أعلنت الأمم المتحدة مساء الثلاثاء، 2 أغسطس (آب)، أن الأطراف اليمنية وافقت على تمديد الهدنة شهرين إضافيين وفقاً للشروط السابقة نفسها، مما يعني أن السلام الموقت سيسود ليكمل نصف عام للمرة الأولى كأطول فترة ستسكت فيها آلة الحرب منذ اندلاعها في البلد المتشظي إثر الانقلاب الحوثي على الدولة العام 2014.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أعلن في بيان "أن الحكومة الشرعية وميليشيات الحوثي اتفقا على تمديد الهدنة بالشروط ذاتها مدة شهرين إضافيين من 2 أغسطس 2022 وحتى 2 أكتوبر (تشرين الأول) 2022".
وأضاف قبيل انتهاء الهدنة الحالية أن هذا التمديد "يتضمن التزاماً من الأطراف بتكثيف المفاوضات للوصول إلى اتفاق هدنة موسع في أسرع وقت ممكن".
وقوبل الإعلان بترحيب محلي ودولي واسع تقدمته الولايات المتحدة التي برز دورها أخيراً في قيادة حراك دبلوماسي دولي ملاحظ نحو وقف الحرب في اليمن، تبعته الحكومة الشرعية والسعودية ودول أخرى.
استجابة اللحظات الأخيرة
وعلى الرغم من التلكؤ الذي أبداه الطرفان خلال الأيام الماضية إزاء المطالب الأممية المتكررة بتمديد الهدنة، إلا أنهما رضخا أخيراً للضغوط المتنامية كما يبدو في مسعى دولي إلى تهيئة الظروف لعملية سياسية شاملة تؤسس لسلام مستدام يبدأ بوقف الحرب الدائرة منذ ثماني سنوات، إذ أصدر الحوثيون بياناً في الـ 15 من يوليو (تموز) الماضي أعلنوا فيه رفضهم الضمني تمديد الهدنة، معتبرين أنها "مثلت تجربة صادمة ومخيبة للآمال ولا يمكن تكرارها في المستقبل"، إلا أنهم رضخوا لضغوط دولية معينة، وموافقتهم جاءت عقب ساعات من اختتام زيارة قام بها وفد سياسي من سلطنة عُمان إلى صنعاء استمرت يومين، التقوا خلالها زعيم الميليشيات عبدالملك الحوثي، ورئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، وفقاً للمتحدث باسم الجماعة الموالية لطهران محمد عبدالسلام.
ورحبت الحكومة بتمديد الهدنة آملة بأن تشهد التزاماً حوثياً بنصوصها عقب اتهامها لهم خلال الهدنتين السابقتين بعدم تنفيذ البنود، ومنها فتح المعابر والطرقات من وإلى مدينة تعز التي يحكمون عليها حصاراً مطبقاً منذ سبع سنوات، ودفع رواتب موظفي الدولة في مناطق سيطرتهم.
التأسيس لعملية سياسية
وقال غروندبرغ إن مقترح "الهدنة الموسعة سيتيح المجال أمام التوصل إلى اتفاق على آلية صرف شفافة وفعالة لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين بشكل منتظم، وفتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى، وتسيير مزيد من وجهات السفر من وإلى مطار صنعاء، وتوفير الوقود وانتظام تدفقه عبر موانئ الحديدة غرباً".
واعتبر أن من شأن الاتفاق "أن يوفر أيضاً الفرصة للتفاوض على وقف إطلاق نار شامل وعلى القضايا الإنسانية والاقتصادية وللتحضير لاستئناف العملية السياسية بقيادة اليمنيين تحت رعاية الأمم المتحدة للوصول إلى سلام مستدام وعادل".
وسبق أن وافقت الحكومة اليمنية والحوثيون مطلع يونيو (حزيران) الماضي على التمديد شهرين إضافيين للهدنة التي دخلت حيز التنفيذ خلال أبريل (نيسان) الماضي، وأسهمت في تهدئة ألسنة النار بشكل محدود في جبهات النزاع التي تسببت بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
بين السياقين العسكري والسياسي
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما اكتفى مجلس القيادة الرئاسي طوال الفترة الماضية بإصدار سلسلة بيانات تكرر المطالبة ذاتها للمجتمع الدولي بالضغط على الميليشيات بوقف التصعيد والانصياع للسلام والالتزام بالهدنة، تواصل الميليشيات المدعومة من إيران حشد مسلحيها حول المدن والمناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية، مستغلة حال الالتزام التام الذي تبديه القوات الحكومية، وتوقف التغطية الجوية لمقاتلات التحالف العربي، مما أتاح لها رفد جبهاتها بمزيد من المقاتلين والعتاد بخاصة في أطراف مأرب ومنطقة قيفة رداع بمحافظة البيضاء التي اقتحمتها أخيراً، إضافة إلى محافظة تعز، ولهذا بات مجلس القيادة الرئاسي يتحرك، وفقاً لمراقبين، خارج الخيار العسكري، في حين يعمل الحوثي على الخيارين معاً، فهو يفاوض للحصول على مزيد من المكاسب من المجتمع الدولي، ويحشد في الجبهات استعداداً لجولة صراع أشد دموية.
