في مايو (أيار) 2014، نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية خبر "لقي سبعة أشخاص مصرعهم في إطلاق نار بالقرب من حرم جامعي في ولاية كاليفورنيا"، في ما وصفته السلطات بـ "القتل الجماعي مع سبق الإصرار والترصد". ونقلت أن مطلق النار كان من بين الضحايا. إيليوت رودجر (22 سنة) مطلق النار في حادثة كاليفورنيا، تحول إلى بطل بعد حادثة دهس جماعية، ولكن هذه المرة في مدينة تورنتو الكندية عام 2018، حيث كان قد نشر مرتكب الحادثة التي أدت إلى مقتل 10 أشخاص وإصابة 14 آخرين، على حسابه الشخصي على موقع "فيسبوك"، رسالة مبهمة أشار فيها إلى قاتل أميركي آخر، ربطت "ذي غارديان" حينها بين الشخصين وقالت إن "المنشور المكتوب أشار إلى القاتل إليوت رودجر، الذي قتل 6 وأصاب 13 شخصاً آخرين في إطلاق نار في مدينة إيسلافيستا في ولاية كاليفورنيا الأميركية". ويقول منشور أليك ميناسيان، مرتكب حادثة تورنتو "لقد بدأت ثورة الإنسيل، سنطيح بكل تشاد وكل ستايسي"، وهي لغة دارجة ضمن الحركة المعروفة باسم INCEL، وحذف حساب ميناسيان منذ ذلك الحين.
ما هي حركة "إنسيل" أو INCEL؟
كلمة "Incel" هي اختصار لكلمتي "Involuntary Celibate" وغالبية من يحملون ذلك الوصف هم من الذكور تقريباً. وهي حركة من كارهي النساء ممن يشعرون برفض النساء لهم، ويتّهمونهن باحتقار الرجال والتلاعب بهم، وبعضهم يشجع مهاجمة النساء، بحيث يتحوّل الإحباط الجنسي الذي يعانون منه أساساً لثقافة فرعية كارهة بشدة للنساء على الإنترنت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوصف الشخص الذي يحمل صفة "إنسيل" بأنه "لا يمكنه ممارسة الجنس على الرغم من رغبته بذلك". وبهذا فهو محروم من لذة العلاقات. وفي لغة تلك الثقافة، يطلق على الرجال الذين يمارسون الجنس مع النساء اسم "تشاد"، وعلى النساء الجذابات اسم "ستايسي". لكن البداية كانت مع امرأة كندية تدعى ألانا، وتعمل مستشارة إدارية. وفي حوار صحافي سابق، صرحت بأن الفكرة تولدت لديها عام 1993 عندما لم تستطِع ممارسة الجنس مع صديقها، وأرجعت ذلك إلى مظهرها ووزنها الزائد وإصابتها بالأكزيما، إضافة إلى أنها كانت بالأساس "ثنائية الجنس".
وفي جامعة "كارلتون" الكندية التي كانت تدرس فيها، توافرت لديها إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وكان من المفترض أن تبرمج إحصاء، لكنها فضّلت أن تنشئ موقعاً بسيطاً يجمع الأشخاص الذين يفتقدون إلى وجود شريك في حياتهم، ولا تتوافر لديهم فرصة ممارسة الجنس. في ما بعد، حدث تحول في حياة ألانا استمدت منه اسم الموقع الحالي، فبعدما انتهت علاقتها المثلية في سن الرابعة والعشرين نتيجة رغبة المرأة التي كانت مرتبطة بها، أخذت تفكر في ما حدث، ثم ظهر في ذهنها الاسم الجديد لموقعها وهو "عزوبية لا إرادية".
فشل العلاقات العاطفية هو السبب
بحسب المعلومات المتوافرة على الإنترنت، يبدو أن "إينسيل" هم الأشخاص الذين أصبحوا عزاباً رغماً عنهم ذكوراً كانوا أو إناثاً، إما لأنهم لا يجدون شخصاً آخر جذاباً أو بسبب أنهم لا يمكنهم أن يجذبوا شخصاً على ممارسة الجنس معهم أو للدخول في علاقة غرامية، وكل شخص لا يستطيع الدخول في علاقة غرامية أو جنسية لمدة تزيد على الستة أشهر كاملة شرط أن يتجاوز الشخص عمر 21 سنة. وهذا ما يجعل الفرد في غاية الإحباط، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب والغضب. وفي الحالات القصوى يمكن أن يؤدي إلى حالات من الاغتصاب أو غيرها من أشكال الاعتداء الجنسي. وبالنسبة إلى النساء، ربما يسفر ذلك عن القيام بنشاطات جنسية مقابل المال كتعاطي البغاء أو غيرها. ويستخدم من يصفون أنفسهم بذلك الوصف على الإنترنت للعثور على الدعم، وتطوير أيديولوجيا جوهرها أن العالم الحديث متحيّز ومليء بالعقبات أمام الرجال الخُرق غير الجذابين متبايني الجنس.
