ربما لدى هوليوود عادة قديمة وتاريخية من اصطدام المخرجين أصحاب الرؤى بالمنتجين الذين يتدخلون في أعمالهم، لكن رالف باكشي يود أن يوضح أنه ليس من بين أولئك. يقول رائد الرسوم المتحركة المستقلة البالغ من العمر 83 سنة خلال حديثه عبر الهاتف من منزله الكائن "فوق قمة جبلية" في نيو مكسيكو: "لم أقم بلَكْمِ فرانك مانكوسو جونيور على الإطلاق... كانت تلك إشاعة لا أكثر. لقد صرخت في وجهه عدة مرات، لكن الخطأ لم يكن خطأه. أنا أحب فرانك. لم ألكمه قط. هل يمكنك تصويب تلك القصة؟"
قبل ثلاثين عاماً، كانت الجهود المشتركة لـ باكشي ومانكوسو جونيور وراء إطلاق فيلم “عالم رائع” Cool World في دور السينما. كان مزيجاً جامحاً وغريباً ومخرِّباً من التمثيل الحي والرسوم المتحركة حول رسام كاريكاتير خارج عن المألوف يقوم بممارسة الجنس مع إحدى الشخصيات التي ابتكرها فيقلب العالم رأساً على عقب.
هذا العمل الذي صدر بعد أربع سنوات من النجاح الباهر لفيلم “من ورّط الأرنب روجر” Who Framed Roger Rabbit ويضم فريق ممثليه أسماء من بينها براد بيت وكيم بيسينغر وغابرييل بيرن، وأدى فيلم “عالم رائع” إلى صدمة وإثارة الجمهور البالغ. قال بيت لمجلة “ديتيلز” في عام 1992: "إنه مثل روجر رابيت لكن بصورة مبالغ فيها. إنه أكثر تعقيداً. فيه روح القصص المصورة غير المألوفة".
لكن الفيلم لم يصل أبداً إلى هذا الطموح، بسبب رحلة إنتاج مؤلمة ورؤى منافسة غير متوافقة، كما تلقى انتقادات شديدة، إذ وصفه روجر إيبرت بأنه "فيلم غير كفء بشكل مدهش"، وحصل على تقييم ضئيل جداً بنسبة 4 في المئة فقط عبر موقع المراجعات الجماهيري “روتن توماتوز”. أما في شباك التذاكر، فغرق “عالم رائع” مثل مرساة في أفلام الرسوم المتحركة، حيث استرد فقط نصف ميزانيته البالغة 28 مليون دولار.
بالنسبة لـ باكشي، كانت تلك هي اللحظة التي علم فيها أن مشواره مع هوليوود قد انتهى. بدأت مسيرته المهنية قبل عقدين من الزمن في عام 1972 مع فيلم “القط فريتز” Fritz the Cat، وهو أول فيلم كرتوني في التاريخ مصنف للبالغين فقط، استناداً إلى قصة مصورة غير مألوفة لـ روبرت كرامب، يروي فريتز قصة قط مدخن يعيش في الأزقة ويعشق النساء، يتسرب من المدرسة ويبدأ عن غير قصد أعمال شغب عرقية ويتحول إلى ثوري يساري في نهاية المطاف.
حقق الفيلم نجاحاً كبيراً، إذ بلغ إجمالي أرباحه 90 مليون دولار مقابل ميزانية قدرها 700 ألف دولار فقط، وأحدث ثورة في عالم الرسوم المتحركة الذي تهيمن عليه ديزني. استمرت حكاية فريتز الغريبة في التأثير وإلهام أجيال من الرسوم المتحركة الموجهة للكبار مثل “آل سمبسون” The Simpsons و”ساوث بارك” South Park و “ريك آند مورتي” Rick and Morty. يقول باكشي: "الشيء العظيم في فريتز برأيي هو أنه كان التدمير الشامل للمفهوم الذي كان يمتلكه الجميع للرسوم المتحركة... كان العمل يدور حول الواقع وليس الخيال. كنا نستخدم الرسوم المتحركة كشكل من أشكال الفن".
