تواجه كبرى شركات النفط والغاز في أوروبا اتهامات باستغلال أزمة الطاقة المتفاقمة بعد تمريرها أرباحاً بالمليارات إلى المساهمين، في حين تواجه الأسر العادية مزيداً من الارتفاعات "الكارثية" في قيمة الفواتير.
وفي اليوم التالي لإصدار عدد من الخبراء تحذيراً من أن متوسط الفواتير يمكن أن يصل إلى ثلاثة آلاف و800 جنيه استرليني (أربعة آلاف و622 دولاراً) في العام بحلول يناير (كانون الثاني)، ما سيتسبب في وقوع ملايين إضافية من الناس في فقر الوقود، سجلت "شل" و"توتال" مكاسب قياسية للفصل الثاني على التوالي.
جاء ذلك في حين أعلنت "مشورة المواطنين" أن عدد الأشخاص الذين قالوا إنهم لا يستطيعون تحمل تكلفة تعبئة عدادات الطاقة لديهم زاد ثلاثة أضعاف في يوليو (تموز) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وحذرت المؤسسة الخيرية من أنها كانت تتوقع تقديم دعم طارئ إلى أكثر من 200 ألف شخص بحلول ديسمبر (كانون الأول) – بزيادة قدرها 50 في المئة خلال سنة، وثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2019.
وسجلت "سنتريكا"، مالكة "بريتيش غاز" -وهي أكبر جهة موردة للطاقة في المملكة المتحدة- زيادة بلغت خمسة أضعاف في أرباح نصف العام وصولاً إلى 1.3 مليار جنيه، في حين يعاني عديد من عملائها في المملكة المتحدة البالغ عددهم تسعة ملايين عميل في دفع فواتيرهم.
وتبين الخميس أن الجهة المنظمة لقطاع الطاقة، مكتب أسواق الغاز والكهرباء، تدرس خططاً لمنع تعرض عملاء العدادات المسبقة الدفع إلى قطع الغاز والكهرباء – لكن فقط من خلال دفعهم إلى الاستدانة.
وقالت فريا أيتشيسون، الناشطة في "أصدقاء الأرض"، إن الإعلانات الخاصة بالأرباح تشير إلى "تعطل" نظام الطاقة. وقالت السيدة أيتشيسون، "تعد أسعار الطاقة المتزايدة عاملاً رئيساً من عوامل أزمة تكاليف المعيشة التي أوقعت الملايين من الناس في المملكة المتحدة في فقر الوقود، وعلى الرغم من ذلك يصبح الرؤساء والمساهمون في "شل" أكثر ثراء من خلال استغلال واحد من احتياجاتنا الأكثر أساسية".
ولفتت السيدة كلير موريارتي، الرئيسة التنفيذية لـ"مشورة المواطنين"، إن الأسر تواجه بالفعل "اختيارات صارخة" بسبب الفواتير المتصاعدة.
"يطفئ البعض الثلاجات والمجمدات لأنهم لا يستطيعون تحمل تكاليف التشغيل، ويغسل آخرون ملابس أطفالهم عند أجدادهم لأنهم دخلوا منطقة الخطر بالفعل. وحين يحل أكتوبر (تشرين الأول) المتوقع فيه أن تقفز أسعار الطاقة من جديد، ستنتقل الأمور من سيئ إلى أسوأ بكثير".
ويطالب حزب العمال الحكومة بإلغاء الخطط الرامية إلى تقديم إعفاءات ضريبية بقيمة أربعة مليارات جنيه إلى شركات النفط والغاز، وبالتحرك العاجل لمساعدة الناس على التغلب على "أزمة فواتير الطاقة الخطيرة المتفاقمة".
ورأى إد ميليباند، وزير المناخ في حكومة الظل، أن أزمة فواتير الطاقة في بريطانيا أصبحت الآن أكثر حدة مما كانت عليه قبل بضعة أشهر فقط.
وقال السيد ميليباند "في حين تسجل شركات النفط والغاز أرباحاً قياسية، تقترح الحكومة إعفاءات ضريبية جديدة بالمليارات لشركات النفط والغاز – وهو قرار فاحش عندما تواجه الأسر حالة طوارئ حقيقية على صعيد تكاليف المعيشة".
