بعيداً من أعين السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية التي أعلنت أخيراً حرباً ضد عمليات تسريب الأراضي للمستوطنين، أصدر قائد المنطقة الوسطى للجيش الإسرائيلي يهودا فوكس أمراً عسكرياً نافذاً يتيح للفلسطينيين ممن يريدون بيع أراضيهم في الضفة الغربية، استصدار قرار "حصر إرث" من محكمة شرعية إسرائيلية بدلاً من فلسطينية.
ووفقاً لصحيفة "يسرائيل هيوم" يواجه المستوطنون صعوبات وعراقيل في صفقات شراء الأراضي من فلسطينيين، لما يتعين على ذلك من إجراءات معقدة يلزم تنفيذها داخل المحاكم الشرعية الفلسطينية، إضافة إلى أن جهات فلسطينية تعمل ضد تسريب الأراضي للمستوطنين.
رئيس معهد بيغن للقانون حغاي فينيتسكي رحب باستصدار القرار بقوله إن "الهدف كان السماح لفلسطينيين بالحصول على القرار التقني (حصر الإرث) من دون تدخل ومتابعة السلطة الفلسطينية وأفراد الأمن الوقائي وإخضاعهم للاعتقال والتعذيب، وكذلك إضفاء مزيد من السرية حول عمليات البيع، ما يشجع الراغبين في تنفيذ الصفقات دون الخوف من العواقب".
ورحبت عضوة الكنيست من كتلة الصهيونية الدينية أوريت ستروك بإصدار الأمر العسكري بقولها "مقابل الحرب الوحشية التي تخوضها السلطة الفلسطينية ضد شراء أراض من جانب اليهود، فإن هذا رد ذكي وبسيط وناجع، والقرار بتبنيه بمثابة بشرى".
غضب فلسطيني
في المقابل، اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في بيان رسمي أن القرار العسكري الإسرائيلي سيسهل عملية تسريب أراضي الفلسطينيين وتعزيز الاستيطان، وأشارت إلى أن "هذه القرارات تندرج في إطار عمليات تكريس ضم القدس وتهويدها وفصلها تماماً عن محيطها الفلسطيني، وتقطيع أوصال المناطق والأحياء المقدسية وتحويلها إلى شظايا متناثرة تغرق في محيط استيطاني ضخم مرتبط بالعمق الإسرائيلي، وتأتي أيضاً في سياق السياسة الإسرائيلية الرسمية الهادفة لحسم مستقبل قضايا الصراع التفاوضية من جانب واحد، ووأد أية فرصة لتطبيق مبدأ حل الدولتين".
من جهته، حذر قاضي قضاة فلسطين الشرعيين، مستشار الرئيس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية، محمود الهباش، من التعامل مع الأمر العسكري الإسرائيلي الجديد، مؤكداً في بيان صحافي أن المحاكم الشرعية الفلسطينية هي "صاحبة الولاية الشرعية والقانونية بالأراضي الفلسطينية في إصدار حصر الإرث وجميع مسائل الأحوال الشخصية بمختلف تسمياتها".
وشدد على أنه "لا صلاحية للمحاكم الإسرائيلية مهما كانت تسمياتها على أي شبر في الأراضي الفلسطينية وتحت أي ظرف"، معتبراً القرار "جريمة ومخالفة للقانون الدولي واتفاقات جنيف، واعتداء سافر على صلاحيات المؤسسات الفلسطينية"، ومحذراً من أن أية معاملة ستضع صاحبها تحت طائلة المساءلة القانونية أمام المحاكم الفلسطينية.
تجريم وتحريم
وبينما يسمح القانون الإسرائيلي للإسرائيليين والمستوطنين بالشراء في مناطق السلطة الفلسطينية، يحظر القانون الفلسطيني ذلك ويعده جرماً محرماً، ويعتبره الفلسطينيون "خيانة عظمى" عقوبتها السجن المؤبد. وفي عديد من الحالات تعرض هؤلاء للقتل على أيدي فلسطينيين يعارضون بيع الأراضي لإسرائيل، وفرض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عام 2014 عقوبة السجن المؤبد مع الأعمال الشاقة على "كل من يحول أو يؤجر أو يبيع الأراضي الفلسطينية لدولة معادية أو أحد أفرادها". وبحسب القانون الفلسطيني، قد يواجه المدانون ببيع الأراضي للإسرائيليين عقوبة الإعدام.