سمح نجاح فريتز لـ باكشي بقضاء معظم حياته المهنية بتشغيل شركته الخاصة للإنتاج (باكشي بروداكشنز)، التي شهدت قيامه بصناعة أفلام متحركة رائدة مثل “ازدحام مروري شديد” Heavy Traffic المنتج عام 1973 ويروي تقريباً سيرته الذاتية، ونسخته التي أنتجها عام 1978 من “سيد الخواتم” The Lord of the Rings وهي المعالجة السينمائية الأولى لسلسلة الكتب الملحمية. قدمت نسخة باكشي المواهب الصوتية لـ جون هيرت وأنتوني دانييلز الذي أدى صوتياً شخصية C-3PO في سلسلة “حرب النجوم” Star Wars، وكان لها فضل رئيس على المؤثرات البصرية في أفلام الحركة الحية التي أخرجها بيتر جاكسون في نهاية المطاف.
عندما يتعلق الأمر بـ “عالم رائع”، قرر باكشي أن الوقت قد حان لبدء علاقة مع شركة إنتاج كبيرة. يقول مطلقاً ضحكة مستنكرة لتصرفه: "ذهبت إلى باراماونت لأصبح مخرجاً كبيراً... كنت أرغب في الحصول على المال الوفير مثل الأسماء الكبيرة. كان [فرانسيس فورد] كوبولا صديقي، و[مارتن] سكورسيزي صديقي، وكان هذان الرجلان يحصلان على الملايين بينما كنت أتقاضى مليوناً واحداً مقابل فيلم كامل. كنت أرغب في الحصول على ما يحصلان عليه، لكنني نسيت تماماً أنني كنت فناناً، وأعترف أنني تعاملت مع روعة [كوني مستقلاً] كتحصيل حاصل حقاً".
خلال أحد الاجتماعات التي لا تُنسى بشكل خاص في باراماونت، عرض باكشي فكرته لفيلم رعب للبالغين حول رسام كاريكاتير غير مألوف يمارس الجنس مع إحدى الشخصيات التي يبتكرها، ما يؤدي إلى ولادة طفل. يشرح باكشي تصوره الأصلي لـ “عالم رائع”: "كان الطفل غريباً جداً ومنحرفاً جداً... من الناحية البصرية، المفروض أن يكون الطفل نصف رسوم متحركة ونصف فنان حي. لم أكن أعرف كيف سأقوم بذلك، لكنني كنت سأحاول". سرعان ما أعجب بالفكرة مانكوسو جونيور، نجل رئيس باراماونت ومديرها التنفيذي فرانك مانكوسو الأب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول باكشي: "كان والده يدير الشركة بأكملها، لذلك حصل على ما يريد... قلت لنفسي “حسناً، هذا جيد [مثل تشغيل شركتي الخاصة] تقريباً”. لكن ما لم أدركه أبداً هو أن القول الفصل في الشؤون الإبداعية يرجع إلى الاستوديو والمنتجين. بصفتك مديراً، فأنت في الغالب مدير إنتاج [ما] يؤدي إلى حصولهم على ما يريدون!"، يضحك ضحكة حزينة ويضيف: "لقد احتجت إلى بعض الوقت لفهم ذلك. اعتدت أن أغضب وأضرب الحائط، لكنني كنت أصغر سناً بكثير في ذلك الوقت. تمت إعادة كتابة النص، وهو أمر من حق المنتج. تمت إعادة كتابته [بواسطة كاتب السيناريو لاري غروس] ليكون ألطف بكثير، وموجهاً لشريحة عمرية أصغر".
بالإضافة إلى التغييرات في النص، كانت هناك أيضاً خلافات حول اختيار الممثلين. كان باكشي مصمماً على إشراك شخص كان غير معروف نسبياً حينها يدعى براد بيت. يقول باكشي: "لم تكن الشركة المنتجة تريده، ولم تكن تعرفه... قالوا إن كنت أريد براد بيت فعندئذ سأضطر إلى إشراك كيم بيسينغر، وهي امرأة جميلة لكن سنها صغيرة للقيام بهذا الدور. ما رأيته كان فتاة، في سن العشرين تقريباً، وتجيد الرقص. ثم اقترحوا غابرييل بيرن. أنا أحب غابرييل لكنه أيضاً كان أكبر بقليل من أن يلعب دور رسام كاريكاتير أمريكي خارج عن المألوف. أنا فنان غير تقليدي، وكانت أعمارنا جميعاً تتراوح بين 20 و 25 سنة عندما صنعنا فريتز. بالإضافة إلى أن “حرب النجوم” كان موجوداً. أحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول المخرجين الأصغر سناً - أنا و[جورج] لوكاس وسكورسيزي، هو أننا كنا نرى الممثلين أصغر بكثير مما كانت تراه هوليوود. لقد رأتهم أكبر سناً وأكثر نضجاً، ضمن النظرة التقليدية للنجوم".
