في عام 2007 شقت وثيقة يعتقد أنها مأخوذة من أحد التقارير الحكومية الأميركية طريقها كي تصبح في متناول الرأي العام الذي لم يسترع انتباهه من بين كل صفحاتها الفضفاضة والمنمقة، إلا سطر واحد جاء فيه، "قد يكون تعديل أشعة الشمس استراتيجية مهمة إذا فشلت مساعي التخفيف من الانبعاثات الحرارية [أي الانبعاثات التي تتراكم في الغلاف الجوي للأرض وتسهم في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري]. إن القيام بالبحث والتطوير لتقدير عواقب تطبيق مثل هذه الاستراتيجية، يشكل ضمانةً مهمة لا بد من أخذها في الاعتبار".
وفي هذا الإطار، افترض بعض العلماء أن عكس نسبة واحد في المئة من ضوء الشمس إلى الفضاء، يمكن أن يعوض جميع غازات الاحتباس الحراري المنبعثة من الأرض منذ الثورة الصناعية [في القرن التاسع عشر]، بمعنى آخر، تقضي الفكرة ببناء مظلة عملاقة في الفضاء الخارجي، يصار إلى نصبها ما بين الأرض والشمس. كي تقوم أقله بإعاقة بعض الإشعاعات التي المنبعثة من الشمس، قبل أن تضرب كوكبنا. ويبدأ تالياً متوسط درجات الحرارة على سطح الأرض في الانخفاض.
هل ينجح تصور من هذا النوع؟ الجواب من الناحية النظرية هو، نعم، لكن سيكون من الصعب جداً تطويره، وقد لا يصبح جاهزاً إلا بعد فترة طويلة من قضاء كارثة مناخية ما على كوكب الأرض. تضاف إلى ذلك، صعوبة توقع التأثير طويل الأمد لتركيب مرآة بسيطة وتركيزها في مكان محدد. وتبدو تلك الصعوبة على تناقض مع مناخ الكوكب الذي قد يكون ممكناً توقعه على أساس يومي. ويعود ذلك جزئياً إلى أن القوى التي تؤثر عليه، هي إلى حد ما متشابهة إذا قيست على أساس يومي. وإذا بدأنا بالتدخل في الأشعة المنبعثة من الشمس، فقد يكون من الصعب معرفة كيف سيؤثر هذا التغيير على أنماط الطقس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في هذا الإطار، توقعت دراسات مختلفة أن ينخفض فجأةً هطول الأمطار في أنحاء معينة من العالم، الأمر الذي سيتسبب بنقص في المحاصيل الزراعية. وفي الواقع، تشير أبحاث علمية عدة إلى أننا ما زلنا لا نعرف معلومات كافية عن الآثار غير المباشرة لهذه التكنولوجيا التي يطلق عليها تسمية "الهندسة الجيولوجية" Geoengineeringأو عن الجوانب الأخلاقية أو القانونية المحتملة المتعلقة باستخدامها. وكذلك أبدت تقارير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" Intergovernmental Panel on Climate Change التابعة للأمم المتحدة، حذراً في شأن اعتماد التكنولوجيا، استناداً إلى هذا السبب بالذات.
في عام 1989، اشتغل العالم الأميركي جيمس إيرلي يعمل (على هذه الفكرة) في مختبر "لورانس ليفرمور" الشهير. وآنذاك، كانت أوساط المجتمع العلمي قد أقرت بمفهوم تغير المناخ ومسألة الاحترار العالمي، على الرغم من أن الأمر قد استغرق بضع سنوات، قبل أن يطرح على طاولة النقاش السياسي بصورة بجدية. لقد نظرنا مبكراً في إمكان وضع مرآة عملاقة في الفضاء الخارجي من شأنها أن تحجب أشعة الشمس (أو جزءاً منها في الأقل)، بهدف خفض درجة الحرارة على سطح كوكبنا. إنه نهج بسيط، لكنه طموح لحل مشكلة معقدة. وتشمل الخطة بناء مرآة يبلغ عرضها نحو ألفي كيلومتر. ويجري تجميعها عند نقطة "لاغرانج (أل 1)" Lagrange (L1) [إحدى النقاط التي حددها عالم الرياضيات جوزيف لوي لاغرانج، باعتبارها مواضع يمكن أن تستقر فيها أجسام صغيرة في الفضاء، بسبب التعادل بين قوى الجذب والطرد الآتية من الأرض والشمس. وتقع على بعد مليون و500 ألف كيلومتر داخل مدار الأرض]. في تلك النقطة، ستستقر المرآة المقترحة في موقع وسط بين الأرض والشمس. ومن غير المرجح أن يلاحظ الأشخاص الذين ينظرون إلى الشمس أي اختلاف في شدة أشعتها. فنحن نتحدث عن انخفاض شدة الضوء بـ1 في المئة. ومع ذلك، فإن الكتلة الفعلية للمرآة ستكون هائلةً وأكبر من قدراتنا على إطلاقها إلى الفضاء الخارجي.
