاتفاق على فئات مواد المحتوى الذي يكون قانونياً، لكنه مؤذٍ التي تحتاج إلى معالجة من خلال تشريع ثانوي من قبل البرلمان. وفي خطوة تالية، سيتوجب على شركات التكنولوجيا أن تشرح بوضوح في شروطها وأحكامها، الأمور المقبولة والأمور غير المقبولة على مواقعها والعمل على تطبيق تلك القواعد.
ويعد القانون أيضاً بحماية حرية التعبير والخطاب من خلال إعفاء المحتوى الإخباري من تلك القوانين، فضلاً عن حماية المحتوى الذي يعرف على أنه يضطلع "بأهمية ديمقراطية".
وتواجه الشركات التي تنتهك هذه القواعد الجديدة غرامات قد تصل إلى ملايين الجنيهات الاسترلينية للخدمات الكبرى، أو إنها قد تواجه خطر الحجب.
تخضع هذه الأمور كلها لمراقبة "أوفكوم" ["هيئة تنظيم الاتصالات" في المملكة المتحدة] التي يتوقع أن تصبح المنظم الجديد للقطاع.
ما الذي ينطوي عليه القانون أيضاً؟
سيفرض القانون أيضاً على المنصات الرقمية أن تضع أدوات لتمكين المستخدم بهدف منح المستخدمين الراشدين مزيداً من التحكم في شأن الأشخاص الذين يتفاعلون معهم والأمور التي يتفاعلون معها.
وسيطلب من المواقع التي تعرض مواد إباحية أن تتحقق من أعمار المستخدمين بغية منع الأولاد من دخولها.
كذلك سيتوجب على المنصات الرقمية أن تتخذ الخطوات للحد من فرص نشر المواد الدعائية الاحتيالية على مواقعها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا أثار هذا القانون الجدال؟
شهد هذا القانون شد حبال بين نشطاء سلامة الإنترنت من جهة ممن يعتقدون أنه يجب القيام بمزيد من الخطوات لحماية الأشخاص، خصوصاً الأطفال، من كميات كبيرة من المحتوى المضر على الإنترنت، وبين نشطاء حرية التعبير من جهة أخرى ممن يرون في القانون أداة في تمكين الحظر على الإنترنت.
وتذكيراً، مر القانون بمرحلة إعداد امتدت على مدى أكثر من خمس سنوات. وقد تداولته حكومات ووزارات مختلفة تولت الإشراف عليه ما يعني أنه توسع وأعيد صقله في عدد من المناسبات تبعاً لتبدل الأولويات والاهتمامات الأساسية.
وجاءت النتيجة على هيئة قانون لم يسر به النشطاء من الجهات والمشارب كلها، إما لأنه يستغرق وقتاً طويلاً ليدخل حيز التنفيذ أو لأنه يعتبر واسعاً (متشعباً) للغاية أو صارماً للغاية.
وفي هذا السياق أيضاً، عبر ناشطون في إطار حماية الأطفال عن مخاوفهم من استمرار خطر الاستغلال الجنسي على الأطفال عبر الإنترنت، بالتالي يتوجب تحقيق خطوات إضافية في استهداف شبكات الاستغلال السيبرانية.
وفي غضون ذلك، يرى النشطاء في مجال حرية التعبير بأن التهديد بفرض غرامات مرتفعة واستخدام آليات تتناول المحتوى الذي يكون قانونياً لكن مؤذياً، سيدفع المنصات الرقمية إلى إزالة أي مواد مثيرة للجدل خوفاً من معاقبتها.
إضافة إلى ذلك، يعتبر البعض أن السماح لشركات التكنولوجيا العملاقة بتحديث شروطها وأحكامها الخاصة سيمنحها مزيداً من السلطات على ما هو مراقب وما هو غير مراقب.
كذلك أثار البعض مخاوف مرتبطة بسلطة وزير الدولة للرقمية والثقافة والإعلام والرياضة، الذي يحظى بسلطة كبيرة على هيئة "أوفكوم" في سياق دورها التشريعي الذي يتضمنه "قانون سلامة الإنترنت".
هل لقيت هذه المخاوف إجابات عنها؟
قبل تأجيل القانون، طرح عدد من التعديلات الرامية إلى معالجة بعض ما أثير من مخاوف، بيد أن عدداً منها [التعديلات] أدى إلى زيادة قلق النشطاء من الجهات كافة.
وحظي تعديل حكومي يمنح "أوفكوم" سلطة إجبار المنصات الرقمية على إدخال تقنيات تتيح العثور على الاستغلال الجنسي للأطفال ومعالجته، بانتقادات واسعة من قبل نشطاء حرية التعبير الذين اعتبروا أنه قد يغدو من المستطاع استعمال تلك التقنيات في تفكيك تقنيات التشفير ما يؤدي إلى مراقبة الرسائل الخاصة.
وكذلك رفض ناشطون اقتراح تعديل آخر يهدف إلى تعزيز حرية التعبير وحرية الصحافة من خلال منع المنصات الرقمية من إزالة محتويات منشورة يصنعها ناشرون إعلاميون معروفون، قبل أن تطلب [المنصات] منهم ذلك. واعتبر الناشطون أن هذا التعديل يشكل طريقة تمكن المعلومات والإخبار المغلوطة من الانتشار [على حساب الإخبار التي تصنعها وسائل الإعلام المعروفة].
وأشار ائتلاف يمثل مجموعات من المجتمع المدني إلى أن آليات الحماية ستتيح لناشري المعلومات المضللة والبروباغندا المدعومين من الدولة بأن ينصبوا أنفسهم ناشري أخبار شرعيين وإبقاء المحتوى المضر على الإنترنت، ما سيحول المملكة المتحدة إلى "مقر للمعلومات المغلوطة".
ورحبت بعض المجموعات بالتأجيل الحالي للقانون ورأت فيه فرصة "لمراجعة" جوانب عدة فيه.
نُشر في "اندبندنت" بتاريخ 14 يوليو 2022