خلال المحادثات التي أجريتها مع مجموعة من "الديمقراطيين" النافذين، والعاملين والناشطين، تناهت إلى مسامعي شكوى مشتركة واحدة سمعتهم يرددونها عن حزبهم، وتتمثل في أنهم لا يعرفون كيف يشيدون بانتصاراتهم.
هذا الاستعداد للترويج باستمرار للنجاحات والإنجازات - سواء أكانت حقيقية أو متخيلة - هو أحد الأمور القليلة التي سمعتها من جانب شخصيات معارضة كانت تمدح بها دونالد ترمب خلال الأعوام الأربعة التي أمضاها في البيت الأبيض. بعض (أو فلنقل، معظم) الأمور التي يعزو ترمب الفضل فيها لنفسه بشكل روتيني، هي سخيفة وعبثية. فهو لم يقم "بإعادة بناء" الجيش الأميركي بشكل كامل. لم ينقذ الاقتصاد الأميركي بمفرده. لم يقم ببناء جدار على طول الحدود الأميركية المكسيكية. وهو بالتأكيد لم يجبر الصين على دفع رسوم جمركية على الواردات إلى الولايات المتحدة (لأن التعريفات هي عبارة عن ضرائب تدفعها في نهاية المطاف الشركات والمستهلكون الأميركيون).
لكن ترمب عرف بالتأكيد كيف ينفخ في بوقه، غالباً بالطريقة الأكثر إمتاعا. تماماً كما تلك المرة التي عاد بها منتصراً بعد أن نجا (بمساعدة الأجسام المضادة أحادية السلالة التي لم تكن متاحة بعد لعامة الناس) من حالة خطرة نتيجة إصابته بعدوى "كوفيد".
في ما يتعلق بي، مراسلكم، كنت "كما معظمكم، على ما أظن"، أعمل من المنزل مساء ذلك اليوم، لكنني تمكنت من أن أشاهد من شرفة شقتي الطوافة الرئاسية "مارين وان" Marine One أثناء انتقالها من "مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني" Walter Reed National Military Medical Centre إلى الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض. أما بقية ما حدث في تلك الليلة فقد تابعته على شاشة التلفزيون.
الرئيس الذي كان يعاني سمنة مفرطة، خرج من طائرته المروحية البيضاء الشهيرة، وبدا متنهداً فيما كان يعتلي درج السلم باتجاه "شرفة ترومان" Truman Balcony، حيث نزع قناعه وألقى تحيته بشكل مسرحي، فيما حلق طيارو مشاة البحرية عائدين بالمروحية إلى القاعدة. بعد ذلك، قام بتسجيل مقطع فيديو غريب حض فيه الأميركيين على عدم السماح لفيروس "كورونا" (الذي كان قد حصد حتى ذلك الحين أكثر من 200 ألف شخص) "بالتحكم" فيهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في مقارنة مع سلفه، فإن عودة الرئيس جو بايدن إلى مكتبه بعد تشخيصه بمرض "كوفيد" افتقرت إلى الحبكة المسرحية، إذ لم تكن هناك مروحية، ولا صور درامية، ولا صور لبطل منتصر عائد من ميدان المعركة.
وبدلاً من ذلك، أنهى بايدن - الرئيس الأميركي الأكبر سناً على الإطلاق، في فترة رئاسية أولى - مدة عزل دامت 5 أيام يوم الأربعاء، بنزهة سريعة من مقر إقامته في البيت الأبيض إلى حديقة Kennedy Rose Garden الشهيرة. ورافقه تسجيل لفرقة مشاة البحرية الموسيقية التي تلقب بـPresident"s Own، وهي تعزف تحية Hail to the Chief، وصعد إلى المنصة التي تم إنشاؤها في وقت قصير، بعد الإعلان عن نتيجة اختبار سلبية ثانية على التوالي، تؤكد تعافيه من الفيروس.
وفيما قارن تعافيه السريع من "كوفيد" بتجربة ترمب مع الموت (وفقاً لمعاونيه) قبل عامين، لم يقم بذلك لمهاجمة خصمه السابق (وربما المستقبلي)، أو لحض الأميركيين على تجاهل الفيروس الذي أودى حتى يومنا هذا بحياة أكثر من مليون شخص من مواطنيه. فالخطاب الذي توجه به بايدن إلى الأمة لمدة 9 دقائق تمحور في الواقع حول رسالة أساسية واحدة: الجهود البطيئة إنما المطردة التي بذلتها إدارته والتي أسهمت في تكوين بيئة لم يعد فيها الفيروس الذي أدى إلى قلب الاقتصاد العالمي (وآل إلى حد كبير إلى سقوط رئاسة ترمب) القدرة على تحويل الشوارع الأميركية إلى مناطق مهجورة، أو وضع وتيرة الحياة اليومية الطبيعية في حال شلل تام.
وأشار بايدن إلى أن اللقاحات (والجرعات المعززة) والاختبارات المتاحة على نطاق واسع، إضافة إلى العلاجات التي يمكن الحصول عليها بسهولة، قد حولت "كوفيد-19" إلى مجرد إزعاج بسيط (بالنسبة إلى أغلبية الناس)، يمكن التعامل معه بسهولة من خلال ارتيادهم أي متجر محلي للأدوية في الولايات المتحدة، في الوقت الأكثر ملاءمة لهم. وهناك، يمكن لصيدلي الحي الودود تقديم الوصفة نفسها من مضادات الفيروسات التي أعطيت لبايدن، إذا حدث أن جاءت نتيجة اختبارهم إيجابية، من خلال إحدى ملايين لوازم اختبار "كوفيد" المنزلية المجانية التي قامت إدارته بتوزيعها.
وقال بايدن معلقاً: "لست في حاجة لأن تكون رئيساً كي تستخدم هذه الأدوات لحماية نفسك. في الواقع، إن مختلف التسهيلات التي أتيح لي الحصول عليها: من حقن معززة، إلى اختبارات منزلية، وعلاجات متنوعة، جميعها متاحة لك".
في الخلاصة، بعد النفق الطويل الذي شهدته البلاد إن لندرة اللقاحات، أو لقوائم الانتظار والطوابير الطويلة بغية إجراء اختبارات أو تلقي علاجات بالأجسام المضادة، فقد كانت تلك الخطوة (من بايدن) بمثابة جرعة فائقة من النجاح - حتى لو افتقرت إلى الدراما التي مارسها سلفه.
© The Independent