كشف تقرير حديث أن البيانات في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو، تشير إلى تباطؤ الزخم الاقتصادي، وتوقعت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني، أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 2.1 في المئة هذا العام و1.3 في المئة خلال عام 2023، وقالت إنها تتوقع أن تواصل لجنة السوق المفتوحة صانعة السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي رفع أسعار الفائدة في اجتماعاتها المقبلة ليصل سعر فائدة الأموال الاتحادية إلى نطاق بين 3.50 في المئة و3.75 في المئة بحلول نهاية العام الحالي، وأن يرتفع المعدل فوق 4.0 في المئة بحلول مارس (آذار) 2023، ورجحت أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة اليورو سينمو بنسبة 2.2 في المئة خلال عام 2022 و0.9 في المئة خلال عام 2023، كما توقعت أن يشرع البنك المركزي الأوروبي في مسار متسارع لتشديد السياسة النقدية على مدار اجتماعاته المقبلة.
أزمات تضر بمصداقية البنوك المركزية
وقبل أشهر عدة، توقعت البنوك المركزية في الاقتصادات الكبرى، أن تتمكن من تشديد السياسة النقدية بشكل تدريجي للغاية، ويبدو أن التضخم مدفوع بمزيج غير عادي من صدمات العرض المرتبطة بالوباء وغزو روسيا أوكرانيا، وكان من المتوقع أن ينخفض بسرعة بمجرد تخفيف هذه الضغوط، لكن في الوقت الحالي، ومع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عقود عدة، واتساع ضغوط الأسعار لتشمل الإسكان والخدمات الأخرى، تدرك البنوك المركزية الحاجة إلى التحرك بشكل أكثر إلحاحاً لتجنب عدم ربط توقعات التضخم والإضرار بمصداقيتها، كما يجب على صانعي السياسات أن ينتبهوا لدروس الماضي، وأن يكونوا حازمين لتجنب التعديلات الأكثر إيلاماً وتعطيلاً في وقت لاحق.
وخلال الفترة الماضية، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبنك كندا، وبنك إنجلترا المركزي، برفع أسعار الفائدة بالفعل بشكل ملحوظ، وأشارت تلك البنوك إلى أنها تتوقع مواصلة الارتفاعات الكبيرة هذا العام، كما رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة، أخيراً للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
معدلات حقيقية أعلى للمساعدة في خفض التضخم
وفي مذكرة بحثية حديثة، كشف صندوق النقد الدولي أن إجراءات واتصالات البنوك المركزية حول المسار المحتمل لتشديد السياسة النقدية أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الفائدة الحقيقية (أي المعدلة حسب التضخم) على الدين الحكومي منذ بداية العام، وفي حين أن المعدلات الحقيقية قصيرة الأجل لا تزال سلبية، فإن منحنى السعر الحقيقي الآجل في الولايات المتحدة، أي مسار أسعار الفائدة الحقيقية لسنة واحدة تالية من سنة إلى 10 سنوات التي تنطوي عليها أسعار السوق، قد ارتفع عبر المنحنى إلى نطاق يتراوح بين 0.5 وواحد في المئة، ويتوافق هذا المسار تقريباً مع موقف السياسة الحقيقي "المحايد" الذي يسمح للإنتاج بالتوسع حول معدله المحتمل، واقترح ملخص التوقعات الاقتصادية الصادر عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في منتصف يونيو (حزيران) معدلاً محايداً حقيقياً يبلغ حوالى 0.5 في المئة، وشهد صانعو السياسة توسعاً في الإنتاج بنسبة 1.7 في المئة هذا العام والتالي، وهو قريب جداً من تقديرات الإمكانات، كما تحول منحنى السعر الحقيقي الآجل في منطقة اليورو، المدعوم بالسندات الألمانية، إلى الأعلى، على الرغم من أنه لا يزال سلبياً للغاية، وهذا يتفق مع المعدلات الحقيقية التي تتقارب تدريجياً فقط إلى محايدة.
كما أدى صعود أسعار الفائدة الحقيقية على السندات الحكومية إلى ارتفاع أكبر في تكاليف الاقتراض للمستهلكين والشركات، وأسهم في حدوث انخفاضات حادة في أسعار الأسهم على مستوى العالم، ويبدو أن النظرة النموذجية لكل من البنوك المركزية والأسواق هي أن تشديد الأوضاع المالية سيكون كافياً لدفع التضخم إلى المستويات المستهدفة بسرعة نسبياً، وللتوضيح، تشير مقاييس توقعات التضخم المستندة للسوق، إلى عودة التضخم إلى حوالى اثنين في المئة خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة لكل من الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، وتشير التوقعات الفصلية الأخيرة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى اعتدال مماثل في معدل الزيادات في الأسعار، كما تفعل استطلاعات الاقتصاديين والمستثمرين.
الأسهم والائتمان وأصول الأسواق الناشئة في خطر
ويبدو أن هذا يمثل خط أساس معقولاً لأسباب عدة، بخاصة في الفئات الحساسة للفائدة مثل السلع الاستهلاكية المعمرة، ويجب أن يتسبب هذا في ارتفاع أسعار السلع بوتيرة أبطأ أو حتى انخفاضها، وقد يؤدي إلى انخفاض أسعار الطاقة في حال عدم وجود اضطرابات إضافية في أسواق السلع، كما يجب أن تخف ضغوط جانب العرض مع استرخاء الوباء من قبضته وإغلاقه وتصبح اضطرابات الإنتاج أقل تواتراً، ومن المفترض أن يؤدي تباطؤ النمو الاقتصادي في نهاية المطاف إلى انخفاض تضخم قطاع الخدمات وكبح نمو الأجور.