وفي وقت مبكر، رأى العالم إيرلي أن الطريقة الوحيدة لبناء مثل هذه المرآة، تكون باستخراج المواد الخام على سطح القمر، ونقلها إلى مداره، حيث يمكن معالجتها وتحويلها إلى معادن. وإذا كانت المرآة التي يبلغ عرضها ألفي كيلومتر تبدو كبيرة، فإن إحدى الطرق لجعلها أكثر واقعية إلى حد ما، هي الأخذ في الاعتبار أنها تحتاج أن تكون بسماكة واحد بالألف من المليمتر. ويعني ذلك أنها ستكون قشرةً صغيرةً للغاية من الألومنيوم لكنها تكفي لتعكس الكمية المطلوبة من إشعاع الشمس. وتذكيراً، ففي ذلك الفراغ الفضائي لن يتعرض المعدن الفعلي أبداً لعوامل الأكسدة. وقد اكتسب الألومنيوم على الأرض لونه الرمادي الباهت، لأن سطحه تفاعل مع الغلاف الجوي للكوكب. واستطراداً، يتعين إنجاز عملية الإنتاج بواسطة الروبوتات.
وفي الآونة الأخيرة، أكد لويل وود، أحد أبرز علماء "مختبر لورانس ليفرمور الوطني" Lawrence Livermore National Lab، أن وضع مرايا شبكة مرايا مترابطة بأسلاك معدنية في مدار حول الأرض قد يحرف ما يكفي من ضوء الشمس عن مساره، ويساعد في إنقاذنا من أسوأ آثار ظاهرة الاحتباس الحراري. واحتسب وود أن عكس 1 في المئة من أشعة الشمس، من شأنه أن يعيد الاستقرار المناخي إلى حاله الطبيعية، باعتبار أن مرآةً واحدة تبلغ مساحتها 600 ألف ميل مربع، أو مرايا عدة أصغر حجماً يمكن أن تقوم بالمهمة.
في المقابل، اقترح روجر إنجل من "جامعة أريزونا" إرسال ملايين المرايا الصغيرة إلى مدار حول الأرض في محاولة لحجب 1 في المئة من أشعة الشمس، لكن ماذا سيكون تأثير ذلك حقاً؟ من المستحيل توقع النتيجة. قد تكون مثل هذه الأنظمة معقدة إلى درجة أنه لا يمكننا التأكد من الطريقة التي سيتأثر بها المناخ العالمي وأنماط الطقس والمواسم الزراعية.
في المقابل، اقترحت شركة "ستارت تكنولوجي أند ريسيرش" Start Technology and Research تركيز مئات المرايا الفضائية لمنع وصول ضوء الشمس إلى خط الاستواء. وتتمثل أهمية هاتين الفكرتين الأخيرتين، في أن التحدي التكنولوجي الذي يكمن في إطلاق كل هذه المرايا الصغيرة، هو أقل بكثير من إطلاق مرآة واحدة كبيرة. فمع إطلاق كل مرآة منها إلى مدار أرضي منخفض، سنكون قادرين على القيام في الأقل بنوع من المحاولة لقياس الانخفاض الناتج منها في درجات الحرارة العالمية، حتى لو كانت التغييرات المبكرة تدريجيةً.
يشار إلى أن أشعة الشمس الأكثر كثافةً تصطدم بسطح الأرض مباشرة عند خط الاستواء. وبما أن الكوكب يدور حول نفسه بسرعة ألف ميل في الساعة عند هذه النقطة، فثمة فرصة فعلية كي يبرد السطح مرةً أخرى خلال 12 ساعة من الليل (تكون دورة الليل والنهار دائماً 12 ساعة عند خط الاستواء). وفي وقت لاحق، تعود الشمس لتضرب بشكل مباشر السطح نفسه مرة أخرى في صباح اليوم التالي، وتصل إلى أقصى حد لها في منتصف النهار.
