تستعد تونس لإجراء تحريك رابع لأسعار المحروقات منذ بداية العام الحالي لتشمل أربع منتجات بترولية، بغرض سد اختلال الميزان الطاقي الآخذ في التدهور إثر اندلاع الحرب الروسية -الأوكرانية وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ومن المنتظر أن ترفع الحكومة التونسية أسعار منتجات البنزين الخالي من الرصاص والغازوال العادي والغازوال من دون كبريت، والبنزين الخالي من الرصاص "الممتاز"، والغازوال الخالي من الكبريت "الممتاز"، من دون المساس بقوارير الغاز الطبيعي المدعمة لفائدة المحدودة الدخل.
وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم نائلة القنجي قالت إن "الظرف الطاقي الراهن في تونس يقتضي إجراء تعديل طفيف على أسعار المحروقات"، وأكدت في تصريح إعلامي الثلاثاء الثاني من أغسطس (آب) أن الحل على المدى القصير جداً يستوجب القيام بتعديل في أسعار المحروقات، وبالتوازي اتخاذ إجراءات مرافقة لفائدة الفئات محدودة الدخل، مشددة في الوقت ذاته على عدم رفع الدعم عن المحروقات.
ولم تفصح الوزيرة عن موعد تحريك الأسعار أو تقديم تفاصيل أكثر عن الأسعار المزمع اعتمادها، ملمحة إلى أن التعديل سيكون قريباً.
التعديل الرابع
ومنذ بداية العام الحالي وإلى الآن رفعت تونس أسعار المحروقات في ثلاث مناسبات، كانت الأولى في الأول من فبراير (شباط)، والثانية في الأول من مارس (آذار)، أما الثالثة فكانت في الـ 14 من أبريل (نيسان)، وفي كل مرة تتم الزيادة ما بين 50 و100 مليم (16 و35 سنتاً).
ويأتي تصريح وزيرة الصناعة والطاقة والمناجم اليوم في إطار تحضير الرأي العام التونسي لاستعداد الحكومة إقرار تحريك رابع لأسعار المواد البترولية بعد توقف دام ثلاثة أشهر.
ومع كل زيادة في أسعار المحروقات تؤكد وزارة الصناعة والتجارة عبر بيانتهما الرسمية أنه "في ظل تواصل الأزمة العالمية الحالية وما تشهده أسواق الطاقة من اضطرابات وأخطار تتعلق بتقلص الإمدادات وارتفاع كلفة المواد البترولية، وسعياً إلى تأمين تزويد السوق المحلية بصفة منتظمة، تقرر تعديل أسعار بعض المواد البترولية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي المقابل تشدد الوزارتان على أن أسعار مواد غاز البترول المسيل وبترول الإنارة الموجهة للاستهلاك المنزلي لم يطرأ عليهما أي تغيير.
ويشار إلى أنه وفق موازنة تونس فإن كل زيادة بدولار واحد في البرميل يترتب عليها حاجات تمويل إضافية لمنظومة المحروقات والكهرباء والغاز بنحو 140 مليون دينار (46.6 مليون دولار) خلال السنة".
وعلى الرغم من تبريرات الحكومة فإن كل تحريك في أسعار المواد البترولية يتبعه رفض شعبي واسع من المواطنين، خصوصاً أصحاب السيارات والشاحنات التجارية وأصحاب المصانع الذين يرون في التعديل تأثيرات في قدرتهم الشرائية، لما سيتبعها من ترفيعات في أسعار العديد من المنتجات المرتبطة بالمحروقات.
ويتذمر المستثمرون والصناعيون من تحريك أسعار المحروقات الذي سيؤثر في قدرتهم التنافسية ويضعفها في الأسواق الخارجية والتصدير.
وتمر تونس بظرف اقتصادي ومالي صعب عمقته أزمة كورونا وأكملته تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية التي أربكت مجمل التوازنات المالية للبلاد، فسجلت صعوبات جدية في التزود بالمواد الغذائية والطاقية.