وأصبح المستهلكون والشركات قلقين بشكل متزايد بشأن مخاطر التضخم الصاعد في الأشهر الأخيرة، وبالنسبة للولايات المتحدة وألمانيا، تُظهر الدراسات الاستقصائية للأسر أن الناس يتوقعون تضخماً مرتفعاً خلال العام المقبل، وتضع احتمالات كبيرة لاحتمال أن يكون أعلى بكثير من الهدف خلال السنوات الخمس المقبلة، وقد تكون تكاليف خفض التضخم أعلى بشكل ملحوظ إذا تحققت مخاطر الارتفاع وترسخ التضخم المرتفع، وفي هذه الحالة، سيتعين على البنوك المركزية أن تكون أكثر تصميماً وأن تشدد بقوة أكبر لتهدئة الاقتصاد، ومن المرجح أن ترتفع البطالة بشكل كبير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووسط علامات تدل على ضعف السيولة بالفعل، قد يؤدي تشديد معدل السياسة بشكل أسرع إلى مزيد من الانخفاض الحاد في أسعار الأصول الخطرة، ما يؤثر على الأسهم والائتمان وأصول الأسواق الناشئة، وقد يكون تشديد الأوضاع المالية غير منظم، ويختبر مرونة النظام المالي ويفرض ضغوطاً كبيرة بشكل خاص على الأسواق الناشئة، وقد يتقوض الدعم العام للسياسة النقدية الصارمة، التي أصبحت قوية الآن مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوياته منذ عقود عدة، من خلال تصاعد التكاليف الاقتصادية وتكاليف العمالة.
ومع ذلك، فإن استعادة استقرار الأسعار لها أهمية قصوى، وهي شرط ضروري للنمو الاقتصادي المستدام، وكان أحد الدروس الرئيسة من التضخم المرتفع في الستينيات والسبعينيات هو أن التحرك ببطء شديد لكبح جماحه يستلزم تشديداً لاحقاً أكثر تكلفة بكثير لإعادة تثبيت توقعات التضخم واستعادة مصداقية السياسة، وسيكون من المهم بالنسبة للبنوك المركزية أن تبقي هذه التجربة في أنظارها بثبات بينما تسير في الطريق الصعب.
بيانات سلبية في أكبر اقتصادات العالم
في الوقت نفسه، كشفت بيانات أن الاقتصاد الأميركي سجل انكماشاً للربع الثاني من العام على التوالي، في خطوة تعتبر في كثير من الدول ركوداً اقتصادياً، وسجل الاقتصاد الأميركي انكماشاً بمعدل سنوي بلغت نسبته 1.6 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
والانكماش في الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي يفاقم بشكل كبير خطر وقوع الاقتصاد الأميركي في حال ركود بحلول نهاية العام، ويأتي هذا بينما بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 9.1 في المئة خلال يونيو الماضي، وهو الأكبر في أربعة عقود (منذ 1981)، في وقت تتجه الميزانية الفيدرالية الأميركية نحو تسجيل أدنى عجز في أربع سنوات، مع انتهاء الإنفاق على التحفيز المرتبط بجائحة كورونا.
وشهد أكبر اقتصاد أوروبي تدهوراً واضحاً في مؤشر مناخ الأعمال خلال يوليو (تموز) الماضي، مسجلاً أدنى مستوى له منذ يونيو 2020، وتشير البيانات إلى أن الاقتصاد الألماني وهو الأكبر في منطقة اليورو، على أعتاب ركود، وحسب المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية، تراجع مؤشر مناخ الأعمال إلى 88.6 نقطة في يوليو بعدما كان 99.2 نقطة في يونيو، والتراجع كان حاداً بشكل خاص في قطاع الصناعة إذ بلغ التشاؤم للأشهر المقبلة أعلى مستوياته منذ أبريل (نيسان) 2020.
أيضاً، دخلت الصين في دائرة الخوف من الركود، وأشار كبار قادة البلاد إلى عدم وجود حافز كبير للنمو الاقتصادي في الطريق، ويأتي ذلك بينما تواجه البلاد ضغوطاً تضخمية أكبر في الأشهر المقبلة، وسجلت الصين تراجعاً حاداً في نموها الاقتصادي في الربع الثاني من العام بنمو لم يتعد 0.4 في المئة محققة أسوأ أداء منذ 2020، ونما الناتج المحلي الإجمالي للصين بنسبة 2.5 في المئة فقط في النصف الأول من العام مقارنة بالعام الماضي، كما انكمش نشاط المصانع الصينية بشكل غير متوقع في يوليو، بعد التعافي من تداعيات عمليات الإغلاق التي فرضتها السلطات للحد من انتشار فيروس كورونا، الشهر السابق، وانخفض مؤشر مديري المشتريات الصناعي الرسمي إلى 49 نقطة من 50.2 نقطة في يونيو، بحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء.