بعد جهود حثيثة بذلها الإسرائيليون منذ نحو أسبوع عبر المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، للتوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الحدود المائية المختلف عليها، توصلت الأجهزة الأمنية في تل أبيب إلى قناعة بأن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.
وزادت احتمالات التصعيد العسكري بين إسرائيل ولبنان، ما استدعى اتخاذ قرارات بتكثيف الاستعدادات العسكرية لاحتمال مواجهات منذ اللحظة التي يبدأ فيها ضخ الغاز من حقل "كاريش" وفق الاتفاق الموقع مع الشركة المشرفة على ذلك مع نهاية شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
كان مسؤولون إسرائيليون كبار التقوا مرات عدة مع المبعوث الأميركي في محاولة للتوصل إلى تفاهمات أو اتفاق حول ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وتحديداً مناقشة التعامل مع حقل كاريش، لكن ومن دون رد رسمي إسرائيلي حول المطلب اللبناني لم توافق تل أبيب على المقترح اللبناني الذي يقضي بالتنازل عن كاريش مقابل حقل "قانا".
وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن الاقتراح الأفضل لحل الإشكالية (لغاية الآن) هو التفاهم حول تقاسم كميات الغاز في مناطق مشتركة بين البلدين، غير أن تل أبيب لن تقبل بالتنازل عن حقل "قانا" وفق الاقتراح الذي نقله هوكشتاين من لبنان.
اقتراحات إسرائيلية
أمام التهديدات المستمرة من طرف لبنان والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله بعدم السماح لإسرائيل باستخدام الغاز من المناطق الواقعة تحت السيادة اللبنانية، أي حقل "كاريش"، وفي المقابل استمرار إطلاق طائرات مسيرة من النوعية المتطورة التي تحمل متفجرات باتجاه آبار الغاز، ارتفع القلق الإسرائيلي من احتمال عرقلة أعمال التنقيب عن الغاز إلى أعلى درجاته.
وبحسب ضباط في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فإن الوضع بات أكثر تعقيداً خصوصاً بعد إطلاق الطائرات المسيرة، ما استدعى طرح خطة تبحث سبل نقل الطوافة التي وضعت في المنطقة بعيداً من حقل كاريش، وعن احتمال الاعتداء عليها من قبل طائرات مسيرة أو وسائل أخرى، لكن الأبحاث الأولية تبين أن أي عملية نقل للطوافة تتطلب وقتاً من الزمن كما أن تكاليفها باهظة جداً.
وكان نصر الله قد قال في وقت سابق الشهر الجاري إنه في حال "مُنع لبنان من الاستفادة من ثروته النفطية فإن إسرائيل لن تستطيع استخراج أو بيع الغاز والنفط".
وأطلق "حزب الله" في الثاني من تموز (يوليو) الجاري 3 طائرات مسيرة غير مسلحة تجاه المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل عند حقل كاريش البحري، في حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراضها.
احتمالات التصعيد
على الرغم من قناعة الغالبية في إسرائيل بأن "حزب الله" لن يصمت مع مباشرة ضخ الغاز من حقل كاريش، فإن أصواتاً استخباراتية إسرائيلية ترى أن "حزب الله" لن يبادر إلى تصعيد بسبب الوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، وبحسب تقرير للاستخبارات الإسرائيلية فإن نصر الله "مرتدع" في شأن الحرب، وتصريحاته الأخيرة هي "لعبة مدروسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، وبحسب تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، فإن احتمالات التصعيد متزايدة فـ"عدم التوصل إلى تفاهمات حول النزاع بشأن الغاز جعل خطر التصعيد ملموساً أكثر من أي وقت سابق".
وفي محاولة لمنع تصعيد يبدأ بتدمير منصة حقل "كاريش"، قد يتم تأجيل مباشرة العمل في الحقل إلى حين نقله أو التوصل إلى اتفاق مع لبنان.
مخاطر الاعتداء
على عكس ما هو الوضع في حقل الغاز "لافيتان"، حيث وجود طوافة الإنتاج في منطقة بعيدة من مكان الحقل ومن الشاطئ، فإن التنقيب عن الغاز في كاريش يختلف، فالطوافة ستبقى فوق الحقل في عمق البحر للعشرين سنة المقبلة.
كما أن الطوافة التي أعلن عنها الإسرائيليون هي ليست بالضبط طوافة، ووفق خبراء فهي سفينة إنتاج تموضعت فوق حقل الغاز وألقت بـ12 مرساة التي سيخرج منها مخزون الغاز (نحو 40 مليار متر مكعب) ويتم ضخه في أنبوب إلى طوافة قبالة شاطئ دور القريب من حيفا، بمعنى آخر فهذه الطوافة لن تكون طوافة إنتاج بل مرفأ إنزال أيضاً.
ويتضمن حقل كاريش مادة تسمى كوندنستات (المكثفات)، وهي غاز طبيعي مكثف قابل للاشتعال وناجع تقريباً بمستوى البنزين، ستعمل السفينة على جمعه وكل بضعة أسابيع سترسو إلى جانبها سفينة أخرى تنقل إليها الوقود، ووفق الخبراء الإسرائيليين "ستكون هدفاً هشاً، تقع على مسافة نحو 90 كيلومتراً من شواطئ إسرائيل والدفاع عنها لن يكون سهلاً".
ضعف الدفاع
حتى اللحظة لم تتخذ إسرائيل قراراً بتكثيف الدفاع الجوي عن منصات حقول الغاز، أي نصب منظومات مضادة للطائرات أو الصواريخ، وبحسب وضعية سلاح البحرية توجد لديه سفينة واحدة تم تركيب قبة حديدية بحرية عليها، فيما هناك سفينتا دفاع جديدتان من طراز "ساعر 6" ما زالتا في بداية عملية تركيب المنظومات والقدرات العملياتية وستصبحان عمليتين فقط بعد زمن طويل.
كما حذر تقرير أمني من عدم قدرة إسرائيل على حيازة قبة حديدية دائمة ملاصقة للطوافة، وعليه فإن الدفاع عنها متعلق بقدرة الاستخبارات على الرد على الأخطار بهجوم مخطط، أي إن عدم الكشف عن طائرة مسيرة أو صاروخ يعني تدمير منصة الغاز "كاريش".
تحصين العائق
مع ارتفاع احتمال التصعيد مع لبنان باشر الجيش الإسرائيلي بتنفيذ نشاطات دفاعية عدة بينها تحصين العائق على طول الحدود الشمالية، وإقامة عائق متطور على طول 130 كيلومتراً من رأس الناقورة وحتى المطلة، بكلفة نحو 872 مليون دولار وسيستغرق بناؤه نحو ثلاث سنوات.
واستبعد عسكريون وأمنيون أن تكون لدى الجيش القدرة على صد هجوم بري مفاجئ من قبل "حزب الله"، وعليه اقترح عسكريون "إقامة منظومة نار دائمة ترد بشكل عنيف وقوي باتجاه كل بلدة لبنانية يخرج منها هجوم ضد إسرائيل، على أن تخلق مثل هذه القوة معادلة ردع تدفع حزب الله إلى التردد في تنفيذ أي هجوم ضد إسرائيل".