"وأظهر كل من المرشحين لقيادة المحافظين نفسه أنه يعيش على كوكب آخر عندما يتعلق الأمر بحالة الطوارئ على صعيد تكاليف المعيشة، فقد عارض ريشي سوناك فرضاً حازماً لضريبة غير متوقعة، وقدم تخفيضات ضريبية بالمليارات إلى قطاع النفط والغاز، في حين يبدو أن ليز تراس تعتقد أن أزمة تكاليف المعيشة يمكن حلها بالتخلي عن الطاقة المتجددة – أرخص أشكال الطاقة لدينا".
وزاد ارتفاع تكاليف الطاقة صافي أرباح شركات الوقود الأحفوري، فسجلت "شل" أرباحاً غير متوقعة بلغت 11.5 مليار دولار (9.5 مليار جنيه) في الفصل الثاني من العام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلنت "شل" أنها ستنفق ستة مليارات دولار على إعادة شراء أسهمها للمساعدة في تعزيز أسعارها – وهي خطوة أثارت غضب الناشطين، الذين دعوا الشركة إلى أن تستثمر مزيداً من أموالها في التحول إلى الطاقة الخضراء.
"تولد أزمة الطاقة أرباحاً غير متوقعة لـ(شل). وينبغي لها حقاً أن تستخدمها للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة. ومن الصعب أن نصدق أنها لا تستطيع أن ترى الأمر"، وفق روس ويجكر، العضو في مجموعة "فولو ذيس" المتخصصة في الحملات الموجهة إلى حملة الأسهم. وأضافت السيدة ويكر أن أقل من ثلاثة في المئة من استثمارات "شل" الرأسمالية العام الماضي استهدفت الطاقة المتجددة.
وقال هوارد كوكس، مؤسس حملة "الوقود المنصف في المملكة المتحدة"، "يبدو أن (شل)، إلى جانب شركات النفط الكبرى الأخرى، لا تتواضع، فتعلن أرباحاً ضخمة كهذه تتلخص تماماً في أنها تواكب الزيادة في أسعار النفط العالمية. لا علاقة للأمر بفطنة الأعمال، فكل شيء يتلخص بالحظ الصافي في السوق". وأضاف أن الشركات كانت "تستغل طفرة العام الماضي السهلة لزيادة أرباحها من خلال نهب السائقين عند المحطات" – في خطوة قال إنها "ترقى إلى مرتبة الإجرام".
وترفض شركات النفط والغاز على نحو ثابت المزاعم عن استغلالها أزمة الطاقة، وتجادل بأن حظها الطيب الحالي كان ببساطة سبباً في التعويض عن خسائر هائلة تكبدتها أثناء العام الأول من انتشار الجائحة، حين هبطت أسعار الطاقة إلى مستويات متدنية.
بيد أن هيئة مراقبة المنافسة في المملكة المتحدة وجدت الشهر الماضي أن أغلب الزيادة في أسعار المحطات تعود إلى ارتفاع تكاليف النفط الخام، لكن قدراً كبيراً من هذه الزيادة يعود إلى ارتفاع هوامش أرباح شركات تكرير النفط ثلاثة أضعاف.
وحذرت جس رالستون، كبيرة المحللين في وحدة معلومات الطاقة والمناخ، من أن قسماً كبيراً من مبلغ الـ15 مليار جنيه التي ستدفعها الحكومة من طريق برنامجها الإنقاذي لدعم فواتير الطاقة المنزلية من شأنه أن يعزز من أرباح شركات الغاز في شكل أكبر.
وقالت، "كما أشار معهد دراسات المالية العامة، قد يكون البرنامج الإنقاذي مطلوباً بقوة في الشتاء المقبل أيضاً، لذلك من دون أن تضع الحكومة خطة جادة للعزل الحراري في المنازل والحد من كمية الغاز اللازم للتدفئة، سنستمر في رؤية أموال دافعي الضرائب تتدفق إلى شركات الطاقة العملاقة".
وقال بن فان بيوردن، الرئيس التنفيذي لـ"شل" إن شركة النفط العملاقة "تستخدم قوتنا المالية للاستثمار في إمدادات الطاقة الآمنة التي يحتاج إليها العالم اليوم، فتتخذ خطوات حقيقية جريئة لخفض الانبعاثات الكربونية، وتحويل شركتنا نحو مستقبل منخفض الكربون".
وقال كريس أوشيا، الرئيس التنفيذي لـ"سنتريكا"، إن "بناء شركة أكثر قوة" قد "سمح لنا بقيادة القطاع على صعيد التدابير اللازمة لحماية العملاء ودعمهم خلال أزمة الطاقة الأكثر صعوبة في الذاكرة الحية".
© The Independent