بدأت ظاهرة تأخير الزواج تأخذ أبعاداً خطيرة بعد أن باتت دائرة العنوسة كما العزوبية تزداد اتساعاً بشكل يؤكد خروج الوضع عن السيطرة، وإن كان البعض يربط الأمر بالأوضاع الاجتماعية، فإن آخرين يرجعونها إلى تغيير فكري ثقافي، في حين يعزو بعضهم الأمر إلى الأسباب نفسية.
الابتعاد عن العادات والتقاليد والموروث الشعبي
ويزداد تنامي ظاهرة العزوف عن الزواج وسط الشباب سنة بعد سنة، بعد أن أصبحت تمس الرجل والمرأة على السواء، ففي حين ارتفع معدل سن الزواج لدى الفتيات إلى الثلاثينيات، لم يعد الفتى يفكر في "الميثاق الغليظ" أصلاً، ما أفرز وضعاً جديداً في تركيبة المجتمع، لا سيما أن المتفق عليه بين معظم أفراد هذا العالم هو "فقدان الزواج لمعناه المقدس".
تراجع قيم الأسرة ودورها الاجتماعي
ويتجه المجتمع إلى الانتقال لمرحلة بعيدة عن العادات والتقاليد والموروث الشعبي، في ظل التنافس على تأخير الزواج، تحت تبريرات مختلفة بعضها واقعي والآخر من أجل الهروب من تكرار طرح أسئلة: متى تتزوج، أو لماذا لم تتزوجي؟ لكن أستاذ علم الاجتماع بن مصطفى دحو رأى أن الأسباب متعددة: سوسيولوجية واقتصادية وشخصية، مضيفاً "نلاحظ في الآونة الأخيرة تراجع قيم الأسرة حتى تقلص حجمها ودورها الاجتماعي والاقتصادي والتربوي إلى جانب ضعف مستوى الدخل وارتفاع الأسعار والغلاء، كما أن لظاهرة البطالة تأثيراً بخاصة إذا كانت الفتاة عاملة والرجل عاطلاً عن العمل"، وأوضح أن التغير الاجتماعي أسهم في العزوف عن الزواج أو تأخيره لا سيما أن المجتمع صار يتقبل وجود علاقات خارج إطار الزواج، إضافة إلى النزعة التحررية لكلا الجنسين، مبرزاً أن هناك عاملاً آخر هو دخول الفتاة إلى الجامعة وإنهاء دراستها في سن متأخرة، ثم الانتقال إلى البحث عن تأمين العمل قبل التفكير في الزواج، يقابله عدم تقدم الشباب للعمل بهدف الحصول على الإعفاء من أداء الخدمة العسكرية، وعليه، فهناك أسباب ذاتية واقتصادية واجتماعية من دون إغفال أزمة السكن.
تضارب الأرقام بين الرسمي والشعبي
وعلى الرغم من أن الحكومة الجزائرية أكدت أن نسبة الظاهرة تبلغ خمسة في المئة من مجموع السكان، تشير الأرقام إلى 12 مليون امراة عانسة، وأكثر من خمسة ملايين أعزب، وهي حصيلة تفاقم ظاهرة التأخر عن الزواج التي حذرت رئيسة "جمعية نور للمرأة والطفل" دليلة حسين من خطورتها على المجتمع بما يهدد البناء الاجتماعي بالانهيار والزوال ما لم تتخذ إجراءات سريعة توضع على طاولة النقاش لدى الهيئات الخاصة والعامة، موضحة أن التغيير الاجتماعي في تركيبة المجتمع عبر تغيّر نمط الأسرة من النمط التقليدي المتشكل من الأسرة الممتدة إلى النمط الحديث ممثلاً في الأسرة النواتية، أدى إلى تغيّر معايير الزواج وتشكيل الأسرة لدى الشباب، وشددت على أن الاستقلال المادي للمرأة مقابل بطالة الرجل ساهما بشكل كبير في انتشار الظاهرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وترى وزارة الصحة والسكان أن متوسط سنّ الزواج بات يتراوح بين 29 و30 عاماً بالنسبة للنساء، وحوالى 33.5 عام بالنسبة للرجال، وهو ما ساهم في رفع نسبة العنوسة إلى الرقم المعلن وهو خمسة في المئة، ومع احتساب نسبة النمو الديموغرافي، فإن الفارق يتمثل في 100 ألف امرأة خارج العملية، غير أن الوزارة استدركت وطمأنت الجميع بأن النسبة لن ترتفع أكثر مستقبلاً بسبب ازدياد عدد المواليد الذكور في المدة الأخيرة، ما سيساهم في التقليل من ظاهرة العنوسة لاحقاً.
العلاقات الافتراضية العابرة
إلى ذلك، اعتبرت الحقوقية سامية هميسي أنه منذ قرابة 20 سنة أو أكثر تغيرت النظرة للزواج وفكرة تكوين أسرة بالنسبة للعديد من الشباب سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، ويرجع ذلك لأسباب مختلفة منها ما يتعلق بشخصية الشاب أو بالظروف المحيطة به، أو بالدافع للفكرة بحد ذاتها، مشيرة إلى أن الظاهرة لا تخصّ الجزائر وحدها ولكن كل دول العالم ولا سيما العالم العربي، وقالت إنه، مع كثرة وسائل التواصل الاجتماعي، استسهل الشباب العلاقات الافتراضية العابرة، ما أحدث لديهم نوعاً من الإشباع العاطفي، وباتوا لا يفكرون في الزواج، ومن جهة أخرى، فإن الأسباب الاقتصادية التي خلّفت تراجعاً في الدخل الفردي، أدت بدورها إلى غلاء المهور وصعّبت من مهمة الحصول على سكن، مضيفة أيضاً أن العولمة أثرت سلباً على المجتمع، إذ أصبحت المرأة تظنّ أن يمكنها أن تكون "نداً للندّ" مع الرجل في مجالات الحياة كافة، وبما أنها عاملة، فهي لا تحتاج لوجوده بحياتها.