بدأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الثلاثاء 26 يوليو (تموز)، زيارة إلى اليونان بعد شهر من زيارته أنقرة، في إطار مد الجسور وتوطيد العلاقات مع مختلف الدول الأوروبية، وتهدف الزيارة إلى عقد اتفاقيات عسكرية واقتصادية بين البلدين، بينها ملف تسريع توطين الصناعات العسكرية، ويشمل جدول الزيارة، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية، توقيع الدولتين على اتفاقيات في عدد من المجالات أبرزها الطاقة والتعاون العسكري والنقل البحري التي وافق مجلس الوزراء السعودي عليها مطلع الشهر الحالي، إضافة إلى تعاون في مجال الاتصالات يربط أوروبا بآسيا حيث تقوم شركة "مينا هاب" بتطوير ممر البيانات من الشرق إلى المتوسط المملوك لشركة الاتصالات السعودية وشركة "تي تي أس أي" اليونانية للاتصالات وتطبيقات الأقمار الاصطناعية، بحسب ما أشارت تقارير صحافية يونانية.
اجتماع ثنائي
وعقد ولي العهد السعودي اجتماعاً ثنائياً مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بقصر مكسيموس في أثينا.
وأبرمت السعودية واليونان اتفاقاً بخصوص مد كابل بيانات تحت البحر يربط أوروبا بآسيا وناقشتا إمكان ربط شبكتي الكهرباء فيهما لتزويد أوروبا بطاقة خضراء أرخص.
وقال الأمير محمد بن سلمان، "(من خلال) ربط شبكة الكهرباء (في البلدين) يمكننا تزويد اليونان وجنوب غربي أوروبا من خلال اليونان بطاقة متجددة أرخص بكثير"، مؤكداً العلاقات التاريخية الوثيقة مع اليونان.
وذكر ولي العهد السعودي أن المملكة ستبحث التعاون مع اليونان في مجال مشروعات الهيدروجين الأخضر.
كما وقع البلدان اتفاقات ثنائية في مجالي الطاقة والتعاون العسكري، ضمن مجالات أخرى.
وأشاد رئيس وزراء اليونان بزيارة الأمير محمد بن سلمان باعتبارها فرصة لإجراء مزيد من المناقشات للتطورات الإقليمية و"كيفية تعزيز هذه العلاقة المهمة بين بلدينا، مع التركيز بشكل خاص على التعاون الاقتصادي".
مشروع كابل للبيانات
ودخلت السعودية واليونان في شراكة استراتيجية ضمن القطاع الخاص في البلدين لبناء مشروع كابل بيانات يربط بين الشرق والغرب، وتهدف الشراكة إلى ضمان الإمداد الرقمي السلس للبيانات في جميع أنحاء العالم في وقت يشهد العالم نمواً في حركة البيانات بأكثر من 30 في المئة.
وبحسب الوكالة السعودية الرسمية (واس) تأتي هذا الشراكةُ من خلال قيادة شركة الاتصالات السعودية (STC) مشروع الخدمات الكهربائية والميكانيكية والاتصالات (EMC) بالشراكة مع شركة الاتصالات اليونانية وشركة الطاقة العامة في اليونان وشركة الاتصالات القبرصية.
ويهدف المشروع بحسب الوكالة، إلى جعل البلدين محطةً رقمية شرقية لأوروبا للوصول إلى الشرق الأوسط وقارات أفريقيا وآسيا، ويأتي الكابل البحري كجزء من خطة التحول الرقمي الاستراتيجية لجمهورية اليونان.
يسهم المشروع في حال اكتماله في تسريع نمو الاقتصاد الرقمي العالمي الذي يُقدر أن يصل إلى 15 تريليون دولار
وسيسهم المشروع في حال اكتماله في تسريع نمو الاقتصاد الرقمي العالمي الذي يُقدر أن يصل إلى 15 تريليون دولار، إضافة إلى دعم الصناعات الجديدة والأسواق الجديدة القائمة على نماذج الأعمال المبتكرة.
ولفتت الوكالة إلى أنَّ الوضع الجغرافي للسعودية وامتلاكها العديد من المنافذ، يؤهلها أن تكون مركز جذبٍ للاقتصاد والاستثمار الرقميين، حيث يمر عن طريقها نحو 10 في المئة من السعات العالمية للكوابل البحرية.
توسيع حجم التعاون العسكري بين الرياض وأثينا
ستشمل محادثات الجانبين تطورات الحرب الروسية- الأوكرانية وتداعياتها العالمية، خصوصاً على صعيد الطاقة والغذاء ومسار مفاوضات الملف النووي الإيراني والجهود المبذولة لتمديد الهدنة الإنسانية في اليمن للتوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة اليمنية استناداً إلى المرجعيات الثلاث الممثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما فيها القرار 2216 وتكثيف التعاون في مكافحة الجريمة والإرهاب الدولي بجميع أشكاله.
