يعد القطاع العقاري من أكثر القطاعات الجدلية في السعودية، لا سيما أسعاره، فهو الموضوع القديم الجديد وحديث لا يتوقف، وعلى الرغم من أن السعوديين يطلقون عليه مسمى "الابن البار" لأنه استثمار لا يخسر في العادة إلا أن تسجيل أسعاره لارتفاعات متتالية جعلته عاقاً لأولئك الذين يريدون تملك منزل.
ارتفاع قيم الإيجار أحد أبرز مواضيع النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي الذي يستعاد الآن في ظل تسجيل الأسعار ارتفاعات في الآونة الأخيرة، لا سيما وأن له آثاراً سلبية في المدى البعيد.
ويرى مراقبون أن السبب في رفع الأسعار هو وجود فجوة بين العرض والطلب، لا سيما أنه بات ملموساً أن السوق العقارية في البلاد غير قادرة إدراك الطلب المتزايد للوحدات العقارية.
أعلى ارتفاع
يرى عضو جمعية الاقتصاد السعودية عبدالحميد العمري، أن "السوق العقارية محلياً تقف على أعلى مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية (سكني وتجاري وزراعي وصناعي)، وإن كان السكني الأعلى ارتفاعاً بخاصة في المدن الرئيسة وفي مدينة الرياض تحديداً، التي قفزت فيها الأسعار بمعدلات مضاعفة مقارنة مع بقية المناطق والمدن".
واستطرد بالقول "حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري سجل المتوسط الحقيقي لأسعار الأراضي السكنية ارتفاعاً سنوياً بنسبة 16.1 في المئة، وهو أدنى من الارتفاع الذي سجله خلال الربع الأول من العام نفسه البالغ 19.4 في المئة، وعلى نفس المنوال ارتفع المتوسط الحقيقي لأسعار الفلل السكنية سنوياً بنسبة 6.3 في المئة في حين بلغ متوسط ارتفاعها خلال الربع الأول لعام 2022 11.1 في المئة، وارتفع المتوسط الحقيقي لأسعار الشقق السكنية بنسبة 6.5 في المئة بمعدل سنوي وبلغت نسبة الارتفاع خلال الربع الأول 2022 بنسبة 6.8 في المئة".
وأشار إلى أن "ارتفاعات الأسعار القياسية أظهرت نوعاً من التباطؤ خلال النصف الأول من العام الجاري نتيجة تراجع معدلات نمو الإقراض العقاري للقطاع السكني بعد قفزاتها القياسية طوال الأعوام الماضية، حيث انخفض حجم التمويل الجديد خلال أول خمسة أشهر من العام الجاري بنسبة 26.6 في المئة، وانخفض كذلك عدد العقود الجديدة بنسبة 29.0 في المئة بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، لهذا شهدت مبيعات القطاع السكني بنهاية يونيو (حزيران) الماضي تراجعها الثاني عشر على التوالي نتيجة ارتفاع الأسعار السوقية وتجاوزها كثيراً للقدرة الشرائية لأغلب المستهلكين، حتى مع توافر إمكانية الحصول على التمويل العقاري إضافة إلى الدعم الحكومي اللا محدود".
تسهيلات ضخ القروض
ويرجع العمري السبب في الارتفاعات القياسية التي طالت جميع قطاعات السوق وفي مقدمتها القطاع السكني بالدرجة الأولى إلى تسهيلات ضخ القروض العقارية السكنية، وقال "تعد تسهيلات القروض البنكية العامل الأهم الذي رفع كثيراً من حجم الطلب مقابل محدودية تأثير العوامل المؤثرة في العرض من رسوم الأراضي وخلافه التي جاءت أدنى بكثير من حجم التشوهات وقوة المضاربات على الأراضي بخاصة في أطراف المدن الرئيسة".
وتوقع أن يستمر ما يشبه الركود على أداء السوق خلال الأشهر القليلة المقبلة نتيجة اندفاع البنك المركزي السعودي نحو رفع معدل الفائدة على الريال السعودي، التي تقف اليوم على أعلى من 3 أضعاف مستواها مقارنة مع بداية العام الجاري.
وأضاف "أن الائتمان العقاري لعب دوراً رئيساً في زيادة نشاط السوق العقارية وارتفاع الأسعار بمعدلات قياسية غير مسبوقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واستطرد بالقول "لا شك أن ارتفاع تكلفة الحصول عليه وتراجعه المستمر ستكون له آثار عكسية في نشاط السوق والأسعار، وقد لا يظهر التأثير في مستويات الأسعار المرتفعة إلا مع الربع الأول من العام المقبل وما سيليه من فترات، بمعنى أن الأسعار قد تشهد ثباتاً واستقراراً طوال ما تبقى من العام الجاري".
الاحتكار سبب
وفي سياق متصل يرى المتخصص في سوق العقارات عايد الهرفي، أن احتكار المطورين العقاريين إضافة إلى نقص في خبرات بعضهم أسهم في اتساع الفجوة بين العرض والطلب في هذه السوق. مطالباً في الوقت ذاته بدخول شركات الاستثمار العقاري الأجنبية للبلاد، وقال "إن السماح بدخول المستثمر الأجنبي للسوق المحلية إيجابي في الوقت الراهن وسيفتح باب التنافس ويكسر الاحتكار الحالي، لا سيما وأن البلاد شهدت قبل 40 سنة إنشاء مشاريع سكنية من قبل مستثمرين أجانب لا تزال بجودة عالية لليوم على الرغم من مرور أربعة عقود على إنشائها".
واستدرك بالقول "إن بعض من المطورين العقاريين تنقصهم الخبرة المطلوبة لتنفيذ المشاريع الكبيرة والعملاقة لا سيما السكنية في البلاد، مما أسهم في تعثر بعضها ولو كانت تمتلك بعض تلك الشركات الكفاءة المطلوبة لم تشهد هذا الارتفاع في الأسعار بسبب قلة المعروض من المنتجات السكنية".
مخططات جديدة
من جانبه يرى المتخصص في الشأن العقاري عبدالله البلوي، أن هناك أسباباً أخرى بخلاف تعثر مشاريع الإسكان وقلة المعروض من الوحدات السكنية المخصصة للبيع، منها ارتفاع أسعار مواد البناء وعدم وجود مخططات جديدة لتوسع المدن وعدم وصول خدمات البنية التحتية للبعض منها".
ونوه في الوقت ذاته إلى أن إزالة الأحياء العشوائية في مدينة جدة لعب دوراً في ارتفاع أسعار العقارات والإيجارات في الوقت الراهن.
حلول في اتجاهين
وفي السياق ذاته يرى الهرفي أن الإشكاليات الموجودة في السوق العقارية اليوم ليست معقدة، بل يمكن حلها مع تضافر الجهود وجميع الجهات سواء القطاعات الحكومية والخاصة.
وأشار إلى أن الحلول تكمن في معالجة الأسباب منها "العمل على تطوير المطور العقاري المحلي والسماح للشركات الأجنبية بالاستثمار في هذا القطاع".
ويرى أنه في حال الحد من "التحليلات غير الواقعية التي يطلقها غير المتخصصين في هذا المجال، فإن ذلك سينعكس بصفته عاملاً مهماً في ضبط الأسعار" مضيفاً "لدينا إشكالية في كثير من التحليلات ونشرها من غير المتخصصين في هذا القطاع، وإطلاق التوصيات وغيرها من المعلومات المغلوطة، مما تسبب في فوضى كبيرة أضرت بالسوق كثيراً".