على الرغم من أن الزيارة التي يجريها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى اليونان هي الأولى من نوعها، حيث يزور مسؤول سعودي بهذا المستوى أثينا، فإن إرهاصات التقارب كان جلية منذ سنوات.
إذ تسبب الصدام بين الرياض وأنقرة منذ 2017 قبل المصالحة الأخيرة، جراء ما تصفه السعودية بأنه "تدخل تركي في شؤون المنطقة"، في تخندق قوى المنطقة بين هذين الطرفين، ما دفع اليونان صاحبة العداء التاريخي مع تركيا للتقارب مع السعودية.
نشأ عن هذا التقارب تعاون أمني وعسكري بالدرجة الأولى فرضته التحديات، تمثل في خطوات أخذتها الدولة العربية الكبيرة بإرسال طائرات مقاتلة إلى الدولة المتوسطية في أزمتها الأخيرة مع جارتها التركية، وردتها بإرسال بطاريات الدفاع الجوي "باتريوت"، وما بين الخطوتين خطوات كثيرة انتهت في الساعات الماضية بإعلان تعاون اقتصادي وخدمي واسع ضمن الزيارة.
تحية المقاتلات للبطاريات
خلاف اليونان مع جيران البحر المتوسط ليس جديداً، بخاصة ما له علاقة بتركيا، إلا أن السنوات الماضية شهدت تصاعداً للخلاف بعد أن باشرت أنقرة التنقيب عن الغاز في المياه اليونانية التي يدعي الأتراك ملكيتها.
هذه الأزمة كادت تتطور إلى صدام عسكري بعد أن وصل لمرحلة استعراض القوة في المياه المشتركة، كان إحداها مناورة "عين الصقر 1" حين أرسلت الرياض مقاتلات "أف 15" للمشاركة بجوار مقاتلات يونانية ودول أخرى في سماء البحر الأبيض، وذكرت تقارير أن المقاتلات ظلت مرابطة في جزيرة كريت القريبة من المناطق المتنازع عليها فترة طويلة.
لم تتأخر التحية اليونانية، إذ أسهمت دفاعاتها في سد فجوة خلفها قرار أميركي بسحب منظومة دفاع جوي من السعودية، فعقب ذلك أعلنت هيئة الأركان العامة في أثينا أنها سلمت الرياض بطاريات "باتريوت" الدفاعية، إضافة إلى إرسالها 120 جندياً للعمل على هذه المعدات.
وبحسب الاتفاقية التي أبرمت في أبريل (نيسان) 2021، فإن الصواريخ اليونانية ستبقى في البلاد لفترة زمنية غير محددة، وتستخدم لتعزيز الدفاعات الجوية.
وقال المتحدث باسم الحكومة اليونانية ستيليوس بيتساس في تصريحات صحافية عقب التوقيع على الصفقة، إن "صفقة صواريخ باتريوت تهدف إلى حماية البنية التحتية الحيوية للطاقة في السعودية".
تعزيز الوجه الاقتصادي
العلاقة الاقتصادية بين البلدين وثيقة هي الأخرى، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الرياض وأثينا خلال السنوات الست الماضية (2016 - 2021) 34 مليار ريال (9 مليارات دولار)، وتجاوز حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى اليونان خلال العام الماضي 660 مليون ريال (176 مليون دولار) بنمو قدره 21 في المئة، إلا أن الجانب العسكري طغى على وجه العلاقة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتسعى هذه الزيارة لتعزيز الجوانب المختلفة وتغليبها، مثل مجال الاتصالات وتقنية المعلومات، مع بدء العمل على تنفيذ مشروع مشترك لبناء كابل بحري ليكون خط بيانات للربط بين البلدين، وكذلك تفعيل مبادرة مشتركة لتبني التقنيات الحديثة والخدمات الرقمية والصناعات التقنية، التي تشمل الجيل الخامس والفضاء والأقمار الاصطناعية والتلفزيون المدفوع والترفيه المنزلي، وفتح المجال لتشجيع الفرص الاستثمارية في تطوير قطاع الاتصالات والبنية الرقمية، والطاقة التقليدية والمتجددة والسياحة.
الربط عبر الإنترنت
ومنذ مطلع العام، اجتهد البلدان في التباحث عبر تعزيز أحد أوجه الاقتصاد بينهما، وهو بيانات الألياف الضوئية الخاصة بالإنترنت.
وبحسب تقارير صحافية يونانية، فقط اتفق البلدان في فبراير (شباط) على إنشاء مشروع مشترك لمد كابلات بيانات الألياف للربط بين أوروبا وآسيا، على أن يتم الانتهاء منه بحلول 2025.
والمشروع هو برنامج مشترك بين "مينا هب" التي تملكها شركة "أس تي سي" السعودية، بالتعاون مع "TTSA" الخاصة بتطبيقات الأقمار الصناعية اليونانية، وسيتم من خلاله تطوير كابلات تحت سطح البحر.
وما لم يتضمنه إعلان الأمس، هو ما نقلته إحدى الصحف المحلية في أثينا، التي قالت إن شركة "سي واي تي أي" القبرصية المملوكة للدولة ستكون شريكاً أيضاً في مرحلة متقدمة من المشروع.
المشروع الذي من المنتظر أن يكتمل في 2025، ويربط أوروبا بسنغافورة، بدأ شقه السعودي في فبراير من هذا العام باستثمار بلغ أكثر من 5 مليارات دولار في تقنيات المستقبل، عبر صندوق الاستثمارات العامة وشركة الاتصالات الرسمية في البلاد
من شأن هذا المشروع أن ينقل العلاقة بين البلدين لأفق مختلف، بتعزيز العلاقة الاقتصادية، وتعزيز ارتباط البلدين بدول أوروبا بوصفها منطقة ربط بين العالمين، اعتماداً على موقعهما.
الهيدروجين الأخضر
وبالنظر إلى التعاون في مجال الشبكات لاستغلال موقع الدولتين في توزيعه عالمياً، يجدر الإشارة إلى ملف استراتيجي آخر بالنسبة للسعودية، قامت باستثمار الموقع أثناء هذه الزيارة.
فقد قال ولي العهد السعودي في اجتماعه مع رئيس الوزراء اليوناني، إن بلاده تنوي جعل اليونان مركزاً للهيدروجين الأخضر في أوروبا.
ويعد الهيدروجين أحد نقاط التركيز في خطة السعودية الطموحة في مجال الطاقة، بعد أن أعلنت عن تنفيذ أكبر مشروع في العالم يعنى بهذا النوع من الوقود في مدينة نيوم شمال غرب البلاد.
المشروع الجديد الذي تبلغ قيمته نحو 5 مليارات دولار في نيوم، ويعدّ أكبر مشروع هيدروجين أخضر في العالم، من المتوقع أن يبدأ تصدير الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2026.
وقال بيتر تيريوم، رئيس قطاع الطاقة في شركة نيوم، إنهم رصدوا "منافسة محتملة بين أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وبعض أجزاء من الولايات المتحدة.. وستباع الشحنات لمن يقدّمون أعلى سعر"، وهو ما يجعل اليونان في قلب هذا المشروع في سبيل التصدير إلى أوروبا.
وأخذت الاتفاقيات التي أعلن عنها، الثلاثاء، طابعاً تشاركياً يعزز من مكانة البلدين في إقليمهما، عن طريق تطوير العمليات المشتركة وتصديرها إلى الجوار.