دونالد ترمب يجمع المناصب التالية: عملاق قطاع العقارات ونجم تلفزيون الواقع، ورئيس الولايات المتحدة الأميركية، واليوم صار مدافع عن القيم الإنسانية. فالرئيس الأميركي أعلن أنه يلغي الضربات الجوية على إيران، إثر إبلاغه أن 150 شخصاً قد يسقطون ضحيتها. وهذا بعد إسقاط طائرة تجسس درون أميركية فوق المياه الإيرانية، وبعد اتهام الحكومة الإيرانية بالوقوف وراء الهجوم على ناقلتي نفط في خليج عمان الأسبوع الماضي.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى تحقيق دولي، في وقت لجأ ترمب على الفور إلى منابر التواصل الاجتماعي الأثيرة على قلبه لتهديد هذه الأمة الواقعة في غرب آسيا.
وعلى الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين واشنطن وطهران منذ أزمة الرهائن في إيران عام 1979، تفاقم التوتر بينهما منذ انسحاب ترمب من الاتفاق النووي مع إيران، الذي نجح في إبرامه الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وأعضاء مجلس الأمن الثابتين، الصين وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
وكانت رسائل ترمب في الآونة الأخيرة إلى إيران عدائية. ولكن في نهاية المطاف يبدو أن ثمة من أقنعه بأن شن حرب ليس فكرة سديدة. فالجميع سيمنى بالخسارة، على ما قال الدبلوماسي الإيراني في الأمم المتحدة في حوار مع المذيع الأميركي ستيف إنسكيب على أثير الإذاعة العامة الوطنية الأميركية.
والحمد للبارئ أن أحدهم أمكنه أخيراً الفوز بانتباه ترمب الذي يبدو أنه لا يدرك تماماً العواقب التي قد تترتب على خطابه العدائي مع إيران أو مع غيرها من الأمم. فهو على رأس قواتنا المسلحة ويسعه بواسطة تغريدة واحدة أن يتسبب بهبوط الأسواق.
وحريّ بنا ألا ننسَ أن هذا الشخص في وسعه أن يأمر القوات المسلحة الأميركية بإطلاق سلاح نووي، في وقت لا يسع أحد أن يحول دون قيامه بذلك. فالرئيس ترمب يملك ما يسميه بروس بلير، وهو ضابط إطلاق صواريخ نووية سابق، "سلطة محو الحضارة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي سبيل إطلاق صاروخ، لا يحتاج الرئيس الأميركي إلى موافقة وزير الدفاع ولا نائب الرئيس ولا الكونغرس ولا حتى المحكمة العليا. لنفكر في الأمر قليلاً.
فأمام خطاب بومبيو وبولتون المعادي، تتخلى طهران عن سياسة الصبر الاستراتيجي وتوجه رسائل استفزازية إلى الولايات المتحدة. ولم نكن يوماً منذ نهاية الحرب الباردة على مشارف احتمال نزاع نووي مسلح على ما نحن اليوم.
وإثر الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، أحكم عليها ترمب طوق أشد العقوبات التي أقرتها واشنطن في تاريخها، فهي تشمل كل القطاعات من المصارف إلى النفط إلى الطاقة، وتجعل من العسير على الدول الأخرى التعامل التجاري مع إيران، وتخلف آثاراً مدمرة على عامة الإيرانيين.
وفي وقت تؤكد الحكومة الإيرانية في العلن أنها تدافع عن نفسها فحسب، تحمل أعمالها الأسبوع الماضي رسالة من طينة مختلفة. وإلى حد ما، هذا أمر مفهوم. فهي تشعر ألا خيارات أخرى أمامها. فالإيرانيون جاؤوا إلى طاولة المفاوضات والتزموا بالاتفاق إلى آخر لحظة. ولكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق، ولم تسعَ مذ ذاك إلى اتفاق عادل بديل.
وحتى أوباما، مع سجله الرهيب في النزاعات الدولية المسلحة وكلفتها البشرية الباهظة، أدرك قيمة فتح قنوات دبلوماسية مع إيران. وفي ما فعله عبرة لمن يعتبر. وحبذا لو يشرح أحدهم لترمب أهمية المسألة، ويحول دون نقره على الزر الأحمر الكبير، زر إطلاق الصواريخ المدمرة.
© The Independent