كشفت النتائج التي حققها العنصر النسوي في ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي جرت بمدينة وهران"، غرب الجزائر، عن تحول لافت في ذهنية المجتمع الذي بات يتقبل ولوج الأنثى إلى عالم الرياضات القتالية، وهو الوضع الذي يشير إلى تنافس "خفي" مع العنصر الذكوري داخل القاعات الرياضية.
اقتحام نسوي
وبعد أن كانت حكراً على الرجل، اقتحمت المرأة مجال الرياضات القتالية، وأصبحت تحقق نتائج كبيرة في مختلف المنافسات وعلى مستويات عدة، وعلى الرغم من خطورة التمارين والمنافسات فإن الوجود الكثيف للعنصر النسوي بالنوادي الرياضية والقاعات وداخل المنتخبات الوطنية، يؤكد أن هناك أسباباً دفعت إلى هذا التغير من جنس لطيف إلى أنثوي خشن.
العنف والتحرش والاغتصاب من الأسباب؟
ويرجع تجنب اقتحام هذه المساحة الرياضية من طرف العنصر النسوي، وفق ما يذكر أستاذ علم الاجتماع علي زروقي إلى أسباب عدة في مقدمتها التقاليد الاجتماعية، وارتباط صفة الخشونة والعنف بتلك الرياضات، مضيفاً أن هناك من يرى في هذه الرياضة إلغاء لأنوثة المرأة، لكن مع التطورات والتغيرات الحاصلة في العالم على مختلف المستويات بما فيها الاجتماعي والعائلي والفكري، فإن ممارسة المرأة الرياضات القتالية هي حماية لنفسها من الاعتداءات، بل أكثر من ذلك، هي ضرورية في ظل توسع دائرة التهجم الذكوري على المرأة وفق التقارير الدولية. وأوضح زروقي أيضاً أن جرائم العنف ضد المرأة وكذلك التحرش والاغتصاب باتت سمة المجتمعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتابع زروقي، أن المرأة الجزائرية أوجدت لنفسها مكانة في قائمة هذه التخصصات، ولم تتحصل عليها شفقة أو هدية، وقد فرضت نفسها بقوة النتائج التي باتت نموذجاً يقتدى به، مشيراً إلى أن الألعاب المتوسطية الأخيرة، وما حققته الرياضات من مراكز متقدمة في مختلف المنافسات التي تعتمد على الحركات الجسدية القوية مثل "التايكوندو" و"الكاراتيه" و"الجودو" وحتى "الملاكمة"، أسهمت بشكل كبير في ارتفاع درجة الوعي لدى أولياء الأمور ما شجع المرأة على دخول دائرة الرياضات القتالية.
أمر ضروري
إلى ذلك، رأى مدرب الرياضة القتالية "الآيكيدو" ربيع حسناوي أن إقبال الفتيات على تعلم فنون الدفاع عن النفس أمر ضروري في الوقت الحالي بعد أن أصبحت كثيرات منهن تتعرضن لكل أنواع السرقة والتحرش في الشارع وأماكن العمل، مشيراً إلى سعادته بوجود فتيات في فريقه يقاتلن كالمحاربات، وقد أصبحت مهارتهن، ليست فقط في الدفاع عن النفس، وإنما في إخراج طاقاتهن، ونصح حسناوي الفتيات بممارسة هذا النوع من الرياضات، فهي تسهل عليهن حياتهن اليومية، وفي الوقت نفسه تسهم بالابتعاد عن الضغوط وإخراج الطاقة السلبية.
صور وتعليقات وتحول عام
وجاءت صور الجنديات والضابطات والإطارات العسكرية، وهن في وضعيات قتالية خلال الاستعراضات الخاصة بالاحتفالات بالذكرى الـ60 لاستقلال البلاد، وما تبعها من تعليقات مشجعة، لتؤكد التغير الفكري الذي مس المجتمع، وربما كان المشهد مقصوداً يستهدف تشجيع المرأة على استكمال إظهار قدراتها، لا سيما أن التعليقات والمنشورات التي رافقت الصور على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي كانت تصب في خانة الإشادة والفخر سواء تعلق الأمر بالذكور أو العنصر النسوي، ما يسهم في القضاء على عقدة مزاحمة المرأة للرجل.
ويرتقب أن ترتفع أعداد الإناث الممارسات الرياضات القتالية مع انطلاق الموسم الرياضي في سبتمبر (أيلول) المقبل، في ظل توفر الظروف، الأمر الذي أكدته أستاذة علم النفس مريم عمراني، لافتة إلى أن هناك تحولاً عاماً باتجاه المرأة في الجزائر، سواء من ناحية السلطة أو المجتمع، ولا يبدو أن الأمر شفقة إنما يتعلق بالمكانة التي بلغتها المرأة من خلال المناصب الراقية والدرجات العلمية العالية والرياضية المتفوقة. وأشارت إلى أن التدرب على الفنون القتالية أصبح مطلباً للفتيات في الوقت الحالي، فهي تشغل وقت الفراغ وتقدم مرونة عالية لجسد صحي، وعليه، فإن فكرة التدرب على فنون القتال ليست للدفاع عن النفس بقدر ما هي مهارات تكتسبها الفتاة مثلها مثل أي رياضة أخرى، مشددة على أن الرياضات القتالية تسهم في تكوين شخصية الفتاة وفي دعم ثقتها بنفسها.
وتحاول وزارة الشباب والرياضة النهوض بالرياضة النسوية تسطير برنامج توعوي على المدى الطويل بهدف إعطاء رفع عدد المنخرطات في التخصصات المتوفرة، بخاصة في المحافظات التي تعرف ركوداً وتراجعاً في المستوى، وذلك عبر تشجيع ودعم جمعيات محلية تهتم بترقية الرياضة النسوية، كما تشدد اللجنة الأولمبية على أن المرأة الرياضية من صلب اهتماماتها، وهي تعمل على تقديم الدعم من أجل بلوغ مستويات تليق بالمرأة.