وأكدت وكالة الأنباء الألمانية أن هناك رغبة مشتركة لدى البلدين على توسيع حجم التعاون العسكري بين الرياض وأثينا بخاصة بعد قرار الأخيرة في سبتمبر (أيلول) 2021 إرسال منظومة صواريخ "باتريوت" إلى السعودية على سبيل الإعارة وقوات يونانية محدودة تابعة للجناح القتالي 114 يبلغ عددها 120 جندياً، بموجب اتفاق جرى توقيعه بين البلدين في أبريل (نيسان) 2021، للعمل على هذه المعدات تزامناً مع سحب الولايات المتحدة أنظمة صواريخ ومعدات وجنود من السعودية ومناطق بالشرق الأوسط.
وبدأت المحادثات حول توفير أثينا نظام دفاع جوي للرياض في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 وتحديداً بعد شهر من استهداف منشآت تابعة لشركة "أرامكو" في 14 سبتمبر 2019 بمنطقتي بقيق وخريص في المنطقة الشرقية السعودية وانطلقت "إما من الأراضي الإيرانية أو العراقية"، وفقاً للمتحدث العسكري باسم التحالف آنذاك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
علاقات وطيدة
ترجع العلاقة بين السعودية واليونان إلى إنشاء الرياض الحديثة في سبعينيات القرن الماضي، إذ احتاجت العاصمة سريعة النمو إلى مخطط الرئيس، فاستدعت السعودية المهندس المعماري ومخطط المدينة كونستانتينوس أبوستوديس، الذي عمل بالعديد من المشاريع في موطنه اليونان.
قدّم أبوستوديس فكرة نظام الشبكة على النمط الأميركي، الذي لا يزال أثره واضحاً في منشآت العاصمة. ومن منظور تاريخي، فإن الرابطة بين البلدين تمتد إلى العلاقة القديمة بين اليونان والعرب، إذ لا يزال متحف الآثار التاريخي بالرياض يحتفظ بعملات يونانية يزيد عمرها على 2000 عام.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية "واس"، ترتبط السعودية وجمهورية اليونان بعلاقات تاريخية وثيقة مبنية على أسس راسخة من الاحترام والقيم المشتركة، وتجمع البلدين علاقات اقتصادية وتجارية قوية جعلت اليونان أحد الشركاء التجاريين للمملكة منذ عام 1965. وتعزيزاً لهذه العلاقات ودفعها قدماً شهد عام 2021 تبادلاً غير مسبوق للزيارات رفيعة المستوى للمسؤولين بين الجانبين، كان آخرها زيارة رئيس الوزراء اليوناني للسعودية، ومشاركته في مبادرتي الاستثمار وقمة الشرق الأوسط الأخضر، وشهدت العلاقات بين البلدين تطوراً توج بتوقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في عدد من المجالات".
وتحرص السعودية واليونان على التنسيق والتشاور في القضايا التي تهم البلدين في المحافل الدولية ويتشاركان احترامهما الراسخ للقانون الدولي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ودعم الأمن والاستقرار الدوليين.
ويتفق البلدان على أهمية رفع مستوى وجاهزية قواتهما العسكرية من خلال التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة والقيام بالتنسيق والتعاون وتبادل الخبرات العسكرية لتحقيق أمن البلدين واستقرار المنطقة والعمل على توطين التقنية والصناعات العسكرية.
وتدعم السعودية مبادرة الجمهورية اليونانية في شأن حماية التراث الثقافي والطبيعي من آثار تغير المناخ.
التبادل التجاري
وفي المجال الاقتصادي، بلغ حجم التبادل التجاري بين السعودية واليونان خلال السنوات الست الماضية (2016 - 2021) 34 ملیار ریال (9 مليارات دولار) وتجاوز حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى اليونان خلال العام الماضي حاجز 660 مليون ريال (176 مليون دولار) بنمو قدره 21 في المئة.
وكانت أهم السلع الوطنية المصدرة إلى اليونان المنتجات المعدنية، واللدائن ومصنوعاتها، والنحاس ومصنوعاته، والمنتجات الكيماوية العضوية، والألومنيوم ومصنوعاته، فيما كانت أهم السلع المستوردة منها: المنتجات المعدنية، ومنتجات الصيدلية، ومحضرات الفواكه والخضراوات، والبخور والأثمار الزيتية والفواكه. وبلغ صافي إجمالي مبيعات البترول الخام ومشتقاته إلى اليونان 8 ملايين برميل في عام 2021، بمعدل 22 ألف برميل يومياً.
وتعكس زيارة الأمير محمد بن سلمان، لليونان كونها الأولى على مستوى قيادة السعودية حرصها على مد الجسور وبناء العلاقات مع مختلف الدول الأوروبية والتطور الملموس الذي شهدته العلاقات السعودية مع دول المنطقة، وآخرها الزيارة التي شملت تركيا لتعزيز التعاون والاتفاقيات مع أنقرة، واستبعدت مصادر دبلوماسية سعودية لوكالة الأنباء السعودية، أن تنعكس الزيارة سلباً على صعيد العلاقات السعودية - التركية، الآخذة في التحسن أخيراً، في ظل استمرار التوتر بين أثينا وأنقرة.