كشفت أحدث الأرقام الصادرة في بريطانيا عن إصابة نحو ثلاثة ملايين و800 ألف فرد في المملكة المتحدة بفيروس "كوفيد"، أي ما معدله شخص من كل 17 شخصاً.
وأشارت بيانات "المكتب الوطني للإحصاء" Office for National Statistics (ONS) التي صدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع، إلى أن الزيادة في حالات الإصابة بالعدوى، كانت أكثر بنحو سبعة في المئة من تلك التي سجلت في الأسبوع السابق.
وعلى الرغم من ذلك لم يعد في إمكان معظم الأفراد الذين يعيشون في إنجلترا وويلز واسكتلندا الحصول على اختبارات "كوفيد" المجانية، بعد أن كانت الحكومة البريطانية قد رفعت إلى حد كبير جميع القيود المتعلقة بالتصدي للفيروس في مختلف أنحاء البلاد، وذلك بموجب خططها للتعايش مع هذا المرض.
وتتوفر اختبارات "التدفق الجانبي" Lateral Flow (تجرى في المنازل غالباً وتأتي نتيجتها سريعة) المجانية، فقط للمجموعات المؤهلة للحصول عليها مثل موظفي مرافق "الخدمات الصحية الوطنية" (أن أتش أس) NHS، وموظفي الرعاية الاجتماعية البالغين، والأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بعدوى "كوفيد". أما الأفراد الآخرون فيتعين عليهم شراء اختبارات "التدفق الجانبي" إذا ما أرادوا إجراء الاختبار في منازلهم.
لكن السؤال المطروح هو: ما مدى دقة هذه الاختبارات التي تجرى في المنزل، في تحديد ما إذا كان الفرد مصاباً بفيروس "كوفيد" أم لا؟
استناداً إلى تحليل تلوي أو شمولي meta-analysis [تحليل إحصائي يجمع بين نتائج دراسات علمية متعددة] للأبحاث التي أجرتها قاعدة بيانات "مكتبة كوكرين" Cochrane Library الطبية، فإن اختبارات "التدفق الجانبي" تكتشف في المتوسط 72 في المئة من حالات الإصابة بالفيروس المصحوبة بأعراض، و58 في المئة من الحالات التي لا تظهر فيها أعراض. ولعل هذا هو السبب في أن نتيجة اختبار للشخص نفسه قد تأتي إيجابية (لجهة الإصابة بالعدوى) في المرة الأولى، وسلبية في الدقيقة التي تليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى مايكل هيد الباحث البارز في مجال الصحة العالمية في "جامعة ساوثامبتون"، أن اختبارات "التدفق الجانبي" جيدة جداً في إعطاء نتيجة إيجابية عندما يكون الفرد معدياً [قادراً على نقل العدوى]. ويمكن أن يشمل ذلك فترة يوم أو يومين قبل ظهور الأعراض. من هنا، فهي تشكل مرحلة أولى جيدة للتحقق من احتمال الإصابة بالمرض، لكن يجب متابعتها بالتأكيد عبر إجراء اختبار "تفاعل البوليميراز المتسلسل" (بي سي آر) PCR الذي يعد أكثر دقة.
وفي هذا الإطار، أكدت دراسة نشرت في مجلة "علم الأوبئة السريري" Clinical Epidemiology في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 -انكب عليها باحثون من "كلية لندن الجامعية" UCL و"جامعة ليفربول" و"جامعة هارفرد" و"جامعة باث"- أن اختبارات "التدفق الجانبي" هي فعالة بنسبة تزيد على 80 في المئة في اكتشاف أي مستوى يذكر من عدوى "كوفيد-19"، وبنسبة تفوق 90 في المئة في اكتشاف الفيروس عندما يكون الأفراد في أشد حالات العدوى.
في المقابل، وجدت دراسة أجرتها "وكالة الأمن الصحي في المملكة المتحدة" UK Health Security Agency (UKHSA) وتم نشرها في ديسمبر (كانون الأول) من عام 2021 أن اختبارات "التدفق الجانبي" فعالة في الكشف عن سلالة "أوميكرون" Omicron للفيروس، مثل "دلتا" Delta، ما يعني أن أي سلالة قد يلتقطها الفرد يجب أن يكون الاختبار قادراً على تحديدها على أنها عدوى "كوفيد".
الطبيب العام الدكتور غاري بارتليت أشار إلى أن "مراجعة (كوكرين) نحو 64 دراسة توصلت إلى أن اختبارات (التدفق الجانبي) ترصد بدقة 72 في المئة من المصابين الذين تظهر عليهم أعراض المرض، و78 في المئة من ملتقطي العدوى في خلال الأسبوع الأول من مرضهم".
وأضاف، "ما أقوله غالباً لمرضاي هو أن اختبارات (التدفق الجانبي) مفيدة في الواقع عندما لا تكون هناك أعراض (بمعنى أن يجرى الاختبار عندما لا تكون لدى الفرد أعراض المرض)، لكن إذا كان الشخص يعاني أعراض كوفيد فإن اختبارات (التدفق الجانبي) تكون أقل موثوقية، لأنها يمكن أن ترتبط بنتائج سلبية كاذبة لجهة عدم الإصابة بالمرض، وغالباً ما تدفع بالمريض إلى الاعتقاد أنه ليس مصاباً بكورونا بينما يكون في الواقع قد التقط العدوى".
أما الباحث مايكل هيد من "جامعة ساوثامبتون" فيوضح أن "النتائج الإيجابية الخاطئة يمكن أن تحدث بنسبة مئوية محدودة جداً، في حين أن النتائج السلبية الخاطئة (بمعنى أن تأتي النتيجة سلبية لجهة عدم الإصابة بالعدوى، في وقت يكون الفرد مصاباً بـ"كوفيد-19") تكون أكثر شيوعاً. لذلك إذا كان أحد يعاني أعراضاً شبيهة بأعراض كورونا لكن نتيجة اختبار (التدفق الجانبي) أتت سلبية فمن المفيد أن يخضع نفسه لاختبار (بي سي آر)".
ما الطريقة الصحيحة لإجراء اختبار "التدفق الجانبي"؟
ينصح حسين عابدي المدير الإكلينيكي والصيدلي المشرف على "ميديسين دايريكت" Medicine Direct (صيدلية عبر الإنترنت في المملكة المتحدة) الأفراد بتجنب تناول أي طعام أو شراب، إذا كان بإمكانهم ذلك، قبل نحو نصف ساعة في الأقل من إجراء اختبار "التدفق الجانبي"، كما ينصحهم بعدم التدخين أو استخدام السجائر الإلكترونية قبل الاختبار بنصف ساعة أيضاً. ويضيف، "تأكدوا من تعقيم السطح الذي يجرى الاختبار عليه، ومن عدم تلف رزمة الاختبار عند إخراجها من علبتها، ويتعين غسل اليدين أو تعقيمهما قبل لمس أي من محتوياتها. ويجب التمخط ومن ثم غسل اليدين مرة أخرى قبل الشروع في عملية الاختبار".
معلوم أن كل مجموعة من أدوات اختبار "التدفق الجانبي" تأتي مرفقة بتعليمات عن طريقة استخدامها. ويوضح عابدي أنه "إذا كنتم في حاجة إلى أخذ مسحة من الحلق فيتوجب فتح الفم على اتساعه، وفرك المسحة على مؤخر الحلق - لكن يجب تحاشي أن تلمس القطنة اللسان أو اللثة أو الأسنان".
ويضيف أن "بعد مسحة الحلق يجب إدخال المسحة نفسها في الأنف حتى يشعر الفرد ببعض المقاومة، ويجب أن تدوم عملية المسح لمدة عشر ثوان تقريباً. وبعض الاختبارات تكتفي بأخذ مسحة من الأنف فقط".
وينصح الصيدلاني بأنه "بعد اكتمال عملية أخذ المسحة يجب إدخال الطرف القطني منها في أنبوب سائل والضغط على المسحة نزولاً حتى تصل إلى أسفل الأنبوب. من ثم يجب الضغط على الجزء السفلي من الأنبوب وتحريك المسحة حوله، بحيث يمكن نقل العينة بشكل صحيح إلى السائل".
ويخلص إلى القول إنه "بعد ذلك، يتوجب إزالة المسحة من الأنبوب، وإغلاق غطائه، ورج السائل فيه قليلاً لخلط العينة مع السائل، ثم الضغط على العدد المحدد لقطرات السائل على شريط الاختبار، وفحص الشريط بعد مرور الوقت المحدد".
ويرى الموقع الحكومي الإلكتروني أن من الأفضل ترك الاختبار لمدة 15 إلى 30 دقيقة، قبل التحقق من النتيجة.