وفيما يحكم القانون الأردني رقم" 16"، بند (114) الذي ينطبق في الأراضي الفلسطينية، على مرتكبي هذه الجريمة "بالعمل الشاق المؤقت"، يشدد قانون العقوبات الثوري لمنظمة التحرير الفلسطينية لعام 1979 بتنفيذ حكم الإعدام على من وصفهم "بالخونة والمتهمين بتحويل المواقع للعدو". ومنذ أواخر التسعينيات، قضت المحاكم الفلسطينية بالإعدام على سماسرة الأراضي المذنبين، لكن لم يوافق الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ انتخابه عام 2004 على تطبيق عقوبة الإعدام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع ازدياد عمليات تسريب الأراضي للمستوطنين خلال السنوات الأخيرة، أطلقت المرجعيات الدينية الفلسطينية فتاوى شرعية عدة ضد المسربين، حيث أصدر المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية المقدسة محمد حسين عام 2018 فتوى "تحرم تسهيل تمليك أي جزء من القدس وأرض فلسطين للمستوطنين". وقال خطيب المسجد الأقصى عكرمة صبري "بائع الأرض للجماعات اليهودية أو السماسرة لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم"، وأضاف أن "دمه يكون هدراً، ويجب مقاطعته".
ردع حقيقي
وتلاحق السلطة الفلسطينية مَن يثبت تورطهم في تسريب أراض وعقارات، لكنها تصدر أحكاماً يرى كثيرون أنها ليست رادعة، إذ تتراوح بين 5 سنوات و15 سنة في أغلب الأحيان. ويشتكي ناشطون وحقوقيون من غياب ردع كاف بحق المسربين، بدعوى أن السلطة الفلسطينية تتعامل مع قضايا بيع الأراضي للإسرائيليين عبر توكيل المحاكم المدنية بها، كمحكمة البداية والصلح ولا تحولها للقضاء العسكري، كما أنها تتعامل مع قانون قديم يعود إلى العام 1979، ولا يعطي الصلاحية لجهاز القضاء أو السلطة التنفيذية بملاحقة المتورطين ببيع الأراضي.
ويؤكد مسؤولون في السلطة أنهم يجدون صعوبة بالغة في ملاحقة المسربين، لأن صفقات بيع الأراضي عادةً ما تتم بالسر، بسبب المخاطر التي قد يواجها المتورط، وأن بعض هذه الصفقات تتركز في المناطق المصنفة (جيم)، التي تشكل نسبتها 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وهي تخضع لسلطة أمنية ومدنية إسرائيلية، حيث لا يوجد قدرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالوجود هناك، يضاف إلى ذلك أن بعض بائعي الأراضي يعيشون في دول أوروبية وعربية ويبيعون ممتلكاتهم من هناك.
مدير الدائرة القانونية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عايد مرار يقول "بعد أن كان (إزالة الشروع) و(حصر الإرث) من اختصاص المحاكم الشرعية الفلسطينية حصراً، قرر الجيش الإسرائيلي منفرداً إعطاء هذه الصلاحيات للمحاكم الإسرائيلية، وهو قرار سياسي بالدرجة الأولى، ويدل أن إسرائيل لا تقر بوجود السلطة الفلسطينية بخاصة في المناطق (جيم)". وأضاف "هذا القرار سيعرقل قدرة الفلسطينيين على إثبات حقوقهم بملكية الأرض، خصوصاً من يعيشون خارج البلاد وفي مناطق (جيم)، فعند إحضار سلسلة الورثة لحصر إرث من المحاكم الإسرائيلية سيظهر الغائب فيهم، وسيفتح ذلك المجال لتدخل (حارس أملاك الغائبين) الذي يستطيع بدوره وضع اليد عليها وتأجيرها".
ضحية خداع
يُشار إلى أنه تحت ضغط الإغراءات المالية الكبيرة، يلجأ قلة من الفلسطينيين لبيع عقاراتهم، فيما يؤكد بعضهم الآخر أنهم وقعوا ضحية عمليات خداع، ولا يعرفون أن أرضهم المبيعة ستذهب ليهود بطريقة أو بأخرى، ووفقاً لجهاز الأمن الوقائي يوجد في الضفة الغربية أكثر من 120 شركة تعمل في مجال تسريب الأراضي تحت تسميات عربية وأخرى إسرائيلية.
وفي وقت سابق، أقر ديفيد بيري رئيس جمعية "ألعاد" الاستيطانية الناشطة في القدس لوسائل إعلام إسرائيلية، بأنهم "يرسلون أحياناً وسطاء يقولون إنهم من منظمات عربية، لإقناع العرب ببيع أراضيهم ومنازلهم، ومن ثم يحولون ملكيتها إلى الجمعية".
ووفقاً للقوانين المعمول بها في الضفة الغربية لا يسمح إلا للأردنيين أو الفلسطينيين أو الأجانب من أصل عربي بشراء وتملك الأراضي، فيما لا يسمح لليهود ولا للإسرائيليين بتنفيذ صفقات عقارية وإبرام صفقات في الضفة الغربية بشكل فردي، ولكن يسمح ذلك فقط من خلال شركة وموافقة رئيس الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي.