خرج علينا الأسبوع الماضي في الكويت بيان يدين زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة ويرفض علاقات السلام مع إسرائيل، كما يرفض ما سمّاه بـ"الناتو العربي" ويحذر من الدخول فيه ويطالب باتباع سياسة حياد تجاهه.
وقعت البيان تنظيمات تتشكل من مجموعة أشخاص بعضها معروف بمواقفه الوطنية ونشاطه في العمل السياسي العام، وبعضها غير معروف ولا وجود حقيقي له سوى في توقيع البيانات من باب "نحن هنا"، لكن أهم قوتين حقيقيتين في الشارع السياسي الكويتي وقعتا على البيان هما تنظيم الإخوان المسلمين و"حزب الله" الكويتي.
وقبل التعليق على هذا البيان لا بد من تأكيد مسألتين، الأولى قناعة، والثانية حقيقة معلنة. القناعة أن علاقات السلام نتيجة وليست سياسة، ولن يكون هناك سلام حقيقي مع إسرائيل ما لم تتوافر الأوضاع الطبيعية للعلاقة معها، وهي إقرار حق الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره وإنهاء الاستيلاء على أرضه، وأن ما يتم من علاقات مع إسرائيل اليوم يمكن أن يتم على المستويات الرسمية ولن يتحقق على المستويات الشعبية إلا بإقرار حقوق الشعب الفلسطيني، فالفلسطينيون أنفسهم على المستوى الرسمي وقعوا اعترافات واتفاقات مع إسرائيل وينسقون معها على جميع المستويات، بما فيها الأمنية، لكن الشعب غير قادر على السلام الحقيقي مع إسرائيل، وإن كان أكثرهم يرغب بذلك.
أما الحقيقة المعلنة، فهي أن زيارة جو بايدن إلى جدة الأسبوع الماضي لم ينتج منها لا "ناتو عربي" ولا هم يحزنون، وقد صرح بذلك وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بالتالي فالبيان قد دخل في باب المزايدات الفارغة التي تفترض غير الموجود وتحارب طواحين الهواء.
برأيي أن الرأي العام الكويتي لم يكترث كثيراً، بل لم ينتبه لهذا البيان، الذي أرى أنه محاولة ضمن استراتيجية الإخوان المسلمين و"حزب الل"ه لعزل الكويت عن محيطها الخليجي ومصيرها المرتبط بالعلاقة العضوية مع دول وشعوب الخليج العربي. والمبرر متكرر القضية الفلسطينية.
وهو المبرر نفسه الذي حاول صدام حسين اتخاذه ذريعة، من بين ذرائع، لتبرير غزوه الكويت واحتلالها عام 1990، وهو المبرر ذاته ضمن مبررات طائفية تستخدمها إيران في تدخلها المدمر في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وذريعة استخدمتها الديكتاتوريات العربية لتبرير قمع شعوبها وقهرها تحت شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يسعى الإخوان و"حزب الله" إلى عزلة الكويت عن محيطها ومعاداة دول الخليج وحلفاء الكويت الغربيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، التي يتمركز 15 ألف جندي من جيشها الذي يرأسه جو بايدن في قاعدة عريفجان، ترجمة لاتفاق حماية بين الكويت والولايات المتحدة، وكان من المنطقي لموقّعي البيان أن يطالبوا برحيل الجيش الأميركي بدلاً من المزايدات الفارغة بحجة رفض علاقات السلام مع الإسرائيليين.
أما أن نصدر بياناً ضد زيارة القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة في بلاده إلى جدة ثم نأكل "المجبوس" وننام بالكويت تحت التكييف الذي صنع في بلاده وتحت حماية جنوده، ففي ذلك "جمبزة" سياسية و"عنطزة" خطابية، بل وأكبر دليل على أن الهدف من مثل هذا البيان لدى الإخوان و"حزب الله" هو عزلة الكويت عن محيطها الخليجي لا فلسطين ولا هم يحزنون.
لا يختلف مراقبان على الدور الدبلوماسي الحيادي الكويتي لحل مشكلات في لبنان واليمن بل وحتى داخل البيت الخليجي نفسه، ولكن الحياد شيء والانعزال عن المحيط الخليجي شيء آخر، فالحياد عن دول الخليج يعني العزلة والانعزال، بالتالي تعريض أمن الكويت الاستراتيجي للأخطار المحدقة والمحيطة وما أكثرها. وقد "كفانا ما جانا" باسم فلسطين عام تسعين.
وقد قلت رأيا، ودمتم.