حينما يرفع سبابته ويعقد حاجبيه يحبس العراق أنفاسه، ولا يزال الزعيم الشيعي مقتدى الصدر المتهم بأنه سريع الغضب، يحتفظ بهالة رجل الدين وبدور يشكل الكفة الراجحة في التوازن السياسي في البلاد.
وأظهر الصدر، رجل الدين المعمم، من جديد لخصومه السياسيين أنه لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية واسعة، وأنه قادر على حشد مناصريه من أجل الدفع بأجندته في المشهد السياسي.
ومنذ السبت يقيم مناصروه اعتصاماً مفتوحاً داخل مجلس النواب، ويؤكد هؤلاء أن هناك "طاعة" لزعيمهم، وأنهم لن يغادروا إلا إذا طلب منهم ذلك.
ويرفض الصدر مرشح خصومه السياسيين في الإطار التنسيقي لرئاسة الوزراء بعد أن ترك لهم مهمة تشكيل الحكومة إثر استقالة نواب تياره الـ 73 من البرلمان في واحدة من خطواته المفاجئة التي اعتاد القيام بها.
وعبر منصة "تويتر" يطلق مقتدى الصدر رسائل سياسية كثيرة، وعلى الرغم من أن له صلات وعلاقات في إيران، إلا أنه غالباً ما تثير تعليقاته غضب أولئك المقربين من طهران.
وهو لا يتردد في المطالبة مثلاً بحل "الميليشيات" ودعوة أنصار الحشد الشعبي إلى وقف الضغط، وهي الفصائل الموالية لإيران التي رفضت نتائج الانتخابات بعد أن سجلت كتلة "الفتح" الممثلة لها تراجعاً.
ويعتمد الصدر على دعم جمهور لا يستهان به من الطائفة الشيعية، أكبر المكونات في العراق.
خصم لا ينافس
ويوضح الباحث في مركز "واشنطن إنستيتوت" حمدي مالك أن الصدر "قادر على احتلال الشارع وليس لأحد القدرة على منافسته في هذا الميدان". ويضيف، "هو الشخصية المحورية في تياره، وهذا أمر مهم في العراق"، حتى لو أنه أحياناً يناقض نفسه ويبدل مواقفه بين يوم وآخر.
وأرسل الصدر الآلاف من مناصريه إلى الشارع خلال الاحتجاجات الشعبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 لدعم المتظاهرين المطالبين بتغيير الطبقة السياسية الفاسدة، لكنه سرعان ما دعا مناصريه إلى مغادرة الشارع ليدعو بعد ذلك إلى "تجديد الثورة الإصلاحية السلمية".
بين الدين والسياسة
ويشير الخبير في التيارات الشيعية في جامعة "أرهوس" الدنماركية بن روبن دكروز إلى أن الصدر "يحاول موضعة نفسه في مركز النظام السياسي، مع أخذ مسافة منه في الوقت نفسه، فموقعه كرجل دين يتيح له أن يوهم بأنه أكبر من السياسة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشكلت ملفات مكافحة الفساد وإعمار العراق مواضيع حملته للانتخابات التشريعية المبكرة، فيما لعب أيضاً على الوتر الوطني، ويقدم نفسه على أنه معارض للنظام ومكافح للفساد، علماً بأن كثيراً من المنتمين إلى تياره يتولون مناصب مهمة في الوزارات.
وولد الصدر عام 1974 في الكوفة قرب مدينة النجف جنوب بغداد.
سيرة ومسيرة
وينحدر الصدر من سلالة رجال دين شيعة، كما يشرح مالك، لكنه يردف أن "ذلك وحده لا يكفي لتفسير مسيرته، فقد ورث شعبيته الكبيرة من والده محمد صادق الصدر، أبرز رجال الدين الشيعة المعارضين للرئيس الأسبق صدام حسين الذي قتله مع اثنين من أبنائه عام 1999".
ومنح هذا النسب دفعاً شعبياً لمقتدى الصدر، فكان أحد أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً أساساً في إعادة بناء النظام السياسي بعد سقوط صدام حسين عام 2003، وقاد أحد أكثر الحركات الشيعية نفوذاً وشعبية في البلاد.
وبدأت مسيرته بمعارك ضارية مع القوات الأميركية التي اجتاحت العراق في 2003، وصولاً إلى نزاع حاد مع رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي حكم البلاد بين العامين 2006 و2014.
وحل بعد ذلك ميليشيات "جيش المهدي" المؤلفة من 60 ألف مقاتل، لكنه أعاد تفعيلها بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني مطلع العام 2020 في ضربة عسكرية أميركية قرب مطار بغداد.
وتبقى علاقته مع إيران إحدى أكثر المسائل إثارة للجدل، ففي حين تبنى في أعقاب احتجاجات العام 2019 خطاً قريباً من الحشد الشعبي الموالي لإيران، بات الآن يدافع عن خط أكثر وطنية.
ويرى دكروز أن الصدر "يسعى إلى تسوية مع إيران تسمح له بمنافسة حلفائها على الساحة السياسية مع الخروج في الوقت نفسه عن نطاق سطوتهم"، لكن إيران "لا ترى في الصدر شخصاً يمكن الاعتماد عليه".
وعلى الرغم من أن شخصيته تحفل بالتناقضات والتقلبات، لكن الجميع حتى معارضيه يقرون بأنه لا يزال يحتفظ بقاعدة شعبية قوية تستجيب له، ولا يتوانى هؤلاء عن ملاحقة منتقديه على مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول مالك، "لم يسمح لأحد أن يطغى عليه على رأس الحركة، ولذلك غادرها كثر وطرد منها كثر".