صباح السادس من يناير (كانون الثاني) 2021، وجدت نفسي أسير بجانب آلاف من مناصري دونالد ترمب المتجهين نحو مبنى الكابيتول [مقر الكونغرس الأميركي]، وكان النهار بارداً ومتقلباً [مضطرباً] ويشبه الحشد إلى حد بعيد.
ترأست تلك المسيرة مجموعة رجال تبدو عليهم مظاهر الحزم، يرتدون سترات تمويه وتكتيكية، وهم على الأرجح أعضاء في ميليشيات "المحافظين على الدستور" Oath Keepers المعادية للحكومة، وقد حملوا معهم جهاز راديو مزوداً بمكبر صوت، ظل يذيع باستمرار خطاب ترمب في أثناء المسير، بحيث ملأ صوته الغاضب الأجواء.
تحرّكت مع الجموع فيما اخترقوا خطوط الشرطة، وهذه المرة أيضاً بقيادة الرجال المرتدين ثياب التمويه، وهاجمت طليعة محاربي عطلة نهاية الأسبوع شرطة الكونغرس بعصي وقضبان، وتبعها آلاف الأشخاص الذين انتهى بهم المطاف بملء الأدراج والشرفات المحيطة بمقر الكونغرس العظيم المقبب.
بعد مرور ساعات عدة وهدوء موجة العنف، أذكر بوضوح أنني شاهدت أشخاصاً يأخذون صور "سيلفي" مع بعضهم بعضاً خارج المبنى لتخليد ذكرى مغامرتهم العظيمة.
وقف أزواج مسنون وجماعات مختلطة وأشخاص أتوا على متن باصات من فلوريدا يحتفلون مع الرجال العنيفين الذين قادوا الهجوم على مبنى الكونغرس.
بعد مرور سنة ونصف السنة على ذلك النهار، عقدت لجنة مجلس النواب التي تحقق في أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) آخر جلسة استماع متلفزة لها في دورتها الحالية، ومن المقرر عقد مزيد من الجلسات في سبتمبر (أيلول)، لكن ما رأيناه إلى الآن يشكل أساس القضية ضد ترمب وحلفائه.
أثناء متابعتي جلسات الاستماع الشهر الماضي أُعجبت بما استطاعت اللجنة أن تكشفه، فقد أصاب أعضاؤها بتركيز اهتمامهم على الجماعات والأشخاص النافذين الذين خططوا لأعمال العنف ذلك اليوم ونفذوها، كما أنهم أخذونا وراء الكواليس داخل المكتب البيضاوي، وكيف عبر ترمب عن سخطه أمام الموظفين، وكشف الدرجة العالية من التخطيط للأحداث اللاحقة على يد الرجال المرتدين لباس التمويه.
لكنني لاحظت كذلك غياب أمر معين، إذ لم يكن العنف وحده أكثر ما صدمني في ذلك اليوم، بل عدد الأشخاص العاديين الذين قبلوا به، وكان تواطؤ الأغلبية على تأييد العنف الذي ارتكبته الأقلية هو الانطباع الذي لازمني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما عدتُ من مبنى الكونغرس إلى الفندق تلك الليلة كتبت عن الأحداث، وبعض مما كتبت هو التالي: "بعد مرور ساعات عدة تفرق الحشد، وعاد أعضاء مجلس الشيوخ إلى مبنى الكونغرس لإنهاء ما بدأوه والمصادقة على نتائج الانتخابات، وأصدر الجمهوريون بيانات دانوا فيها الهجوم على مبنى الكونغرس، معتبرينه هجوماً يشكل خطراً على الديمقراطية، إنما في مكان ليس بعيداً منهم صعد الأشخاص الذين نفذوا ذلك الهجوم منذ برهة على متن باصات وقطارات متجهين إلى منازلهم وهم يبتسمون ويضحكون، وتجمعوا كي يعيدوا سرد أحداث المغامرة، كما لو أنهم خرجوا لتوهم من مباراة رياضية".
في اليوم التالي للهجوم على مقر الكونغرس سرت باتجاه المبنى لكي أرى إن عاد أي شخص إلى موقع الجريمة، ورأيت أفراد عائلة يلتقطون صوراً لأنفسهم فيما ظهر المبنى خلفهم والعديد منهم يرتدون ملابس عليها صور ترمب، وقال رجل يدعى مايك والز بفرح "كنا فوق [في الطابق الأعلى]. جففوا المستنقع [شعار أكثر من استخدامه الرئيس ترمب ويقصد به معالجة المشكلة] فهذا كل ما نريده".
وتابع والز قوله، "كان يوم أمس رائعاً. مجموعة من الأشخاص الودودين المسالمين دخلوا إلى مبناهم [دارهم]".
أثّرت فيّ المشاهد المشابهة لهذا المشهد، ونقلت أحداث العنف والتطرف السياسي في الشرق الأوسط من موقعي كمراسل أجنبي، وتعلمت من تجربتي هناك أن استمرار المتطرفين ونجاح تحركاتهم يستند بالضرورة إلى قاعدة تدعمهم بين الشعب، وقد ظهر من الهجوم على مبنى الكونغرس أن حاجزاً قد كُسر.
منذ الهجوم قابلت عديداً من الباحثين في شؤون التطرف، وصادفت عدداً منهم قبلاً في أثناء عملي في نقل أخبار "داعش" في سوريا والعراق لسؤالهم عن هذه الظاهرة من تطبيع التطرف.
عمل نائب مدير البرنامج المعني بالتطرف في جامعة جورج واشنطن، سيموس هيوز، على رصد مئات القضايا الجنائية التي رفعت ضد من اقتحموا الكونغرس، وبعيداً من العناوين العريضة عن أعضاء الميليشيات وجد هو أيضاً الحقيقة المزعجة عينها.
وقال لي "إن الأمر المثير للاهتمام في هؤلاء الأشخاص هو أنهم غير لافتين للانتباه، فلديك عمال بناء وأساتذة يوغا وهم يأتون من أجزاء متفرقة من أميركا، وهذا يعكس الوضع الذي وصلنا إليه في مجال التطرف الداخلي إجمالاً"، وبعبارة أخرى أصبح التطرف توجهاً سائداً في أميركا.
وعلى الرغم من محاسن ما فعلته اللجنة عبر تحميلها الأشخاص والجماعات النافذة التي تقف وراء الهجوم على مبنى الكونغرس مسؤولية أعمالها، لا يمكنني أن أتخلص من شعوري بأنها بالكاد خدشت السطح في مساعدتنا على فهم سبب النجاح في خداع هذا العدد الكبير من الناس، ليفكروا بأن بلدهم يسرق منهم، فهل الاستقطاب السياسي هو ما ساعد ترمب في خلق واقع مواز لمناصريه وحثهم على التصرف بعنف؟ أم الاستقطاب الثقافي؟ أم الاثنان؟ وهل البيئة الإلكترونية الافتراضية هي التي سمحت بانتشار الأخبار الكاذبة مثل النار في الهشيم في أوساط جيل لم ينشأ مع وجود الإنترنت؟ أكان نفوذ المنصب الذي تولاه دونالد ترمب وقوة الرئاسة هما ما سمح له بخداع هذا العدد الكبير من مناصريه المتفانين؟
ولو كانت الإجابة كل ما سبق، فكيف يمكن الحؤول دون وقوع هذا النوع من العنف السياسي مرة أخرى؟
هذه بعض الأسئلة التي تراودني في شأن الهجوم على مبنى الكونغرس، والمشكلة هي في تحديد الجهة التي يمكنني طرحها عليها.
نشر في اندبندنت بتاريخ 22 يوليو 2022
© The Independent