اختلال ميزان الطاقة
وأقرت وزيرة الصناعة التونسية في تصريحها بأن "الوضع الطاقي في تونس أضحى مختلاً بسبب ما وصفته بالارتفاع الصاروخي لأسعار النفط في الأسواق العالمية"، مبينة أن من بين فرضيات بناء الموازنة لهذه السنة اعتماد سعر برميل النفط "برنت" بـ 75 دولاراً، لكنها استدركت بالتوضيح أنه "بسبب التطورات العالمية الحاصلة بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية بلغ معدل سعر برميل برنت 108 دولارات".
تعديل آلي للأسعار
وتحدثت الوزيرة عن إقرار برنامج للتعديل الآلي لأسعار المحروقات شهرياً وفق ما تضمنه قانون المالية لهذا العام، مشيرة إلى أن هذا التعديل كان من المفروض أن يوفر 32 في المئة من حاجات الدعم، لكن بسبب ارتفاع أسعار النفط فإن التعديل الآلي لن يمكن من توفير سوى 16 في المئة.
وشددت القنجي على أهمية إرساء مقاربة ترتكز على زيادة أسعار المواد البترولية في سقف لا يتجاوز الخمسة في المئة، علاوة على مضاعفة الجهود لترشيد استهلاك الطاقة في كل المستويات، عبر الأسر والنقل والبناءات واستعمال السيارات.
واعتبرت أن "المعطى الطاقي الراهن أصبح مقلقاً، لا سيما على مستوى التوازنات المالية للبلاد، من منطلق أن الهدف المرسوم منذ بداية العام هو إنجاز الاستثمارات العمومية في مجال النقل العمومي لغرض التقليص من الانبعاثات الغازية"، مشيرة إلى "وجود استراتيجية كاملة من الحكومة لدعم النقل العمومي المشترك والاشتغال أيضاً على النقل الكهربائي.
زيادات الكهرباء والغاز
وكانت الحكومة التونسية قررت في الـ 13 من مايو (أيار) هذا العام رفع أسعار الكهرباء والغاز من خلال اعتماد تعريفات جديدة لأصحاب الحرف المنزلية والصناعية بمقدار 12.2 في المئة للكهرباء و16 في المئة للغاز الطبيعي، وبين 12 و15 في المئة للصناعيين من مستعملي الجهد العالي والمتوسط.
وتأتي الزيادة الجديدة في وقت تمر فيه البلاد بأزمة اقتصادية ومالية خانقة، ترجمتها نسبة التضخم المرتفعة 8.1 في المئة خلال يوليو (تموز) 2022، إذ يعود آخر تحريك في تعريفات الكهرباء والغاز إلى يونيو (حزيران) 2019.
وسرّعت تداعيات الحرب الروسية -الأوكرانية الارتفاع غير المسبوق في أسعار برميل النفط عبر الأسواق العالمية من خلال إقرار الزيادة الجديدة بتعريفات الكهرباء والغاز في تونس لتفادي اضطرابات التوازنات المالية في ما يخص دعم المحروقات والطاقة، علاوة على الحفاظ على مستويات منخفضة للتوازنات المالية لشركة الكهرباء والغاز التي تشكو بدورها عجزاً مالياً فادحاً منذ سنوات عدة.
ووضعت حكومة نجلاء بودن منذ إقرار قانون الموازنة لعام 2022 مخططاً لزيادات تعريفات الكهرباء والغاز ضمن إصلاح منظومة دعم الطاقة بهدف الاقتراب أكثر من الأسعار العالمية،
وأقرت موازنة تونس لهذه العام إرساء التعديل اﻵلي للأسعار بصفة دورية ومحددة بالنسبة إلى الكهرباء والغاز مع استثناء الفئات الهشة.
كما يندرج إقرار التعديل الآلي لأسعار الكهرباء والغاز في تونس ضمن إصلاح منظومة دعم الطاقة التي من المنتظر أن توفر عائدات بقيمة 603 ملايين دينار (200 مليون دولار).