وتتأثر شدة ضوء الشمس عند خط الاستواء بشكل كبير بالوجود المرتفع نسبياً للغطاء السحابي. وبشكل عام، إذا ما أخذنا في الاعتبار هذا المنطق، سيكون خط الاستواء المكان الأكثر ملاءمةً لعرقلة اختراق أشعة الشمس إذا أردنا تخفيض درجات حرارة الأرض. وسيسهم وضع مئات من مظلات الألومنيوم التي تدور على ارتفاع مئات عدة من الأميال فوق خط الاستواء، في تقليل كثافة أشعة الشمس التي تضرب الأرض، على الرغم من صعوبة توقع العواقب التي يمكن أن تنتج عن عمليةً كهذه في المدى الطويل. وقد تكون غازات العوادم المنبعثة من صواريخ الإطلاق وحدها كافيةً لتقويض أي فائدة مرتجاة من أي عمليات لزيادة نسبة التظليل فوق سطح الأرض.
في المقابل، قد يكون لارتفاع المستويات العالمية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، تداعيات تتجاوز بكثير تلك المتعلقة بارتفاع درجات الحرارة. إن غاز ثاني أكسيد الكربون قابل للذوبان في الماء، بحيث يمكن أن تمتصه محيطات الأرض بسهولة شديدة، بالتالي يتوقع بعض العلماء أن تشهد مياه المحيطات انخفاضاً كبيراً في مقياس "الرقم الهيدروجيني" pH [تعبر قيمته عن مقدار تركيز أيونات الهيدروجين في سائل ما لمعرفة مقدار الحموضة فيه. ويؤدي زيادة ذوبان ثاني أكسيد الكربون في الماء إلى زيادة حموضتها] مع ما يعنيه ذلك من نتائج وخيمة محتملة على الحياة البحرية.
وفي سياق مشابه، ربما يتعين علينا في هذه المرحلة، أن نشير إلى أن نحو ثلث عمليات التمثيل الضوئي لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي للأرض تجرى في الوقت الراهن بواسطة الطحالب المنتشرة في المحيطات، فيما الثلث الثاني تتولاه الغابات المطيرة في العالم [تستخدم النباتات أشعة الشمس لتحويل الماء وثاني أكسيد الكربون إلى نشويات وأوكسجين في عملية تسمى التمثيل الضوئي]. وإذا استبعدنا ثلث الاستهلاك من ثاني أكسيد الكربون الذي يسهم في جعل مياه المحيطات أسيدية [إذا قل الضوء الواصل إلى الأرض، فستنخفض عملية التمثيل الضوئي التي تنهض بها الطحالب. في المقابل، سترتفع نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو]، فمن الصعب معرفة تأثير ذلك على تغير المناخ، لكن النتيجة لن تكون جيدة. حتى لو أثبت نظام المرايا الفضائية فعاليته، فإن ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون قد يدمرنا بوسائل أخرى. أقول ربما، فإن أحداً لا يعرف حقاً ما سيحصل. ومن الصعب للغاية توقع مدى تغير الأنظمة المعقدة جداً في مواجهة تدخل تحريضي من أي مصدر، وعلينا حقاً إجراء التجارب لمعرفة النتائج.
إن الدراسات الجارية للنظر في أكبر عدد ممكن من الحلول لأزمة المناخ، أدت إلى ظهور مقاربة جديدة لمعالجة تغير المناخ أو ما يعرف بـ"الهندسة الجيولوجية". وإذا كان اللجوء إلى قذف شيء إلى الفضاء السحيق لإنقاذنا من كارثة، تبدو فكرةً بعيدة المنال، فربما يكون من الأسهل تقبل فكرة بناء مجموعة من البالونات الكبيرة، وإطلاقها إلى الطبقات العليا من الغلاف الجلوي. ويتم تصميم تلك البالونات على نحو يجعلها قادرة على عكس أشعة الشمس بقوة عالية. وإذا جرى بناء ما يكفي منها (نتحدث هنا عن الآلاف)، فإن كمية ضوء الشمس المنعكس ستكون كافية في النهاية لخفض درجة الحرارة على سطح الأرض، في حين أن البالونات يمكن أيضاً أن تطلق قطرات من الكبريت في الغلاف الجوي على نحو يحاكي آثار الانفجارات البركانية (تبين أن الانفجارات البركانية الغنية بالكبريت يمكن أن تلطف من حرارة الكوكب عبر التقليل من إنتاج الغازات المسببة للاحتباس الحراري).