ولكن حتى الموهبة الراسخة لاقت صعوبات مع السيناريو المنقح الذي لم يكن واثقاً تماماً من القصة التي كان يحاول سردها. يلعب بيت دور فرانك هاريس، جندي عاد إلى لاس فيغاس من الحرب العالمية الثانية في عام 1945 فقط ليعاني على الفور من مأساة، ويجد نفسه ينتقل إلى "عالم رائع"، عالم بديل من الرسوم المتحركة. في ذلك العالم يُعرف باسم "الوافد"، في حين أن سكان العالم المتحرك هم "رسومات عشوائية بسيطة".
تستمر حياته من دون التقدم في السن حتى عام 1992، عندما قام فنان الرسوم المتحركة جاك ديبس الذي يجسده بيرن ويعتقد أنه أنشأ "العالم الرائع" أيضاً برحلة بين العوالم. ثم يعمل هاريس لصالح الشرطة في العالم الرائع، لتطبيق القانون الحقيقي الوحيد في المكان: "لا يمارس الوافدون الجنس مع الرسومات العشوائية البسيطة". ومع ذلك، فإن أفضل جهود هاريس لا يمكن أن تمنع ديبس من العناق الخطير مع هولي وود الفاتنة التي تجسدها بيسينغر. تترتب على ذلك كارثة، ويتم إطلاق العنان لأفواج من الرسومات العشوائية الفاسدة في فيغاس الواقعية. قال بيت في ذلك الوقت، وهو يبذل قصارى جهده لشرح مقدمة الفيلم: "أعلم أن هذا يبدو جنونياً... لقد بدا مجنوناً بالنسبة لي أيضاً".
في حين أن الحبكة التي عرضت على الشاشة هي عبارة عن فوضى لا يمكن إنكارها، لا يزال هناك كثير من العناصر التي تجعل “عالم رائع” مدهشاً ويستحق المشاهدة. تم إحياء رؤية باكشي السوداوية والبائسة للعالم الرائع نفسه على شكل خلفيات فخمة وكابوسية تمثل أعمالاً فنية حقيقية، ما يحقق حلم باكشي في إنشاء "لوحة فنية حية". وفي الوقت نفسه، غالباً ما تقوم الرسوم المتحركة الملتوية الرائعة الأمامية بملء الشاشة، بينما ترتبط بشكل بسيط بما يحدث بالفعل في القصة. يقول باكشي: "كنت أستخف بالفيلم، لكن ليس بعد الآن... يحتوي “عالم رائع” على بعض من أفضل الرسوم المتحركة التي قمت بها على الإطلاق".
بحلول وقت إصدار الفيلم في 10 يوليو (تموز) عام 1992، كان باكشي يعلم أنه انتهى من صناعة الأفلام. لقد شعر بالفعل بأنه استنزف قبل “عالم رائع”، ولهذا السبب أراد التعاون مع باراموانت في المقام الأول. يوضح قائلاً: "أردت أن تحميني الشركة... قالت “حسناً، سنحميك، لكن عليك أن تتعاون ...”أنا أكره التعاون!" يطلق ضحكة منخفضة: "إذا كنت فناناً، فأنت لا تتعاون! الآن فهمت ما كان يقوله مارتي [سكورسيزي]. اعتدت الذهاب إلى منزل مارتي في الليل وكان يتحدث عن التحكم في النص، ويقضم أظافره لأنه أراد شيئاً ما والشركة أردات شيئاً آخر".
قرر باكشي، الذي صنع اسمه بسبب رؤيته التي لا يتنازل عنها، أن عمله مع الآخرين قد وصل إلى نهايته. يقول عن قراره بالانتقال إلى نيو مكسيكو والتركيز على الفن التشكيلي والرسوم المصورة: "ببساطة كنت دائماً مجرد رسام كاريكاتير... لم أولد لأكون مخرجاً، لذلك عدت إلى الوطن لأكون رسام كاريكاتير. قلت لنفسي “اللعنة! لم أعد بحاجة إلى هذا بعد الآن”. كل الحفلات والصخب كانوا بعيدين جداً، لذا تخليت عن كل شيء ولم أصنع أي فيلم منذ ذلك الحين".
فيلم “عالم رائع” متاح للمشاهدة عبر منصتي أمازون يوتيوب، وستصدر نسخة خاصة من الفيلم على أقراص بلو راي في 13 سبتمبر (أيلول).
© The Independent