كره النساء يجمعهم
يلوم هؤلاء الأشخاص الذين لا توجد لديهم فرصة ممارسة الجنس النساء لعدم موافقتهن على ممارسة الجنس أو الدخول في علاقات معهم، وغالباً ما يهاجمون الأشخاص المدافعين عن النسوية والنساء بشكل عام. ويمتد الأمر في بعض الأحيان إلى تقديم اقتراحات عنيفة، مثل السماح للرجال بالاغتصاب أو الاعتداء الجنسي على النساء. ومعظم أفراد مجتمع "الإنسيل" هم من الذكور، إذ يؤكدون أنه متاح للمرأة ممارسة الجنس بسهولة مثلما الحال مع الرجال مثليي الجنس، لذلك تمتلئ نقاشاتهم ومجموعاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي بكراهية النساء، وتختلف الأشكال التي ينتهجونها للتمرد على الواقع الذي يعيشونه، لكنه يظل وسيلة للانتقام من الأشخاص الذين تمكّنوا من الاستمتاع بعلاقاتهم الجنسية والرومانسية، بينما بقوا هم في عزوبية طويلة، ولم يحظوا بالفرصة ذاتها. ويجادل الموقع بأن المجتمع مصمم بحيث يحظى بعض الرجال بشركاء جنسيين عدة، بينما لا يحظى غيرهم بأي شركاء على الإطلاق، ويمكن للنساء اختيار من يُردن من الرجال، في ما يوصَف عادة بـ"سوق الجنس". ويدعم هذه النظريات سوء فهم لنظريات التطور وعلم النفس وعلم الوراثة. وفي جوهرها معتقد بأن حرمان الرجال من ممارسة الجنس هو ظلم.
وما يدعم هذه التوجهات بعض تصرفات المنتسبين إلى الجماعة، مثلاً قام الشاب إيليوت رودجر وقبل أن يرتكب حادثة كاليفورنيا وينتحر من بعدها بنشر مقطع فيديو على موقع "يوتيوب" وأرسل بالبريد الإلكتروني وثيقة سيرة ذاتية مطولة إلى قرابة عشرين شخصاً يعرفهم كما إلى والديه ومعالجه النفسي، الذي كان يتابع معه جلسات علاجه من المرض الذي شُخّص به في طفولته، وهو متلازمة "أسبرغر" التي تُعدّ شكلاً من أشكال التوحد، وتؤثر في المصاب بها وفي طريقة فهمه للآخرين وتفاعله معهم، ويفصّل رودجر عالمه المشوه في تلك الرسالة، ويصف نفسه بأنه "الرجل المثالي الرائع" ولم يستطِع فهم سبب عدم رغبة النساء بممارسة الجنس معه. وفي مقطع الفيديو، يجلس رودجر في سيارة "بي إم دبليو" أعطتها له عائلته ويشتكي بأنه لا يزال "عذراء" في الثانية والعشرين من عمره، قائلاً إنه "لم يقبّل فتاة قط". ويبرّر رودجر جريمة القتل الجماعية التي ارتكبها بأنها انتقام لرفض النساء له، وحقيقة أنه لم يمارس الجنس بعد على الرغم من وصوله إلى عمر 22 سنة.
حظر "إنسيل" عن الإنترنت
مع هذا، نظر بعض أفراد ذلك المجتمع إلى رودجر كبطل، وجعلوه زعيماً صورياً ساخراً إلى حد ما للنموذج الأولي لانتفاضة "الإنسيل"، التي سينهض فيها الرجال الذين لا يحظون بعلاقات جنسية في ثورة مسلحة ضد كل النساء الجذابات والرجال الذين يحظون بالجنس معهن، وبعض من يفكرون بهذه العقلية يقررون ارتكاب جرائم عنف بشعة انطلاقاً منها. واتجه أعضاء "عزوبية لا إرادية" إلى إقامة مجتمع لهم في الواقع الافتراضي، تحديداً في موقع "ريديت" الشهير للتواصل الاجتماعي، وظل مجتمعهم الإلكتروني الذي غلب عليه الرجال الداعون لكراهية النساء يعمل حتى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، فقد اضطرت إدارة "ريديت" إلى حظرهم من المشاركة لتعليقاتهم المتجاوزة.
وصل عدد أفراد مجتمع "الإنسيل" في "ريديت" إلى 40 ألف شخص، أقاموا مجموعتهم بهدف دعم الأشخاص الذين يفتقدون العلاقات الرومانسية وممارسة الجنس. وحملت مشاركاتهم الأكثر شعبية عناوين مثل "أدلة على أن النساء مخلوقات حقيرة تستغل الرجال"، و"الأسباب التي تجعل النساء تجسّد الشر على الأرض". وفي أحد المواضيع، صرّح أحد الأعضاء بدعوته للعنف، قائلاً، "يجب ألا تكون عنيفاً بشكل دائم، لكن تحتاج إلى وضع استراتيجية للمعاقبة تجعل المرأة في خوف دائم على حياتها، لذلك قتل النساء ليس هو الحل، فأنا أفضّل الاعتداء برشّ الحمض عليهن عن القتل الجماعي".