في عام 1991، استفاق بركان "جبل بيناتوبو" Mount Pinatubo في الفيليبين من سباته العميق بعد أن كان هامداً وقرر أن يثور، مطلقاً العنان لملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكبريت في الغلاف الجوي. وبعد عقد من وقوع الحادث، وفق ما كتبه "مرصد الأرض" التابع لوكالة "ناسا" Nasa Earth Observatory في عام 2001، "أدى ثوران "بيناتوبو" إلى زيادة العمق البصري للهباء الجوي في الطبقة العليا من الغلاف الجوي (ستراتوسفير) stratosphere بواقع 10 إلى 100 مرة من المستويات الطبيعية التي جرى قياسها قبل الانفجار ("العمق البصري للهباء الجوي" هو مقياس لمقدار الجسيمات المحمولة جواً التي تمنع الإشعاع من المرور عبر عمود من الغلاف الجوي) ونتيجةً لذلك، سجل العلماء على مدى الأشهر الخمسة عشر التالية، انخفاضاً في متوسط درجات الحرارة العالمية بنحو درجة فاهرنهايت واحدة (0.6 درجة مئوية)".
بعض العلماء بحثوا في هذه الظاهرة، وخلصوا إلى أنه يمكن استخدام التقنية نفسها لتعديل مناخ الأرض عمداً من أجل تحسين حياة البشرية. يبدو الأمر كأنه ذروة أحد أفلام الخيال العلمي، هذا المفهوم استوحاه دانيال شراغ من "جامعة هارفرد" وديفيد ليث من "جامعة كالغاري"، لدى تنظيمهما مؤتمراً في عام 2007، أشارا فيه إلى أن النظر في مثل هذه الأفكار أمر يستحق العناء. وعلى غرار الحال مع أي بحث في هذا المجال، لا تزال هناك ضرورة لإجراء الكثير من التقييم قبل البدء بأي تحرك واسع النطاق. في المقابل، يرى منتقدو هذه الفكرة أن خفض درجة حرارة الأرض عن طريق امتصاص إشعاعات الشمس على هذا النحو، يمكن أن يكون له تأثير غير متوقع على أنماط الطقس وغلال المحاصيل الزراعية. ويمكن أيضاً أن يكون لإطلاق الهباء الجوي الكبريتي تأثير سلبي من شأنه أن يستنزف طبقة الأوزون، ناهيك باحتمال "تبييض لون السماء" Sky Whitening الذي يمكن أن يستبدل لونها الزرقاوي [يأتي التبييض من أن السحب المحملة بالهباء الكبريتي سترد أشعة الشمس إلى الفضاء، ما يؤدي إلى تغيير لون السماء، فيغدو أقل زرقة].
تشمل اقتراحات طرحها آخرون، إمكانية تشكيل ضباب خفيف من مياه البحر بواسطة آلات مصممة خصيصاً لهذه الغاية، تنشر في مختلف أنحاء العالم. ويركز بعض هذا العمل على زيادة قدرة السحب نفسها [التي تعلو المحيطات] في رد أشعة الشمس إلى الفضاء. وتحديداً، تعمل تلك السحب التي ستتكون على ارتفاع منخفض فوق محيطات العالم، على رد ما بين 30 و60 في المئة من إشعاعات الشمس. ويبدو ذلك أفضل بكثير مما تفعله من مياه المحيطات المفتوحة.
وكذلك تسهم هذه الغيوم في تخفيض درجة حرارة البحر تحتها، إذ تغطي في الواقع قرابة خمس محيطات العالم. وقد اقترحت أفكار مختلفة لضخ رذاذ خفيف في هذه السحب من أجل زيادة عكسها لأشعة الشمس وخفض درجات حرارة سطح المياه بهذه الطريقة. ويشار في بعض الأحيان إليها على أنها عملية "تفتييح لون السحب البحرية" [تسمى أيضاً "تلقيح السحب البحرية"، وهي تقنية تظليل جرى اختبارها على أقسام من الشعب المرجانية].
لا شك في أن كل ما تقدم هو مثير للدهشة والذهول. ويرى كثيرون أن هناك حاجةً لمزيد من الدراسات العلمية في هذا الإطار، لكن هل ستتوصل إحدى هذه التقنيات إلى إنقاذنا من كارثة المناخ؟ يرى عدد من العلماء أن مثل تلك التقنيات الممكنة تشكل جهداً إضافياً بأكثر من كونها "حلاً سحرياً". في المقابل، من يدري ما قد تكشف عنه البحوث المتقدمة المرتقبة في المستقبل؟
© The Independent