هدنة للأنفاس
وبنظرة إلى واقع الحال عقب أربعة أشهر من الهدنتين السابقتين في ميزان التقويم وفقاً للأسباب التي أعلنت لأجلها، يرى مراقبون أن الحوثيين هم المستفيد الأكبر بعد أن منحتهم الهدنة إجمالاً مكاسب عسكرية واقتصادية كثيرة، في حين لم يلمس المواطن تحسناً في الوعود التي سبقت الهدنة وبنودها، كون العملية الإنسانية والاغاثية لم تف بوعودها لملايين الجياع والمشردين، فالهدنة تنص على أربعة بنود، تضمنت الثلاثة الأولى منها في الغالب مصالح الحوثيين، وتتمثل في وقف جميع العمليات العسكرية وتجميد المواقع العسكرية ودخول 18 سفينة للمشتقات النفطية خلال شهري الهدنة إلى موانئ الحديدة في مسعى إلى تخفيف النقص الحاد في الوقود، وتشغيل رحلتين جويتين تجاريتين أسبوعياً من وإلى صنعاء بين كل من الأردن ومصر.
ونص البند الأخير الذي كان يفترض أن يحقق مصلحة الحكومة على التزام الحوثيين بفتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين، وهو الشرط الذي لم ينفذوه حتى اللحظة.
وعلاوة على رفضهم تنفيذ تلك الالتزامات لم يلمس المواطنون في مناطق سيطرة الميليشيات أية انفراجة في واقعهم الصعب، إذ لم تدفع رواتب الموظفين وغيرها من الالتزامات، على الرغم من رفدهم بمليارات الريالات، بعد أن ظلوا يتحججون بمنع دخول السفن وتوقف الإيرادات في البنك المركزي بصنعاء.
انفراجات موعودة
ولم يغفل حديث المبعوث الأممي التطرق إلى المساعي الأممية والدولية المتنامية للوصول إلى تسوية سياسية للحرب، ولهذا أكد أن "الهدف الرئيس من الهدنة الحالية هو توفير انفراجة ملموسة للمدنيين في البنود التي تتضمنها الهدنة، وإيجاد بيئة مواتية لبلوغ تسوية سلمية للنزاع من خلال عملية سياسية شاملة".
وتطرق إلى آلية تنفيذ التزامات الأطراف، وقال إنه سيكثف خلال الأسابيع المقبلة انخراطه مع الأطراف لضمان التنفيذ الكامل "لجميع التزامات الأطراف بالهدنة، بما في ذلك تنفيذ العدد الكامل للرحلات الجوية وانتظامها إلى الوجهات المتفق عليها من مطار صنعاء الدولي وإليه، وكذلك عدد سفن الوقود التي تدخل إلى ميناء الحديدة كما ينص عليه اتفاق الهدنة"، في إشارة إلى تعثر تنفيذ بنود الهدنتين السابقتين.
واعتبر أن "من المهم إحراز تقدم حول فتح طرق في تعز ومحافظات أخرى لتسهيل حرية حركة ملايين اليمنيين من نساء ورجال وأطفال، وتسهيل تدفق السلع أيضاً، إذ يستحق سكان تعز والمحافظات الأخرى أن تعود عليهم الهدنة بالمنفعة".
وعلى مدى الأسابيع الماضية شهدت العاصمة الأردنية عمّان سلسلة مشاورات قادها غروندبرغ، لكن الحوثيين رفضوا فتح الطرق التي يحكون قبضتهم عليها، خصوصاً في تعز التي تسيطر عليها الحكومة ويحاصرها الحوثيون، مما تسبب في صعوبة حركة مرور السكان بين المناطق الشمالية التي يسيطر عليها الحوثيون والتي تمثل 30 في المئة من اليمن، ويعيش نحو 70 في المئة من السكان، وبين المناطق الموالية للشرعية التي تصل إليها معظم المواد الغذائية والبضائع.
"التقسيم" والهدنة
ويعتبر قطاع واسع من المتابعين أن حصر القضية اليمنية في جانبها الإنساني واختزالها في تجديد الهدن الأممية فقط يعد قصوراً في فهم طبيعة المشكلة وجذورها، ومؤشراً إلى تحولها من قضية دولية سياسية بامتياز ناتجة من انقلاب مسلح على الدولة والإجماع الوطني إلى قضية إنسانية تتلاشى أهمية أبعادها مع الأيام.
ويقول سفير اليمن لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) محمد جميح، إن أخطر ما في تمديد الهدنة في اليمن لشهرين إضافيين هو أن يستمر التمديد من دون أفق سياسي، محذراً من أن هذا التمديد سيكرس واقع التقسيم باحتفاظ كل بما تحت يده من أرض وموارد.
وأضاف عبر حسابه على "تويتر" أن "تمديد الهدنة مهم للمواطن اليمني الذي يريد أن يتنفس الصعداء، لكن أخطر ما في الأمر أن يستمر التمديد من دون أفق سياسي".
وأشار جميح إلى أن الهدف من الهدنة هو الحل السياسي، مؤكداً أنه إذا غاب الحل مع استمرار تجديد الهدنة فتلك "وصفة حقيقية للتقسيم".