هل الخط الخافت في اختبار "التدفق الجانبي" على حرف T يعني أن النتيجة إيجابية؟
إذا جاءت النتيجة سلبية لجهة عدم إصابة الفرد بعدوى "كوفيد-19" فسيظهر في اختبار "التدفق الجانبي" خط أحمر واحد إلى جانب العلامةC ، أما النتيجة الإيجابية فتتمثل في وجود خط أحمر إلى جانب كل من العلامتين C وT، لكن ماذا لو كان الخط الأحمر الثاني خافتاً؟
متحدث باسم "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" Public Health England يقول في هذا الإطار، "لدى قراءة نتائج اختبار (التدفق الجانبي) إذا تبين وجود خطين يمران عبر كل من الحرفين C وT، حتى لو بدوا باهتين، فإن نتيجة الاختبار تكون إيجابية لجهة الإصابة بالعدوى. مع ذلك، يشير الخط العابر للحرف T وحده إلى أن الاختبار فاشل ويتعين على الفرد إعادة الفحص".
هل يمكن أن يأتي اختبار "التدفق الجانبي" سلبياً واختبار "بي سي آر" إيجابياً؟
توضح "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" أن لكل من اختباري "التدفق الجانبي" و"تفاعل البوليميراز المتسلسل" (بي سي آر) "دوراً مختلفاً"، لجهة التمكن من احتواء انتشار الفيروس. لذا، "لا يمكننا إجراء مقارنة مباشرة بينهما".
ويضيف المتحدث باسم الهيئة أن "اختبارات (التدفق الجانبي) مفيدة لأنها تساعد الأفراد على تحديد ما إذا كانوا مصابين بالعدوى بشكل آني وسريع، ومعرفة إذا كان هناك احتمال لنقلهم الفيروس إلى آخرين. إن مستوى دقة هذه الاختبارات هو عالٍ بما يكفي لكشف معظم حالات الإصابة، وإن من غير المرجح أن تظهر نتائج إيجابية إذا لم يكن الشخص مصاباً بالعدوى".
في المقابل، يتم استخدام نظام "بي سي آر" لتأكيد أو نفي حالة إصابة مشتبه فيها بفيروس "كورونا".
وتشير "هيئة الصحة العامة في إنجلترا" إلى أن "الدقة العالية لاختبارات (تفاعل البوليميراز المتسلسل) تعني أنها تستطيع تحديد العناصر الوراثية لـ(كوفيد-19) حتى بعد انقضاء الفترة التي يكون فيها الفيروس نشطاً أو معدياً".
وفي حال كان شخص يعاني أحد أعراض "كوفيد" لكن نتيجة اختبار "التدفق الجانبي" أتت سلبية، فمن الأجدى أن يحجز موعداً لإجراء فحص "بي سي آر"، بهدف التحقق منها مرة أخرى.
ما مدى فاعلية اختبارات التدفق الجانبي في مكافحة انتشار عدوى "كوفيد-19"؟
ترى هيئة "الخدمات الصحية الوطنية" أن الأعراض تظهر على شخص من كل ثلاثة أفراد مصابين بالفيروس، لكن ما زال في إمكانهم نقل العدوى إلى آخرين. لهذا السبب، يعد مهماً للغاية إجراء اختبار "التدفق الجانبي" بانتظام -حتى لو كان الفرد قد تلقى تلقيحاً- وذلك للمساعدة على وقف انتشار الفيروس.
ويمكن لفترة الإصابة بفيروس "كورونا" أن تبدأ قبل يومين من ظهور الأعراض، وتستمر لمدة عشرة أيام بعد ذلك. أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتوخون الحذر فبإمكانهم إجراء اختبار "التدفق الجانبي" مرتين في الأسبوع، لكن إذا كانوا على تماس مباشر مع شخص مصاب فيمكنهم إجراء الاختبار يومياً على مدى سبعة أيام متتالية.
ويقول أخيراً الصيدلاني حسين عابدي إن "اختبارات (التدفق الجانبي) تتميز بفاعلية فائقة في منع انتشار الفيروس، بحيث إنه قبل أي شيء آخر يمكن أن يطلب توصيلها إلى المنزل. من هنا، فإنه إذا كان الشخص على تماس مباشر مع آخر ثبتت إصابته بالفيروس، أو إذا ظهرت عليه أعراض محتملة، ففي وسعه تجنب نشرها في أوساط الآخرين من خلال التزامه عدم مغادرة المنزل".
© The Independent